«مصوِّر عنيزة».. رواية مؤلف هجر أهلُه السعودية بسبب نزاع آل سعود وآل رشيد

كتب: سحر المليجي الخميس 04-03-2010 14:28

بعد أن وثق التاريخ بحرينيا وخليجيا وعربيا فى عدة مؤلفات بحثية (تلك الأيام، رجال فى جزائر اللؤلؤ، خليج الحكايات، مرفأ الذكريات، نسوان زمان)، وغيرها من الترجمات مثل (القوافل، صدمة الاحتكاك، ثرثرة فوق دجلة) ووثق تاريخ نساء العرب بالنص والصورة، يطل علينا الكاتب البحرينى ذو الأصل السعودى «خالد البسام» بروايته الأولى البديعة التى وسمها بـ «لا يوجد مصور فى عنيزة» وصدرت أخيرا عن دار «الأمل» البيروتية فى طبعتها الثانية، وتتألف من 319 صفحة صغيرة.

الرواية التى رفضت وزارة الثقافة والإعلام السعودية فى أبريل الماضى منحها ترخيصا للتداول فى مكتبات المملكة رغم ضمها إلى قائمة الأكثر مبيعاً فى معرض الرياض الدولى للكتاب عام 2009، قبل شهر من صدور القرار - تدور أحداثها حول شخصيات وأحداث حقيقية وقعت فى مدينة «عنيزة» الكائنة فى «نجد» بالسعودية.

تتناول الرواية فترة حياة تلك المنطقة حينما كان يفد إليها الكثير من المهاجرين، ويتقدمون إلى الجهات الرسمية بطلب الحصول على جوازات سفر فتواجههم مشكلة عدم وجود صور لوضعها فى الجواز، فكان الموظف المسؤول يكتب فى خانة الصورة عبارة «لا يوجد مصور فى عنيزة»، ليوضح سبب عدم لصق الصورة.

وتحكى الرواية بعض قصص هجرة أهل نجد إلى البلدان العربية والهند فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ويقول «البسام»: «بين مدن عنيزة فى نجد والزبير فى العراق والمنامة فى البحرين وكلكتا فى الهند، تناثرت حكايات هذه الرواية وأحداثها، وتجول الأبطال بينها يلهون بالتاريخ وخياله ومغامراته، بعيدا عن ضجيج المستقبل المشكوك فى قدومه أصلا».

فى مستهل الرواية يصف «البسام» جانباً من الحياة فى عنيزة فيقول: «فى ساعات الليل الأولى، عندما ينتهى الرجال من صلاة العشاء فى مساجد المدينة، يعود الجميع إلى بيوتهم الطينية الصفراء، ويبدأون مسامرات الليل وسواليف الظلام، على وقع فناجين القهوة التى لا تنتهى، عند الليل تبدو مدينة عنيزة وكأنها مدينة أخرى، مدينة مختلفة تماماً، تضج البيوت بالكلام، وبخاصة الكلام الذى لا يقال فى النهار، كانت الطرقات مظلمة، ولكن السواليف منيرة فى الكثير من البيوت، تدعو الناس للدخول إلى تلك المجالس المفتوحة الأبواب والمضاءة بمصابيح الكيروسين».

و«عنيزة» المكان الذى دارت فيه أغلب أحداث الرواية يقول عنه «البسام» لـ «المصرى اليوم»: الوالد والوالدة سعوديان، وأهلى جاءوا من البحرين قبل مائة عام لكنهم احتفظوا بهوياتهم السعودية، فى روايتى كتبت تاريخ مدينة عاشت عشرات السنين من الهجرة القسرية، فعائلتى بسبب النزاع بين آل سعود وآل رشيد توزعت بين مصر واليمن والعراق وسوريا حتى الهند، كذلك بحثهم عن الرزق فالمدن النجدية قبل اكتشاف البترول كانت فقيرة بشكل كبير جداً وأهلها فى غاية الفقر والأمية، وهجرة أهلى هى «خير ما فعلوا» لأنهم بتك الهجرة أفرزوا مثقفين وكتابا ومسرحيين وغيرهم فى مختلف المجالات، وعندما أردت كتابة روايتى ذهبت إلى مسقط رأسى الأول «عنيزة» فوجدت بيتنا «موقفاً للسيارات».. تلك عادة مدن الخليج تتحول البيوت التراثية إلى «جراجات».. وجدت مكان البيت «إسفلتاً أسود قبيحاً».. كتبت مقالاً فى صحيفة بحرينية مملوءاً بالمرارة والحنين والذكريات.. «لا أريد أن أتذكر تلك المناظر التى رأيتها وطفولتى تحت طبقات الإسفلت».

يتحدث المؤلف فى الرواية عن تلقى أهالى عنيزة خبر نشوب الحرب: «استيقظت عنيزة صباح يوم 6 سبتمبر 1939 على شائعات وأخبار وهرج ومرج، وتواصلت حتى دبّ الرعب بين تجار المدينة، وراح بعضهم يقفلون أبواب دكاكينهم فى السوق بسرعة، لم يعرف أحد ما هى الحكاية بالضبط، ولا سمع أحد شيئاً مؤكداً، كان الشىء الوحيد أن رجلاً كان فى مجلس أمير عنيزة، وسمعه يقول لرواد المجلس إن حرباً قامت وإن برقية، وصلته بهذا الخصوص من الرياض، أما باقى التفاصيل فلا يعرفها أحد».

يسيطر على الخطاب الروائى حنين جارف إلى مسقط الرأس والأهل والعشيرة فيتمنى الكاتب فى نهاية روايته أن يرقد هناك فى رمالها فجاءت النهاية محزنة، فصار هناك مصور فى عنيزة يوسف العصامى الذى ثقف نفسه بجهد وعزم نادرين، فكان رائدا فى هذا المجال وعاد بعد نضاله من مهجره فى البحرين إلى بلدته بعد أن أصيب بالعمى قرر أن يلتقط لنفسه صورة ويرسلها إلى صديقه العزيز «مساعد» فى الهند. كتب له أن صورته هذه التى لن يستطيع هو «أى يوسف» أن يراها التقطها له مصور عنيزة الجديد الوحيد، وفى الرسالة التى أرفقها يوسف بصورته قال لصديقه «مساعد» يحثه على ألا يموت بعيدا عن عنيزة: «إذا مت يا مساعد فإرجوك ألا تموت وأنت غريب.. على الأقل تذكر أن عظامك التى عاشت معك لا تريد بل لا تتمنى إلا أن ترقد فى رملها وليس فى أى مكان آخر.. أما أنا يا صديقى وحبيبى فلم يبق لى سوى الظلام. لم يبق لى سوى عنيزة التى لم تفقد البصر بعد. لقد فقدت البصر.. لكن عنيزة لم تعم بعد».

ورغم أن المؤلف لم يستطع الفكاك من سيطرة التاريخ الذى وثقه فى عدة مؤلفات سابقة فإن الرواية مكتوبة بحبر سرى خفيف لا يستطيع القارئ التوقف عن قراءتها منذ الإمساك بصفحاتها الأولى. يقول البسام: «أعمالى وإن كانت تدور فى فلك التاريخ لا يمكن أن أسميها تاريخية، لأننى أكتب التاريخ بطريقة الحكايات، وذلك حين قرأت فى كتب التاريخ العربية وجدت أنها تعتمد على المراجع والتوثيقات أكثر من التأليف نفسه. ماذا يقدم المؤرخون من جديد.. هو فقط إعادة إنتاج ما مضى لكن بشكل مختلف.. يستعينون بمصادر وتوثيقات.. ونجد الكتاب تبلغ صفحاته 300 صفحة، وحين نحصى هوامشه والمراجع التى اعتمد عليها المؤلف نصل إلى أن حجم المادة المؤلفة لا يتعدى القليل من حجم الكتاب كله، كيف يمكن تلخيص مائة عام من تاريخ بلد فى 200 صفحة فقط.. كيف يكون ذلك؟ وما استوقفنى فى تاريخ دول الخليج العربى أنها منشورات رسمية صنعت للسلاطين وبأيدهم، وليس هناك تاريخ للشعوب فى تلك المنطقة».

النظر إلى غلاف رواية البسام وصورته الممزوجة ببيوت من الطين وسط النخيل يحيل للقارئ تلك الحيلة البارعة التى ميزت أعمال وكتابات المؤلف كافة عن باقى الأعمال التاريخية الأخرى يقول: «ضمنت فى كتبى جميعها مجموعات من الصور الفوتوغرافية القديمة التى جمعتها من صفحات الجرائد والهيئات المهتمة بالتراث.. كنت أعمل فى الصحافة لمدة عشرين عاماً وما تعلمته من فنون صحفية مثل الإثارة والتشويق أعيد به كتابة التاريخ ليكون مثيراً ومشوقاً ليس جامداً وينفر القارئ، وما ساعدنى فى كتاباتى بحثى عن الصور الفوتوغرافية القديمة وتضمينها.. لا أقصد به نصب فخاخ للقارئ.. سيكون ذلك أفضل له.. أؤمن أن للقارئ الحق فى الاستمتاع.. أتردد فى نشر بعض الحكايات لأن ليس عندى صور لها