أسس عثمان الأول بن أرطغل الدولة العثمانية إمبراطورية إسلامية، التي استمرت قائمة لأكثر من 600 سنة، منذ يوليو 1299 حتى 29 أكتوبر 1923، وبلغت ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا، وخضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربى آسيا، وشمالى أفريقيا ووصل عدد الولايات العثمانية إلى 29 ولاية.
وصارت في عهد السلطان سليمان الأول «القانونى»- الذي حكم منذ عام 1520 حتى عام 1566- قوّة عظمى سياسيا وعسكريا، ثم أصيبت بالضعف والتفسخ، وأخذت تفقد ممتلكاتها شيئًا فشيئًا، إلى أن انتهت في 1923.
وكان من أهم مظاهر القوة والتقدم في هذه الإمبراطورية الهيكل العام للدولة بما يتضمنه من تعليم متقدم وجيش قوى ونظام إداري ناجح وتطور في العلوم والفكر والفنون، فضلا عن الحياة السياسية والبرلمانية والدستورية.
وفى هذا السياق كان السلطان الغازى عبدالعزيز خان الأول أوّل سلطان عثمانى يؤسس مجلساً ذا طابع دستورى، وتعود بداية الحياة الدستورية في الدولة العثمانية إلى عام 1808، الذي تبوأ فيه السلطان محمود الثانى عرش السلطنة، ففى بداية عهده دعا الصدر الأعظم مصطفى باشا البيرقدار إلى عقد مجلس استشارى في الأستانة، وعرض فيه برنامجًا إصلاحيًا، ووقع عليه السلطان مرغمًا، فقد رأى فيه انتقاصًا من سلطته، لذا قرر إلغاءه عند أوّل فرصة.
ثم صدرت في عهد السلطان عبدالمجيد الأول قوانين إصلاحية عدة ذات طابع شبه دستورى، مثل منشور الكلخانة ومنشور التنظيمات الخيرية، وفى 1856 أنشأ السلطان عبدالمجيد مجلسًا عُرف باسم «مجلس أعيان الولايات» يتكون من عضوين عن كل ولاية، من أصحاب المعرفة والاحترام، لإبداء الرأى في الإصلاحات الواجب إدخالها على الدولة، وكانت هذه هي التجربة الأولى من نوعها في تاريخ الحياة النيابية في الدولة العثمانية، إلا أنها باءت بالفشل.
وفى 1876 أنشأ السلطان عبدالعزيز الأول «مجلس الدولة» أو «شورى دولت»، الذي تميز بطابع شبه دستورى، وشملت اختصاصاته إعداد مشاريع القوانين للدولة، وإبداء الرأى للوزارات بالمسائل الخاصة بتطبيق القوانين، كما كان بمثابة محكمة تنظر في القضايا الإدارية وتحاكم الموظفين المتهمين بالانحراف، وقد وُصف هذا المجلس بأنه بداية انطلاق لمجلس النواب، وقد انعقدت أولى جلساته «زي النهارده» 19 مارس 1877 كأول برلمان عثمانى.