تجلس مجموعة سيدات من سكان منطقة مثلث ماسبيرو أمام باب أحد المنازل، في مواجهة أطلال المنازل المهدمة التي يتزايد عددها يومًا بعد يوم، سواء بسقوطها على إثر تهالك جدرانها وأساساتها، أو على يد الأجهزة التنفيذية التي تعمل على مشروع لإخلاء المنطقة وهدم منازل سكانها لاستبدالها بمشروعات سياحية.
في حارة عبدالفتاح، المتفرعة من شارع جانبي في المنطقة، جلست سيدة ثلاثينية بادية الحزن بسبب وفاة ابنها الذي كان يبلغ 4 سنوات، صعقًا بالكهرباء عن طريق سلك عار لم ينتبه إليه بين أحد جدران منزلهم المتداعية. لم تستطع الأم رواية قصتها للنهاية بعد أن غلبها البكاء، وليأسها من حدوث شئ يمكن أن يبدل أحوالهم للأفضل، أو يعوض غياب نجلها الذي فقد حياته نتيجة الإهمال الحكومي الذي يعيشونه منذ سنوات في صورة حرمان من الخدمات الأساسية.
وتعتبر منطقة مثلث ماسبيرو من أهم المناطق الاستراتيجية التي تقع في قلب القاهرة، والتى تصل مساحتها إلى 74 فدانًا، أمام الكورنيش بين مبني وزارة الخارجية، والقنصلية الإيطالية وفندق هيلتون رمسيس.
وتخطط وزارة الإسكان لإخلاء المنطقة من 4 آلاف أسرة بهدف تطويرها، حسب ما تم الإعلان عنه، تبع ذلك تقديم الوزارة عددًا من الحلول لتعويض السكان، لكن أهالي المنطقة رفضوها جميعًا مؤكدين أنها غير عادلة ولا تعوضهم بشكل مرضي.
«ذنب كل الناس دي في رقبة الحكومة.. الدولة عايزة إيه من المنطقة دي؟»، عبارة استقبلنا بها عددا من سكان من المنطقة. بلهجة قاطعة أعلن السكان رفضهم قرار الحكومة بإخلاء المنطقة، مؤكدين أنها لا ترى إلا أراضيهم دون أي اعتبار آخر متعلق بحياة السكان أو مستقبل أبنائهم الذي بات مهددًا بقرار الإخلاء الذي يرونه محاولة للاستيلاء على منازلهم بسبب موقع المنطقة الاستراتيجي.
«المشكلة مش فينا، الحى سايب البيوت تقع على الناس».. هكذا بدأ رجب محمود، أحد سكان منطقة مثلث ماسبير حديثه لـ«المصري اليوم». وتابع: «المشكلة ليست بسبب سكان المنطقة كما قال مسؤولوا الحي لوسائل الإعلام مؤخرًا. وأوضح أهل المنطقة لا يرفضون تطوير المنطقة لكن بإجراءات تضمن لهم الاستقرار في منازل أفضل وبتعويض مناسب لقيمة منازلهم الحالية.
يحكى «رجب» عن انهيار منزله فوق رؤوسهم في عيد الأضحى العام الماضى، بسبب مشاكل الصرف الصحي التي أضرت بأساساته وجدرانه. ليجد نفسه في العراء.
«معاشى 400 ومعايا رجل عاجز».. هكذا وصفت الحاجة سعاد محمود (70 عامًا) حالها الذي ترى أنه لا يختلف كثير عن أحوال معظم سكان مثلث ماسبيرو. تضيف السيدة السبعينية أنها منذ انهيار جدران منزلها قبل عام ونصف العام وهي تعيش مع ابنتها، لأنها غير قادرة على دفع قيمة الإيجار في الشقق البديلة التي اقترحت الحكومة تسكين أهالي المنطقة فيها بنظام حق الانتفاق، وفي مقابل 350 جنيه شهريًا.
تتعجب السيدة المسنة من قيمة الإيجار المرتفعة مقارنة بدخلها المحدود، والمتمثل في معاش السادات للتضامن الاجتماعي. في الوقت الذي تعلم أن قيمة أرض منزلها المنهار يمكن أن تؤمن لها مسكن بديل دون تحمل إيجار مرتفع مثل ذلك الذي اقترحته الحكومة. وتؤكد الحاجة سعاد تمسكها بالعودة للمنطقة بعد تطويرها طالما لم تحصل على تعويض حكومي مقابل استغلال منزلها ضمن مشروع التطوير.
كان مسؤولي محافظة القاهرة عرضوا على سكان منطقة مثلث ماسبيرو 3 سيناريوهات، تشمل التعويض المادى للأهالى أو توفير سكن بديل في حي الأسمرات، أو تسكينهم بالإيجار داخل المثلث بعد التطوير. وكان من المقرر عقد مؤتمرًا جماهيرًا مع محافظ القاهرة يوم السبت الماضى بمنطقة مثلث ماسبيرو، لكنه اعتذر عن الموعد لظروف صحية على حد قول الأهالي.
من جانبه يقول محمد أبوالعلى، أحد سكان المنطقة، أنه ولد في منزل عائلته المتوارث أبا عن جد، وأشار إلى خروج العديد من الأطباء والمهندسين من المنطقة التي وصفها بـ«المنطقة الشعبية»، مبديًا اعتراضه على وصف الحكومة لها بـ«العشوائية».
وأكد أنه لن يترك منزله لتستغل الحكومة أرضه في إنشاء فنادق، وقال أن الحالة الوحيدة التي يمكن أن يقبل ترك منزله فيها هي أغراض المنفعة العامة مثل إنشاء كوبري أو طريق أو خط مترو.
ويذكر أن وزارة الإسكان التقت عدة مرات بعدد من رابطة أهالي ماسبيرو، الذين يمثلون حوالي 4542 أسرة و790 محلًا و78 ورشة، لإقناعهم بإخلاء المنطقة بهدف تطويرها، إلا أن الأهالي رفضوا الإخلاء قبل موافقة الحكومة على اقتراحاتهم التي تتضمن النقل في وحدات سكنية بأسعار مناسبة لمن يرغب والتعويض المادي.