أمريكا والعالم الإسلامى.. مستقبل مجهول لعلاقة أفسدتها «سنوات الغضب»

كتب: شريف سمير السبت 10-09-2011 16:01

لأنه جلس على رأس أعلى سلطة تحكم الولايات المتحدة، وانطلاقاً من طموحه السياسى الكبير لإثبات جدارته بهذا الشرف التاريخى، أراد الرئيس الأمريكى الديمقراطى باراك أوباما - ذو الجذور الإسلامية والأفريقية - أن يبدأ قوياً من موقعه، ويبادر بخطوات واثبة فور توليه السلطة فى يناير 2009، ليلطف الأجواء السياسية الملبدة من حوله طوال سنوات الغضب منذ 2001، والتى ورثها عن سلفه الجمهورى جورج بوش الابن، بداية بانفجارات 11 سبتمبر، التى فتحت أبواب الحرب على الإرهاب، لتدخل أمريكا فى دوامة من العنف والدماء والخسائر المادية بتريليونات الدولارات فى أفغانستان، والعراق، وصولاً إلى سيادة فلسفة «الفوضى الخلاقة»، التى انتهجتها الإدارة الجمهورية لفرضها فى الشرق الأوسط والقضاء على «الإسلاموفوبيا»، التى أصابت المجتمع الأمريكى بعد 11 سبتمبر وهددت استقراره.

وغادر «بوش» الابن البيت الأبيض تاركاً خلفه الديمقراطى «أوباما» غارقاً وسط أكثر ملفات الدولة تعقيداً وخطورة وأكثرها احتياجاً، لمعالجة مختلفة، وأسلوب تعامل أكثر مرونة، لتجنيب البلاد مزيداً من الخسائر والمتاعب، ومن هذه الزاوية انطلقت فكرة الذهاب إلى القاهرة باعتبارها قلب العالم الإسلامى، وقرر «أوباما» مخاطبة المسلمين بلغة أكثر هدوءاً وتسامحاً فى أشهر خطاباته، الذى ألقاه بالقاهرة فى 4 يونيو 2009، وبهذا الخطاب رسم «أوباما» أول مشاهد سيناريو «التهدئة» مع العالم الإسلامى، بمغازلة مشاعر المسلمين فى كل مكان، وإحاطة كلماته بسياج من المبادئ والأفكار النبيلة، التى تتحدث عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرية العقيدة والتعبير وغيرها من المفاتيح التى يخترق بها السياسى حواجز الجمهور، وفى محاولة لتأكيد صدق نواياه اتخذ الرئيس الأمريكى عدة إجراءات ملموسة، بعد خطاب جامعة القاهرة، إذ أعلنت وزيرة خارجيته، هيلارى كلينتون، تعيين «فرح بانديث»، كشميرية الأصل، مندوبة خاصة للولايات المتحدة للمجتمعات الإسلامية فى جميع أنحاء العالم الإسلامى، بينما ضم «أوباما» ذاته الباحثة الأمريكية المسلمة داليا مجاهد، من أصل مصرى، إلى مجلسه الاستشارى الخاص بالأديان، والمكون من ممثلى 25 طائفة وشخصيات علمانية، لتكون بذلك أول مسلمة محجبة تشغل منصباً من هذا النوع فى البيت الأبيض، كما عين المحامى الهندى رشاد حسين، مبعوثاً خاصاً إلى منظمة المؤتمر الإسلامى، فى خطوة وصفها المتحدث باسم البيت الأبيض، روبرت جيبس، وقتذاك بأنها «جزء مهم من التزام أوباما بتحقيق الشراكة مع المسلمين فى جميع أنحاء العالم». ويوازى «سيناريو التهدئة»، الذى تبناه «أوباما» سيناريو آخر يقوم على «تصعيد التوتر» ينتهجه تيار اليمين المتطرف، الموالى لإسرائيل، ليجهض خطط «أوباما» ويكبل مساعيه لترميم العلاقات مع العالم الإسلامى، فالأهداف والمصالح الإسرائيلية تشكل البند الأول والرئيسى فى أجندة أى رئيس أمريكى من ناحية، وتداعيات أحداث 11 سبتمبر التى عاشت وامتدت آثارها إلى القارة الأوروبية على مدار 8 سنوات متصلة، كانت كفيلة بإفراز حالة رفض ونبذ عام لكل ما هو إسلامى من ناحية أخرى، والأمر الأخير هو ما يفسر سلسلة الإجراءات الأمنية والقانونية التى اتخذتها الإدارة الأمريكية «داخلياً وخارجياً» ضد مسلمى المهجر «عقابا لهم» على تورط تنظيم القاعدة فى أحداث سبتمبر.

وهنا تظهر تركيا كـ«لاعب مهم» على الساحة باعتبارها طرفاً قوياً ومؤثراً فى المعادلة الدولية، خاصة مع مواقفها المتشددة والصلبة تجاه إسرائيل، وآخرها تعليق العلاقات الاقتصادية والسياسية مع تل أبيب، رداً على رفض الأخيرة الاعتذار عن واقعة الاعتداء على «أسطول الحرية»، الذى كان متجهاً إلى غزة العام الماضى، وهنا يبرز أحدث مؤلفات الباحث الأمريكى، جورج فريدمان، بعنوان «المائة عام القادمة.. تكهنات للقرن الحادى والعشرين»، الذى اعتبر ما حدث فى 11 سبتمبر نقطة البداية فى فجر العصر الأمريكى، على ضوء الحرب التى نشأت بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى، ويبدو أنها ستصل إلى ذروتها فى الحرب العالمية الثالثة التى يتوقع «فريدمان» نشوبها عام 2050.

وأعرب «فريدمان» عن اعتقاده بأن جزءاً من العالم الإسلامى - فى إشارة إلى تركيا - سيكون قادراً على تحدى أمريكا عسكرياً وتوجيه ضربة مبكرة مفاجئة واستباقية.

وعن مبررات صعود تركيا وتحولها إلى قوة ستتحدى الولايات المتحدة فى منتصف القرن وبالتحديد فى 2050، يرى «فريدمان» أن تركيا حالياً تحتل المركز الـ17 بين أقوى الاقتصادات فى العالم، كما أنه يضع فى الحسبان أن «الإمبراطورية الإسلامية» - على حد وصفه - محكومة من جانب الأتراك، فضلاً عن أن مناطق البلقان والقوقاز، بالإضافة إلى العالم العربى، تعانى من حالة عدم استقرار، بينما تركيا حالياً تمثل «منصة مستقرة» وسط أمواج من الفوضى التى ضربت بؤراً متفرقة من العالم الإسلامى، وقوتها آخذة فى النمو والارتقاء بصورة انعكست على اقتصادها وجيشها، ليصبحا بالفعل الأقوى فى الشرق الأوسط، ومع ظهور تركيا على المسرح فى منافسة الأبطال تحاول الإدارة الأمريكية الحالية الإجابة عن سؤال حائر هو: «كيف ستسمح الولايات المتحدة لتركيا بالنمو والقوة إلى درجة أن تشن عليها حربا فى عام 2050 بصورة مفاجئة؟ وأين ستكون استراتيجية الإجهاض المبكر وزرع الفوضى والتمزق إذن تجاه تركيا كوسيلة لمنع هذا الهجوم الذى يتكهن به «فريدمان»؟

ونجاح أو فشل أى سيناريو مرهون بمدى تجاوب المسلمين (حكومات وشعوبا) مع التوجه الأمريكى، لاسيما أن هناك عدة أسباب ساقها الأستاذ بجامعة ميريلاند الأمريكية، البروفيسور ستيفن كول، فى كتابه «الشعور بالخيانة.. أسباب غضب المسلمين من أمريكا»، عن ضعف شعبية الولايات المتحدة فى العالم الإسلامى، وهى ثمرة تحقيقات أجراها المؤلف على أرض الواقع فى العديد من الدول الإسلامية فى الفترة ما بين عامى 2006 و2010، ويخلص الكاتب إلى أن الأسباب ترجع إلى التواجد العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط بوصفه «استعماريا» يستهدف احتكار الثروات البترولية للعالم الإسلامى، والكيان الصهيونى الذى يعمل على إحباط كل محاولات نهوض الشعوب الإسلامية، علاوة على دعم أمريكا بعض الأنظمة العربية الديكتاتورية، التى لا تختلف مخاطرها على شعوبها عما يمثله الكيان الصهيونى من مخاطر.