«المصري اليوم» مع أهالى ضحايا مركب رشيد قبل ساعات من الحكم

كتب: آيات الحبال السبت 25-03-2017 20:32

رغم مرور أكثر من سبعة أشهر على وفاة كريم حسان؛ إلا أن الكلمات الأخيرة التي قالها خلال استغاثته بوالده هاتفيًا لا تفارق الأب المكلوم أينما ذهب. «المركب عند مدخل بوغاز رشيد وبتغرق واحنا كوم لحم فوق بعض الحقنى». ورغم قصر المكالمة إلا أنه حدد فيها مكان المركب ووصف حال ركابه قبل أن يبتلعهم البحر.

كريم حسان ابن قرية الجزيرة الخضراء التابعة لمركز مطوبس بكفر الشيخ، لم يتجاوز 17 عامًا، قرر السفر إلى إيطاليا في محاولة للبحث عن فرصة عمل وبناء منزل لأسرته حتى لا يشعرون بأنهم «ضعاف» على حد وصف والده. وبمجرد حصوله على شهادة الدبلوم الفني بدأ مشوار البحث عن طريقة للسفر إلى إيطاليا.

تحدث الوالد عن الأسباب التي دفعته لخوض هذه التجربة «ابنى شافنا ضعاف وملناش ظهر فقرر السفر زي أي شاب هنا. عمل باسبور بحرى واوهموه إنه هيسافر على مركب تجارى ولكن فوجئت بيه بيكلمنى وأنه في مركب صيد وبيموت ورحت لقيت جثته قرب البوغاز».

لم يكن الأب المكلوم يعرف أن هذه رحلة كريم الأخيرة، بعد أو وقع ضحة سماسرة الهجرة الذين تسببوا في فقد 180 أسرة لأبناءهم في القضية المعروفة إعلاميا بـ «مركب رشيد»، والتى تعرضت للغرق في رشيد وتم القبض على 57 متهم جميعم في انتظار حكم المحكمة.

ساعات قليلة تفصلنا عن النطق بالحكم على المتهمين في قضية رقم 0 4974 إدارى رشيد لسنة 2016 كلى، بعد حجزها للنطق بالحكم يوم 26 مارس 2017.

تعود تفاصيل القضية إلى سبتمبر من العام الماضى، عقب غرق مركب صيد على متنها أكثر من 300 فرد كانوا في رحلة هجرة غير شرعية لإيطاليا، وتمكن رجال البحرية وحرس الحدود والأهالى من إنقاذ 165 شخصًا من الغرق، وانتشال نحو 40 جثة. وتبين من الفحص أن المركب تحرك من «برج مغيزل» بدائرة مركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، وغرق في عرض البحر المتوسط، ووجهت نيابة شمال دمنهور الكلية تهم القتل الخطأ والإهمال والرعونة واستخدام مركب «الرزق بإذن الله»، في غرض غير مخصص لها، وعدم استخدام وسائل إنقاذ كافية، وتعريض حياة أطفال للخطر، ومزاولة مهنة إلحاق عمالة للخارج دون ترخيص، واستخدام مركبين «غزال الجديدة» و«الحاج فتحى عابدين»، بالمخالفة لشروط الترخيص الممنوح لهما.

أهالى ضحايا مركب رشيد

قرية الجزيرة الخضراء إحدى قرى مركز مطوبس التابع لكفر الشيخ التي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بطول حوالي 16 كيلو متر، وتمتد حدودها مع محافظة البحيرة عن طريق قرية برج رشيد، تشتهر بزراعة النخيل ويعمل أغلب سكانها في صناعات الجريد، وتعانى من نقص الخدمات الصحية والتعليمية ويلجأ أغلب شبابها إلى السفر خارجها نظرًا لضيق الحال وقلة فرص العمل على حد قولهم.

في الجهه المقابلة لبوغاز برج رشيد بقرية الجزيرة الخضراء الذي شهد واقعة غرق مركب رشيد التقت «المصرى اليوم» أهالى ضحايا المركب المنكوب قبل ساعات من الحكم على المتهمين في القضية، وطالب الأهالى بتحويلها إلى محكمة الجنايات، والقبض على سماسرة الهجرة غير الشرعية بالمنطقة وخاصة الهاربين منهم.

هلال اسماعيل غنيم والد الضحية محمد هلال، أحد ضحايا المركب المنكوبة، رفض سفر ولده وطالبه بالتراجع عن الفكرة، ولكن الابن صمم على السفر لمساعدة والده الذي لا يقوى على العمل لتوفير علاج والدته التي تعانى من أنيميا تكسرية منذ 12 عامًا، ما تحتاج معه إلى عملية نقل دم وعلاج تتخطي تكلفته الشهرية 1000 جنيه؛ فكان السفر هو الحل الوحيد أمام الشاب الذي لم يتجاوز 19 عامًا «لم يكن لديه أي طريقة لمساعدتنا إلا من خلال هذه الرحلة، ففكر أن يسافر إلى إيطاليا، وأخبرنى عن نيته للسفر، فرفضت وخفت عليه من ما أسمعه عن مخاطر السفر عبر البحر، أقنعه زملاءه ممن سبق لهم السفر بانه في حالة السفر سيتمكن من العيش بشكل جيد وتوفير نفقاته لرعايتنا ولزواجه».

خرج محمد من المنزل مساء يوم 20 سبتمبر الموافق الثلاثاء الساعة الثامنة مساء يوم ا2016. حاول والده الاتصال به بعد ساعات فوجد هاتفه مغلق، وبعدها علم بقصة غرق المركب. «محمد أبنى طلع زى الفسيخ وعرفت جثته من ملابسه وانقذه الصيادين وليس قوات الإنقاذ لأن مفيش حد أنقذ الولاد رغم استغاثتهم».

محمد شرف عمره 20 عامًا وحاصل على دبلوم صنايع، عمل لمدة عام بالأردن، وعاد إلى مصر ثم قرر السفر إلى إيطاليا ولكن بطريقة شرعية. قاده القدر إلى سماسرة هجرة غير شرعية أقنعوه بقدرتهم على تسفيره ضمن فريق عمل باخرة تجارية واستخرجوا له باسبور سفر بحرى بنمي ولكنه فوجئ بأنه يسافر إلى ايطاليا عبر مركب صيد انطلقت من بوغاز رشيد.

أهالى ضحايا مركب رشيد

تزامن يوم الحادث مع وصول والد الشاب العشريني الذي يعمل طاهيًا باليونان لقضاء إجازته السنوية بين أسرته، دون أن يعلم أنه في اليوم نفسه سيتسلم جثة ابنه الذي حاول السفر دون أن يخبره. عرف والده أن محمد شرف لم يكن مقرر له السفر في هذا اليوم ولكنه تلقى اتصال من أحد السماسره قبل ساعات، ليلحق بالمركب المنكوبة على ركوب المركب الذي انتهى به الحال إلى الغرق.

يتذكر الأب مشهد انتشال الجثث، ويؤكد أن مراكب الصيد هي التي أنقذت المسافرين وانتشلت الجثث من البحر، مشيرًا إلى أنه كانت هناك جثث لأفارقة وسوريين كذلك بين الضحايا، بينهم أطفال.

وأضاف شرف أنه لم يتم إلقاء القبض على السمسار الرئيسي الذي تعمد إغراق المركب، وطالب بالقصاص للضحايا قائلًا: «كيف يحاكم من تسبب في قتل أبناءنا في قضية قتل خطأ. نحن في انتظار تشريع قانون للهجرة غير الشرعية، خاصة وأننا عرفنا أن السماسر الرئيسى لهذه الرحله ويدعى (ر.أ) تمكن من السفر خارج البلاد».

وعلى الرغم من ضخامة الحادث، لم تتوقف رحلات الهجرة غير الشرعية من الجزيرة الخضراء، طبقًا لرواية الأهالي، إذ تخرج رحلات مراكب للهجرة غير الشرعية مرة على الأقل في الأسبوع، خاصة في موسم الصيف.

محمد مبروك عبدالله 18 سنة، أحد ناجين من حادث مركب رشيد من الجزيرة الخضراء، فور وصوله إلى سن 18 سنة قرر السفر إلى أيطاليا مثل باقى شباب القرية، قال لـ«المصرى اليوم» أنه لم يجد صعوبة في الوصول إلى سمسار لتسهيل عمليه السفر «السماسرة موجودين بكثرة في القرية هما بيسهلوا كل حاجه وبندفع نصف التكلفه قبل الرحله والباقى لما نوصل».

المركب كان عليها سوريين وأفارقة بالإضافة للمصريين، واشترط السماسرة علينا دفع نصف المبلغ قبل الرحلة، والنصف الآخر فور الوصول إلى إيطاليا. يقول مبروك، ويضيف: «المركب الغارق قدمت من دمياط إلى برج رشيد، حيث تم نقلنا إلى منطقة السبحة حيث نزلنا في إحدى المزارع هناك، تمهيدًا لنزولهم البحر».

وتابع: «نقلونا مرة أخرى بثلاثة زوارق صيد إلى المركب الرئيسى وعلى متنها حوالى 500 شخص، بعد عشر دقائق من سيرها داخل المياة على بعد 10 أميال اختل توازن المركب، فغرق البعض ونجا آخرون كنت من بينهم نتيجة مرور مركب صيد مصادفة.

أهالى ضحايا مركب رشيد

من جانبه، قال أحمد خضر، محامى أهالي ضحايا مركب رشيد، إن أغلب المراكب المستخدمة للهجرة غير الشرعية في رشيد تأتى من محافظات أخرى، فمعظم المراكب المضبوطة من 2013 حتى اليوم إما من دمياط أو من أبوقير، وأغلبها مراكب قديمة، يتم تسجيلها بأسماء آخرين من خارج مكان نشأتها ويشتريها السمسار بملبغ أعلى من قيمتها، وبعد ذلك يتم وضع المركب في بوغاز رشيد أو بالجزيرة الخضراء، أو مناطق أقرب للبوغاز وبعيدة عن حرس الحدود ويتم تشوينها بجوار البيوت على البحر المتوسط وأثناء تشوينها يتم إعداد المركب للرحلة.

أهالى ضحايا مركب رشيد

بعد الانتهاء من صيانة المركب للاستعداد للرحلة يتم جمع المسافرين ونقلهم إلى أماكن قريبة من مكان تشوين المركب لمدة لا تقل عن أسبوع حتى يتم جمع باقى المسافرين من المحافظات أو الأجانب، حتى يوم السفر ويتم أخذ الضحايا إلى قوارب صغيرة توصلهم إلى المركب الرئيسيه على مسافة 10 ميل داخل البحر، حسب خضر.

وأضاف أن أصحاب مراكب الهجرة غير الشرعية يتحايلون على القانون من خلال استخدام مراكب قديمة تمتلك تصاريح صيد سارية، مشيرًا إلى أن أغلبها مراكب صيد وحملوتها لا تتجاوز 20 شخصًا بطاقم المركب وتحمل ترخيص بـ 20 شخص فقط، ولكن يتم تحميلها بأعداد كبيرة مثل حالة مركب رشيد التي تجاوز ركابها 500 شخصًا.

وعن تحويل القضية إلى محكمة الجنح قال أنه لا يمكن إلقاء اللوم على القانون في حالة مركب رشيد بسبب تحويلها إلى جنحة، لأنه الهجرة غير الشرعية عبر البحر لأنه أمر مستحدث، ولم يكن له وجود قبل كده سنوات، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى ضرورة إصدار قانون يغلظ العقوبات بعد تكرار الحوادث.