بورتريه.. خبير استبطان الأشياء!

كتب: اخبار الخميس 15-09-2011 17:10

لو جاز لنا أن نقتبس منه طريقته الفريدة في التعبير فيمكن القول:

الوجه ممتلئ، مصري أصيل، سمت موظف حكومي قضى جلّ سنوات عمره في الوظيفة. ليست له أحلام تطلعية لحياة مادية تشبع نهمه، يكفيه الستر وحسب. العينان لرجل مُرهق، رأى كثيراً، وعرف كثيراً، وتألم كثيراً، بينما يُنبئ الشعر الثائر على جانبي الرأس، إنه مثل صاحبه، يتمرد دون ضجيج من لا يطلب الشهرة، ويعبّر عن موقفه بوضوح من لا يقبل الالتواء، ويتحدث بعشق هامس كمن عرف بأن البشر هم البشر، مهما تغيرت أزمنتهم وأمكنتهم، وبالتالي فهو لا يتكلم من برج عال، بل ينزل إلى القاع يتشارك مع الناس في أحلامهم، وهمومهم، وأخطائهم أيضاً.

 أخلص للكتابة بكل أنواعها، وكأن عشقه يقبل التوزيع، لكن دون تشتت؛ فتجده روائياً من الطراز الأول، وقاصاً من الطراز الأول، وناقداً من الطراز الأول، وباحثاً مجتهداً من الطراز الأول، وكاتباً للسيناريو من الطراز الأول، وكأنه لا يقبل بأنصاف المراتب، ويكفيك أن تتعرض لأي عمل من أعماله، فيخيل إليك بأن الرجل قد تفرّغ لها وكأن ذلك العمل درة أعماله، وخاتمتها أيضاً.

استبطان الشخصية، ومعرفة سرها هو شاغله الأول.

يبدأ من الوجه في بورتريهاته، وعلى مهل يأخذ القارئ لباطن الشيء - الشخص. إنه طبيب نفسي بارع يمزج الخاص بالعام، حتى يلمسك بعصاه السحرية، فينتقل إليك سرّ الشخصية، وكأنك عشت حياتها، ومررت بما مرّت به من قبل، وهي قدرة فريدة يتميز بها ذلك الرجل، الذي كأنه يكتب بمداد دمه، وحتى لو كان ملتزماً بكتابة بورتريه كل أسبوع، فهو هنا يكتب من مخزن مزدحم بالذكريات، فلا حاجة له أن يقدح زناد فكره عن شخصية ما يكتب عنها، وحتى في الشخصيات المتناثرة بطول رواياته وقصصه، هي شخصيات من لحم ودم. هل تنكر أن صالح هيصة نموذج موجود بالفعل في شارع معروف بين أروقة المقاهي والحشّاشين؟، وما رأيك في الحاجة  فاطمة تعلبة وسطوتها كقائدة لبيت يكاد ينهدم لو ترك للكسل والخمول؟ وحتى عندما يشطح بخياله؛ فيأخذك من يدك في رحلات الطرشجي  الحلوجي، فتقابل المقريزي، وتتعرف على مصر أخرى أظهرها التاريخ، وطمرناها نحن بجهلنا وتكاسلنا في طلب المعرفة، بينما كان على خيري شلبي أن يُزيح الغبار عنها، وعن عقولنا أيضاً.

عارف فكري