خيرى شلبى.. فى البدء كانت الحكاية

كتب: أيمن عبد الهادي الأربعاء 14-09-2011 19:21


توقف خيرى شلبى عن الكتابة مُرغماً.. غيّبه الموت قبل أيام، بعد أن ترك لنا أكثر من 70 كتاباً.. وصار غيابه علامة من علامات اختفاء الحكاء المصرى الأصيل.. فقد كان يجيد تماماً لعب دور البطولة فى السرد الشعبى، كان يكتب ما علمه.. كان معجوناً بالحكاية، يلتقطها من أماكن إنتاجها.. يذهب إليها حيث تكون. «أنا قلم» هكذا وصف لى نفسه حين حاورته قبل عامين: «دخلنى منذ الطفولة سر إلهى، هو سر الكتابة، أن أكتشف سحر الحرف وسحر المفردات».. كانت الكتابة انعكاساً صادقاً لحبه العميق لها: «بالكتابة أمارس عملاً أحبه، أريد أن أبلغ من ورائه رسالة، أساعد نفسى أولاً ثم أساعد القارئ على اكتشاف المناطق المضيئة فى النفس البشرية، واكتشاف القوى الخفية للإنسان وكيف نُبصره بها لينميها ويقاوم بها مشقة الحياة، أنا لم أدخل إلى الكتابة إنما هى التى دخلتنى». كانت غايته أن يرى الكتاب الذى ألفه بين يديه لا أكثر، لم تشغل باله الجوائز ولم يبذل عرقاً وقلقاً لأجل نيلها، لا بأس أن تأتيه- وهو ما حدث كثيراً، لكنه كان لا يذهب إليها: «لن أنتظر ما حييت أى جائزة مهما كانت عالية القيمة، ففى رأيى أن ينتظر الإنسان جائزة فهذا يعنى أنه آمن بنفسه وأصبح معتقداً أنه فى مستوى الجوائز، وبالنسبة لى الأمر مختلف». كان الأمر فعلاً عند خيرى شلبى مختلفاً، لأنه كان عصامياً فى الكتابة، وصنع شهرته بمثابرة ولم يتوقف عن العمل يوماً واحداً فصار من المحظوظين: «نعم أنا كنت محظوظاً فى النشر لأننى صنعت اسماً قبل أن أنشر كتاباً. كنت أكتب منذ الستينيات فى مجلة المسرح الرائدة، وكتبت عشرات التمثيليات الإذاعية، كنت اسماً لامعاً فى الوسط الثقافى قبل أن أتقدم لنشر كتبى، ثم عملت بمجلة الإذاعة والتليفزيون وكنت أكتب أسبوعياً صفحتين وأكثر، لم أتوقف عن العمل يوماً واحداً وهو ما اكتشفته عند إحالتى للمعاش، لذلك عندما تقدمت لنشر رواية «اللعب خارج الحلبة» أخذت طريقها للنشر لأن اسمى معروف».


كان الأمر فعلاً عند خيرى شلبى مختلفاً، فقد كانت الكتابة وأفكارها وسواسه القهرى الذى يعشقه ويستجيب له، فالفكرة قد تلازمه أعواماً عديدة كفكرة الرواية التى حلم بكتابتها وكانت تراوده منذ خمسين عاماً عن «عزبة لها وضع خاص يسكنه ناس ذوو أعضاء خاصة يتكلمون بلهجة خاصة»، ورغم جهلنا بما تم فى هذا المشروع إلا أنه من المؤكد أن ثمة سفراً ضخماً بعنوان: «الحزن مصرياً» كان الراحل يعمل عليه كما كان قد صرح لى: «أكتب عملاً يشبه الرواية بدأت كتابته منذ ٢٥ سنة، فصوله منفصلة متصلة وهو عن الحزن المصرى منذ عصر إيزيس وأوزوريس».. هذا العمل كان يريده خيرى أن يكون أدباً صرفاً كالموسيقى وهو نوع من الكتابة الصوفية يسكنه: «بداخلى صوفى ربما لا يكون له صوت بارز لكنه كثيراً ما يتحكم فى ميولى ورغباتى، وحالتى الكتابية المثالية تكون راجعة إلى هذا الصوفى الذى كنته يوماً». نحن نأمل أيضاً أن يكون شيخ الحكائين المصريين قد ترك لنا مخطوطة هذا السفر أو حتى أجزاء منه حتى لا تتوقف عنا حكاياته الممتعة التى لا نمل منها تماماً كما حدث لنا عند قراءة أحدث نصوصه المنشورة «أُنْس الحبايب».