مع نهاية شهر مايو المقبل ينهى الدكتور إسماعيل سراج الدين فترة رئاسته لمكتبة الإسكندرية والتى استمرت 16 عاما بدأت مع تأسيس المكتبة، ويعمل مجلس أمناء المكتبة حاليا على اختيار خليفة لسراج الدين في المكتبة التي حققت نجاحا كبيرا على مدار السنوات الماضية.
«المصرى اليوم» قامت بجولة داخل مكتبة الإسكندرية للتعرف على المشروعات التي تعكف المكتبة على تنفيذها كمؤسسة ثقافية فكرية، ودورها في إصلاح التعليم ومواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، وعقدت ندوة مع سراج الدين ورؤساء القطاعات المختلفة بالمكتبة، لاستطلاع رؤيتهم في مستقبل هذه المؤسسة، وكيف يمكن أن تحافظ على نجاحها، وما هي مواصفات من يدير المكتبة، وما هي خطط سراج الدين المستقبلية ووصاياه لمدير المكتبة الجديد. بدأت جولة «المصرى اليوم» بالمكتبة من البهو الرئيسى الذي يضم عددا من الأعمال الفنية المتميزة، مرورا بقاعة الاطلاع الرئيسية والمعمل الرقمى ومركز ترميم المخطوطات ومتحف الآثار،
وقاعة الديجتال وقاعة الخرائط، والـ«سوبر كمبيوتر»، وانتهت بالدور الأخير في المكتبة حيث قاعة الاجتماعات المطلة على البحر المتوسط، حيث عقدت «المصرى اليوم» ندوة امتدت لحوالى 3 ساعات مع الدكتور سراج الدين، والدكتور خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية، والدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافى، والدكتور مدحت عيسى، مدير مركز المخطوطات، والمهندس يوسف صلاح، رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ورشا شهبندر، مدير إدارة المعمل الرقمى، والمهندسة هدى الميقاتى، نائب مدير المكتبة، والدكتورة عزة الخولى، رئيس قطاع البحث العلمى، والدكتور سامح فوزى، نائب رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية.
في البداية قدم سراج الدين شرحا للمكتبة وما تضمنته من قطاعات وأقسام وما تقوم به من مشروعات وقال: إن المكتبة تتكون من 9 قطاعات، و15 مركزا بحثيا، و4 متاحف، و11 معرضا دائما، وقبة سماوية، ومركزا بحثيا للغويات، وآخر للبحوث الخاصة وتكنولوجيا المعلومات، وعددا آخر من المراكز البحثية، إضافة للمشروعات الخاصة، والمعمل الرقمى، الذي يحظى بمكانة متقدمة على مستوى العالم، ولأن المستقبل رقمى، فهذا المعمل هو الذي سيكون له الدور لقيادة المكتبة في المستقبل، مشيرا إلى أن مكتبة الإسكندرية هي المكتبة الوحيدة في العالم التي لديها «سوبر كمبيوتر»، ولا يوجد مثيل له الآن سوى في المملكة العربية السعودية، وهو أكبر «سوبر كمبيوتر» متقدم في العالم العربى، يقوم بمائة مليار مليار عملية حسابية في الثانية الواحدة، وله دور كبير في مساعدة الباحثين وتطوير البحث العلمى.
وأوضح سراج الدين أنه رفض في مايو الماضى أن يتم التجديد لمدة خمس سنوات في منصبه كمدير للمكتبة، واتفق مع الرئيس عبدالفتاح السيسى في مايو الماضى على أن يتم التجديد له لمدة عام واحد فقط، مكتفيا بـ3 فترات في إدارة المكتبة.
وقال سراج الدين: «أنا متخصص في بناء المؤسسات وعملت على وضع قانون ومنهج لبناء مكتبة الإسكندرية، التي بدأت بـ 44 فردا ووصلت اليوم إلى 2400 شخص يعملون بها في مختلف القطاعات، وأصبحت من المؤسسات المصرية القليلة التي يشهد لها أقرانها في دول العالم ويعترفون بنديتها، مثل مكتبة الكونجرس والمكتبة العامة الفرنسية، حتى إنهم يتعجبون من الإنجاز الذي حققته في 10 سنوات بسواعد مصرية».
وأكد سراج الدين أكثر من مرة خلال حديثه أهمية الاعتماد على الشباب، وقال إن «متوسط سن العاملين بالمكتبة يبلغ 31 سنة، ويوجد لدينا 2 % فقط فوق الـ50 سنة»، مشيرا إلى أن مكتبة الإسكندرية أصبحت رئيسا للمكتبة الرقمية الدولية التي تضم أكثر من 200 مكتبة حول العالم منها مكتبة الكونجرس، والمكتبة الألمانية، والمكتبة الفرنسية والسويدية والبرازيلية.
وأشار سراج الدين إلى أن فرنسا أهدت المكتبة نصف مليون كتاب، وقال: «هذه أكبر هدية من الكتب تمنحها فرنسا في التاريخ، وبهذه الهدية أصبحت المكتبة ثالث مكتبة للكتب الفرنسية على مستوى العالم».
وأضاف أن المكتبة أحضرت 400 ألف كتاب من هولندا جميعها عن التنمية، كما أهداها الدكتور بطرس بطرس غالى كتاب وصف مصر، ولديها الآن 3 نسخ من هذا الكتاب، نسخة كاملة ونسختان ناقصتان، مشيرا إلى أن المكتبة لديها الكثير من الإمكانيات التي تضعها في الريادة مثل معمل الترميم، وكونها نقطة اتصال لدول أفريقيا، حيث لديها 150 نقطة اتصال في الدول الأفريقية.
وأكد سراج الدين أهمية مركز المخطوطات الذي اعتبره درة التاج في المكتبة، ويضم أفضل معمل لترميم المخطوطات على مستوى العالم، ويعمل على مشاريع لترميم مخطوطات من الكويت والسعودية، ولدينا مشروع يطلق العام المقبل لتوثيق جميع النقوش الموجودة في سوريا، ولدى المكتبة مركز الدراسات الخاصة، وهو مركز افتراضى يصل بين الباحثين في العالم، ونعقد ندوات كل سنتين، يحضرها عدد هائل من الطلبة، إضافة إلى مركز توثيق التراث، ومن إنجازته تحويل كتاب وصف مصر الهام إلى صورة رقمية ونشره على الإنترنت مجانا، ومركز الديمقراطية والسلام الاجتماعى ومركز دراسات البيئة، ومركز اللغويات الحاسوبية، وسنعلن قريبا عن توافر برنامج لتشكيل الحروف العربية، وهذا شىء صعب جدا لم يصل له أحد في العالم ولا حتى جوجل.
ومن مشروعات المكتبة المهمة قال سراج الدين إن المكتبة تعمل على إعادة نشر كتب التنوير وعصر النهضة الإسلامية، لأن هناك شبابا كثيرا لا يعرف رفاعة الطهطاوى، وعلى عبدالرازق، وعبدالرحمن الكواكبى، وغيرهم، مشيرا إلى أن المشروع يهدف إلى إعادة نشر أكثر من 100 كتاب، بفلسفة جديدة، تتيح النص الأصلى، مع مقدمة طويلة للتعريف بالكاتب وأعماله، وهذا المشروع يتم تحت إشراف لجنة من كبار العلماء المتخصصين وشبكة من الباحثين الشباب المهتمين بهذه الموضوعات والفكر النهضوى الإسلامى.
وأضاف سراج الدين: نحن لسنا مجرد مكتبة، نحن مؤسسة فكرية مثلما كانت المكتبة الأصلية، والتى بدأت كملتقى لأكثر من 100 عالم، من مختلف المجالات «شعر وفن ورياضة وأدب»، وألحق بها حديقة نباتات وحيوانات ومشرحة.
وأشار سراج الدين إلى مكانة المكتبة في نفوس المصريين، والتى جعلتهم يدافعون عنها وقت ثورة 25 يناير، حيث صنع الشباب سلاسل بشرية لحمايتها ولم تتعرض لأى ضرر، وقال: «خلال الثورة رسم الشباب جدارية وضعوا فيها الأهرامات الثلاثة والهرم الرابع كان المكتبة، التي تحتضن فوقها مسجد وكنيسة».
وحول علاقة الرؤساء المتعاقبين بالمكتبة أكد سراج الدين أن «الرؤساء الذين تولوا حكم مصر منذ الرئيس الأسبق حسنى مبارك وحتى الرئيس السيسى كانوا ينظرون للمكتبة باعتبارها مؤسسة قومية مستقلة، تقوم بواجبها تجاه الشعب»، مشيراً إلى أن هناك 12 رئيس دولة سابق في مجلس أمناء المكتبة يعملون بشكل تطوعى دون أي عائد مادى.
وأشار سراج الدين إلى أن مبنى المكتبة في حد ذاته تحفة معمارية، وهو تصميم نرويجى لقرص شمس غير مكتمل مائل للغرب، إضافة أن المعرفة غير مكتملة، والحضارة والمعرفة انتقلتا من الشرق إلى الغرب.
وقال إن المكتبة تستقبل مليون زائر تقريباً كل عام، وكانت قد وصلت في وقت سابق إلى مليون و400 ألف زائر سنوياً، وتنظم 1460 حدثاً، وتهتم بالأطفال عبر تنظيم برامج خاصة لهم، مشيراً إلى الدور الذي تقوم به المكتبة الآن كمؤسسة فكرية لمكافحة الفكر المتطرف، من خلال 10 مشروعات متشابكة بدأت بسفارات المعرفة، وهى حجرة في جامعات مصر المختلفة تكون متصلة بالمكتبة ولدى المكتبة حالياً 19 سفارة معرفة في محافظات مصر.
لم يكن من الممكن أن تكتفى «المصرى اليوم» بهذه المحاضرة، فما قاله الدكتور سراج الدين أثار في نفوسنا الكثير من الأسئلة، فكان الحوار التالى:
■ قليلة في مصر المؤسسات التي تحافظ على النجاح، وأهم محاور حوارنا اليوم معك، هو كيف تحافظ مكتبة الإسكندرية على النجاح الذي حققته، وكيف تكون نموذجاً للنجاح، وهل ستستمر قصة نجاح المكتبة بعد رحيل سراج الدين، أم ستنتهى؟
- سراج الدين: لدى ثقة في زملائى، فنحن بدأنا العمل معا، قبل 15 عاماً، ونجحنا في بناء مؤسسة، ولو لم يكن أداؤهم على أعلى مستوى، لما تمت ترقيتهم ووصلوا إلى ما وصلوا إليه، وأنا واثق في قدراتهم، وقدرات الشباب المصرى النشيط الفعال، فأنا دائما أعتبر نفسى أقدم عدو للأقدمية، ولا أعترف بها، فهى معيار ضمن معايير كثيرة منها الإنجاز والمبادرة والكفاءة والإبداع وغيرها، وعندما تحتضن الشباب وتعطيهم الفرصة يثبتون أنفسهم، وفى النهاية الإنجازات التي حدثت هي نتاج عمل هؤلاء بالتأكيد، وهذه الثقافة المؤسسية تضمن تفريخ قيادات مستقبلية تصنع التواصل، ومن الطبيعى أن يترك المسؤول المؤسسة التي بناها بعد مرحلة معينة، هذا أمر لا مفر منه، وحرصاً على نجاح هذه المؤسسة نقلت كل اتصالاتى الدولية لزملائى، وكنت طوال السنوات الماضية أصطحبهم معى في اللقاءات الدولية، ولذلك لم تتراجع المكتبة كما ترون، بل استمرت من نجاح إلى آخر، ولدى أمل كبير أن يتم في اجتماع مجلس أمناء المكتبة المقبل مع الرئيس السيسى إعلان تحول المكتبة إلى مؤسسة ديجيتال لا تستخدم الورق في معاملاتها اليومية بنسبة 100%، وسأكون سعيداً بأن تكمل المكتبة مسيرتها بنجاح بعد رحيلى عنها، وأنا لن أستطيع الابتعاد تماما عنها، وسأبقى قريباً منها ولى دور فيها، وأقدم المساعدة أحياناً، على غرار سفراء النوايا الحسنة في الأمم المتحدة.
■ هل تم سؤالك عمن يخلفك في قيادة المكتبة، وبماذا توصيه؟
- سراج الدين: أنا كنت ومازلت حريصاً على شىء أساسى منذ تعيينى كمدير للمكتبة عام 2001، وهو ألا يكون تعيينى بقرار جمهورى، حتى لا يتم تسييس المنصب، فكان تعيينى بقرار من مجلس أمناء المكتبة، وهو السلطة المهيمنة والمسؤولة عن اختيار مدير المكتبة، وتم التجديد لى في هذا المنصب لثلاث دورات متتالية، بإجمالى 15 سنة، إضافة إلى السنة الحالية، ولا يجوز للمدير أن يختار من يخلفه، وأنا بعيد تماماً عن هذه العملية، ولا يفترض أن أكون جزءاً منها، لأن ذلك سيشكل نوعاً من الحرج للمدير الجديد، فمجلس الأمناء هو المسؤول عن اختيار المدير الجديد، وسيعقد معه جلسات حوار للتعرف على خطته كما فعل معى، ولابد من الحرص على أن يتم الاختيار بهذه الطريقة، وألا ينازع أحد مجلس الأمناء في اختيار المدير الجديد، فهذه الآلية تضمن نجاح المكتبة واستقلالها، وأعتقد أن مجلس الأمناء شكل لجنة لبحث المرشحين للمنصب، وهى تبحث في عدد من الأسماء، سيتم رفعها إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ القرار النهائى.
■ اعتدنا في مصر على أن المسؤول الجديد دائماً ما يهدم ما بناه المسؤول القديم، كيف تضمن ألا يحدث ذلك في المكتبة؟
- سراج الدين: من خلال الثقافة المؤسسية التي أسست عليها المكتبة، وكما قلت من قبل، فأنا لم أبن المكتبة وحدى، كان معى فريق عمل، وهم مازالوا موجودين بالمكتبة، وهم من سيكملون المسيرة، وهذه الثقافة المؤسسية هي من ستحمى المكتبة وتحافظ عليها.
■ طالما نتحدث عن المؤسسية ما معايير اختيار المدير الجديد؟
- سراج الدين: أن تكون لديه ثقافة، جزء منها عربى والجزء الآخر منفتح على الغرب، وأن يكون متمكناً من لغتين على الأقل إحداهما فرنسية أو إنجليزية، إضافة إلى المهارات الإدارية والاتصالات الدولية الواسعة، وإن كانت المهارات الإدارية لم تعد مطلوبة بنفس القدر الذي كان مطلوباً في السابق، لأن المكتبة الآن لديها هيكل إدارى مكتمل ولوائح ونظام يمكن العمل به.
■ أسست مؤسسة ناجحة، فما خلاصة التجربة لبناء المؤسسات في مصر؟
- سراج الدين: أول شىء لابد من إلغاء التعامل بنظام الأقدمية، والنظام الحكومى الخاص بالموظفين الذين لا يعملون شيئاً، و«يوقفون المراكب السايرة»، ويضيعون وقتهم في كتابة مذكرات وشكاوى في بعضهم البعض، والأمر الثانى هو ضرورة الانفتاح على الشباب، وتشجيعهم على تطبيق أفكارهم، واحتضانهم، وأن نعطيهم الفرصة للانطلاق، وهذا ما حدث في المكتبة، فنحن لم نستورد أحداً من الخارج، وكل العاملين في المكتبة شباب مصريون، وعلى مدار الـ16 عاما لم تعتمد المكتبة على الواسطة في التعيين، ولم يعمل بها سوى شخص واحد فقط كنت أعرفه قبل أن أتولى إدارة المكتبة، ولم يعد موجوداً الآن، فكل شىء في المكتبة يتم عبر نظام مؤسسى، ولجان امتحانات لاختيار المواهب والكفاءات، أنا متفائل جدا لأن مصر لديها قدرات فائقة، والشباب المصرى لديه إمكانيات هائلة، لكن وضعه في نظام الأقدمية والسن يسبب له الإحباط، المصريون ينجحون في الخارج، لأنهم يحاسبون على أعمالهم وليس على أعمارهم، ويعملون في منظومة مختلفة تسمح لهم بالانطلاق والإبداع، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك مثل الدكتور فاروق الباز، والدكتور مجدى يعقوب، والدكتور مصطفى السيد، وأنا في المكتبة لا أعترف بآليات التقييم الحكومية العادية، والتى يحصل فيها الجميع على امتياز، وأذكر أننى دخلت في جدال مع وزير سابق قال لى إن التميز للجميع، فقلت له إن التميز هو التباين مع الآخرين، وهذا لا يمكن أن يكون للجميع، وهناك حد أقصى لمن يحصل على امتياز لا يتجاوز 1%، ثم 30% يحصلون على جيد جدا، والباقى جيد ومقبول، وللأسف كلمة مقبول هذه تحدث ضجة كبيرة، ودائما ما كنت أوضح أنها لا تعنى أن الشخص مرفوض، بل تعنى أنه فعل كل ما يطلب منه، لكنه ليس متميزا، مثل دورة الألعاب الأوليمبية، فالمشاركة في حد ذاتها تعنى أنك بطل، لكن هناك شخص واحد فقط يحصل على المركز الأول، وعلى نفس النمط فإن عمل الشخص في مكتبة الإسكندرية يعنى أنه بطل، لكن هناك من يحصل على الميدالية الذهبية، أو الفضية، وهناك من لا يحصل على شىء، وفى النهاية نحن حريصون على ألا يُظلم أحد، فليس من مصلحتى كمدير فصل شخص بعد أن تم اختياره وتدريبه، فهذا إهدار لموارد وميزانية المكتبة.
■ كم تبلغ ميزانية المكتبة؟
- سراج الدين: ما تنفقه الدولة على المكتبة أقل من 1% من ميزانية الجامعات، حيث تبلغ ميزانية المكتبة الآن حوالى 200 مليون جنيه،، تشمل المرتبات وأعمال الصيانة، وتنظيم المؤتمرات، وطباعة الدوريات، وتغطية نفقات كل أنشطة المكتبة، والمكتبة مؤسسة غير هادفة للربح، ودورها تقديم خدمات ثقافية مجانا لغير القادرين، لذلك رفضت زيادة سعر تذكرة دخول المكتبة، لأن ذلك يتنافى مع دورنا، وكذلك كل الكتب والمحاضرات مجانية، فنحن ندعم جيلا جديدا ونعمل على تثقيفه، ولا نقيم حفلات تجارية، كل ما نريده هو تثقيف الناس، وفتح مجالات جديدة لهم، لم يروها من قبل لتحقيق أعلى مردود ثقافى وليس ماليا.
■ لكن المكتبة تعتمد على الجهات المانحة في تنظيم الأنشطة وليس فقط ما تتقاضاه من الدولة.
هدى الميقاتى: هذا صحيح، والتمويل من الجهات المانحة يكون لمشروعات بعينها، وليس تمويلا للمكتبة بشكل عام.
■ رغم أن المكتبة تقع في الإسكندرية، لكن يقع عليها عبء نقل الخدمات الثقافية إلى كل ربوع مصر، فكيف تفعلون ذلك، وهل وصلتم للصعيد؟
- سراج الدين: المكتبة وصلت إلى محافظات أسوان، ومرسى مطروح، والعريش والوادى الجديد، ولا أظن أن هناك من ينتقد المكتبة في هذه النقطة، فلا يوجد مؤسسة ثقافية لديها ما يقرب من مليون زائر سنويا، ونحن المؤسسة الثقافية الوحيدة التي يزور موقعها الإلكترونى 2.6 مليون شخص يوميا، أي مليار زائر سنويا، 55% منهم من الشباب.
■ كيف تساهم المراكز البحثية في المكتبة في تطوير نشاط البحث العلمى في مصر؟
- سراج الدين: المراكز البحثية لها إنجازات كثيرة، ويكفى أن هذه المراكز أنتجت 500 عنوان بحثى في جميع المجالات، بجميع اللغات من بينها اللغة العربية والإسبانية والإنجليزية، ونركز حاليا على مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، واستكمال تاريخ الجبرتى، وقواميس اللغة العربية، والعامية المصرية وموسوعة الفقه الجنائى، وهنا أود أن أشير إلى أن المكتبة تطبع الأبحاث وتضعها على الإنترنت لمن يريد الاطلاع عليها من الباحثين، كما تنظم دورات تدريبية، فضلا عن أن مركز المخطوطات يقدم خدمات واسعة للباحثين، إضافة إلى مركز الدراسات القبطية الذي أحدث قفزة نوعية في الأبحاث، وهناك إقبال كبير عليه، أما عن تأثيرنا على البحث العلمى في مصر، فهو أمر لا يمكن حسمه، فلا أحد يستطيع أن يقول ما تأثير جامعة هارفارد على البحث العلمى في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك مؤسسات كبيرة، وهناك دولة، والسؤال يكون: هل نقدم أداء على أعلى مستوى؟ وهو ما تحقق بالفعل، وهناك اعتراف دولى بدورنا وأدائنا.
■ أضافت المكتبة في مواجهة التطرف الفكرى بعدا دوليا، من خلال مؤتمرات استضافت فيها علماء من مختلف أنحاء العالم، فهل هذا كاف لمواجهة التطرف، ولماذا لا تعقد المكتبة مؤتمراتها في الخارج؟
- سراج الدين: نحن نشارك بالفعل في مؤتمرات دولية في الخارج، والمكتبة تنظم العديد من المؤتمرات في الخارج، وأداؤنا على أعلى مستوى دولى، ويحظى بتقدير واعتراف عالمى، ومؤتمراتنا يحضرها رؤساء دول، لكن رغم كل ذلك نحن لسنا مسؤولين عن مواجهة التطرف، فدورنا كمؤسسة ثقافية أن نكون محركا للمثقفين والمفكرين لمواجهة هذه الأفكار.
■ كيف يمكن مواجهة الفكر المتطرف، وما الدور الذي تفعلونه في هذا السياق؟
- سراج الدين: عمليا ماذا تريد أكثر من فتح 30 سفارة معرفة في مختلف محافظات مصر، للتواصل مع الناس، وأن يكون مسموحا لكل أبناء مصر بالدخول على شبكة المكتبة والاطلاع على ما تقدمه من أبحاث ومؤتمرات، وما لديها من كتب وإصدارات.
- عزة الخولى: الكتب موجودة على الإنترنت مجانا ومتاحة للجميع، وكل المراكز البحثية تعطى دورات تدريبة للشباب، والباحثين، والمعيدين، والمهتمين، إضافة إلى وجود برامج تعليمية مفتوحة، نحن لدينا كل شىء، وهو متاح لمن يريد.
خالد عزب: هناك نقلات نوعية أحدثتها المراكز البحثية في المكتبة، مثل أول دورية لها تصنيف دولى، وإذا تحدثنا عن مركز المخطوطات فهو أول مركز لعلم المخطوطات خارج أوروبا، ويعد نقلة نوعية، فالمراكز البحثية تقوم بعمل قفزة في المعرفة بالمنطقة، وكذلك مركز الدراسات القبطية، وهذه برامج بحثية متخصصة جدا، وتحدث نقلات نوعية محددة، وهذه القفزات تفرق كثيرا جدا.
■ لابد لأى مؤسسة خاصة، وإن كانت بحجم مكتبة الإسكندرية، أن يكون لها دور في حل مشاكل المجتمع، فلماذا لا تتبنى المكتبة مؤتمرا لإصلاح التعليم كونه قاطرة التنمية التي تستطيع أن تخرج مصر من عثرتها؟
- سراج الدين: نحن لسنا الدولة، نحن مؤسسة واحدة لا يمكنها عمل كل شىء، ومع ذلك من الممكن أن نأخذ هذا السؤال كمقترح لإقامة مثل هذا المؤتمر في المستقبل.
- خالد عزب: المكتبة تقوم بدور في هذا المجال عبر عدد من المؤتمرات لمناقشة وضع التعليم، إضافة إلى الدورات التدريبية، والندوات التي تعقدها وتنظمها من وقت لآخر، كما أن هناك مشروعا بدأت المكتبة في تنفيذه، وهو عمل دورات تدريبية للشباب في المحافظات حول عدد من المفاهيم، من بينها تجديد الخطاب الدينى، وماذا يعنى أن تكون متدينا، والفرق بين المتدين والمتطرف، وفى هذه الدورات يثار العديد من الأسئلة المهمة التي تساهم في تثقيف الشباب وتعليمهم المنهج النقدى في التفكير.
■ ولماذا لا تنسقون مع وزارة التربية والتعليم لإدخال هذا النوع من الدورات في المدارس، خاصة أن المدرسين هم المسؤولون عن نقل هذه الأفكار للأطفال؟
- خالد عزب: لا نريد في هذه المرحلة أن نضفى الصفة الرسمية على هذا المشروع، نحن نعمل عليه بحرص، ونحاول أن نشرك أكبر عدد ممكن من الشباب في هذه الدورات التدريبية حتى نحقق فائدة أكبر.
■ لا يمكن أن ننهى الندوة دون أن نسأل دكتور سراج الدين عن المياه، فقد حذرت أكثر من مرة من أن الحرب المقبلة ستكون حرب مياه، ومصر تعانى من ندرة مائية، ومشاكل بسبب سد النهضة، كيف يمكن مواجهة هذا الواضع؟
- سراج الدين: المشكلة ليست في سد النهضة فقط، فهناك ندرة مائية لأن كثيرا من الدراسات تقول إن المصادر التي تغذى نهر النيل بالمياه في تراجع، إضافة إلى زيادة عدد السكان، وبالتالى تقل حصة الشخص المتجددة في المياه، وهذا يتطلب عناية خاصة، وأن نهتم بالدرجة الأولى بقضية الزراعة، فهو القطاع الذي يستهلك عالميا أكثر من ثلثى الموارد المائية، وفى مصر يستهلك أكثر من 80% من الموارد المائية، وهو وضع طبيعى في أغلب الدول النامية، فالإصلاح الذي سيتم بالنسبة للمدن وإعادة استخدام المياه وغيرها سيكون مردوده قليلا، فالزراعة هي الأساس، ولتحقيق نقلة في الزارعة لا بد من عمل دراسات وخطط كبيرة، حول أنواع الرى، مثل الرى بالتنقيط الذي نجح في بعض المناطق خاصة الصحراوية، لكن رغم ذلك ما زال الفلاحون يغمرون الأراضى بالمياه في الوادى القديم، إعمالا للمثل القائل أبوبلاش كتر منه، وإن كان هذا يضر الأرض الزراعية فيما بعد، وكذلك لا بد من دراسة التفاعل بين المحاصيل والمياه، فالصادرات والواردات نوع من المياه، فمثلا عند تصدير طن أرز، استخدمت في زراعته ألفى طن مياه، أو طن قمح استهلك 1200 طن مياه، وهكذا، هذه أمور تستوجب إعادة نظر، وهناك دراسات ممتازة في مركز دراسات المياه، ووزارتى الزراعة والرى، وتم وضع استراتيجية منذ أكثر من 5 سنوات وبحثها من جانب مجموعة من منظمات فاو والإيفاد، حول كيفية التعامل مع قضيتى الأمن الغذائى والمائى، وهناك قضايا أخرى مثل ارتفاع سطح البحر، الذي يتسبب في ملوحة التربة الزراعية، وخاصة في شمال الدلتا، وهى أهم المناطق في مصر، وهذه مشكلة متفاقمة في مصر، لأن الدلتا في مصر مستوية، فيسهل اختراقها بمياه سطح البحر، على عكس الشاريط الساحلى على البحر الأحمر، وهذا يحتاج تصور كبير، وهناك دراسات كثيرة، لكن المهم هو التنفيذ، ويكون هناك تعاون بين الجهات المختلفة، وهذه هي مشكلتنا في مصر.
■ وماذا عن مشاريعك المقبلة؟
- لدىّ الكثير من المشروعات، لن أفصح عنها حتى أنتهى من العمل في المكتبة، وأنا أنوى البقاء في مصر وإكمال العمل هنا، وسأكون موجودا لدعم المكتبة.
طاقم المكتبة
الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير المكتبة، والدكتور خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية، والدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافى، والدكتور مدحت عيسى، مدير مركز المخطوطات، والمهندس يوسف صلاح، رئيس قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ورشا شهبندر، مدير إدارة المعمل الرقمى، والمهندسة هدى الميقاتى، نائب مدير المكتبة، والدكتورة عزة الخولى، رئيس قطاع البحث العلمى، والدكتور سامح فوزى، نائب رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية
وفد الجريدة
محمد السيد صالح، رئيس تحرير جريدة المصرى اليوم، وعبدالحكيم الأسوانى، مدير التحرير، وفتحية الدخاخنى، مدير تحرير الموقع الإلكترونى، ومحمد الهوارى، رئيس وحدة الإنتاج التليفزيونى والمالتيميديا، ونبيل أبوشال مدير مكتب المصرى اليوم بالإسكندرية، وناصر الشرقاوى، مراسل المصرى اليوم بالإسكندرية، ومحمود طه، مصور الجريدة بالإسكندرية، وفرح بهجت، ومحمد الشويخ، من وحدة الإنتاج التليفزيونى والمالتيميديا.
المزيد
المزيد
المزيد
المزيد