بعد أن جمع متعلقاته الشخصية فى حقيبة سفر كبيرة، استقل سامح كامل، الموظف فى مجلس مدينة العريش، سيارته الصغيرة، وبجواره زوجته وأسرع إلى المدرسة الابتدائية، واصطحب طفليه، وأوقف السيارة عند موقف الميكروباصات بالعريش، واستقل سيارة أجرة معلناً الرحيل عن المدينة بعد تزايد عمليات قتل المسيحيين على أيدى الإرهابيين من عناصر تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى.
من بين أفراد الميكروباص الذى يتسع لـ14 راكباً، كان سامح و12 قبطياً آخرين بين الركاب، وهم عبارة عن 4 أسر قرروا دون اتفاق مغادرة العريش.
«بيخبطوا على البيوت ولو لقوا مسيحى بيقلتوه».. بتلك الجملة فسر سامح سبب تركه للمدينة مع مئات المسيحيين خلال الساعات الماضية، وقال: «بعد ساعة تقريباً من تركى للمنزل فوجئت بأستاذ أحمد، أحد جيرانى يتصل بى ويطمئن على، والمفاجأة أنه أبلغنى بأن إرهابيين جاءوا إلى منزلى بعد أن تركته بساعة واحدة.
يحمد سامح ربه، أنه غادر وأسرته فى الوقت المناسب، قبل أن يقتله الإرهابيون، ما يتمناه سامح أن توافق المحافظة على نقله إلى أى محافظة أخرى حتى لا يضطر إلى الاستقالة من وظيفته.
ويحكى سامح لـ«المصرى اليوم»: «حوادث قتل المسيحيين زادت بشكل كبير خلال الساعات الماضية، كل يوم تقريباً فى ناس بتتقتل، وأتصور أنها ستزيد، فالإرهابيون أعلنوا بوضوح أنهم يستهدفون المسيحيين، ولا أستطيع إلقاء اللوم على الشرطة فالأوضاع الأمنية فى شمال سيناء سيئة للغاية، والعمليات الإرهابية تزداد».
فى منزل أحد أقاربه فى مدينة السويس، استقر سامح وأسرته المكونة من الزوجة وطفليه 10 و7 سنوات، «نزلت إلى السويس حتى أفكر فى الخطوة القادمة، مديرى فى العمل أبلغنى بأن المحافظة أعطت جميع الأقباط هناك إجازة لمدة شهر بشكل ودى بعد تلك الأحداث، والمسؤولون فى مدرسة الأولاد تقبلوا الأمر وعرضوا أن أعيدهما فى نهاية السنة الدراسية فقط للامتحان دون تسجيلهم غياب»، سامح اتصل بأكثر من 10 من أصدقائه الأقباط فى العريش، فوجدهم غادروا المدينة أيضاً بعد تلقيهم تهديدات وتم إلقاء منشورات فى منازلهم تتوعدهم بالقتل والحرق.
حال «سامح» لا يختلف كثيراً عن رامى مينا، الشاب الذى تزوج منذ عام فقط، وزوجته حامل فى شهرها الرابع، لكنه لايزال موجوداً فى العريش ينتظر بيع المحل الذى يملكه هناك ليغادر المدينة، وقال رامى، إنه أوصل زوجته إلى القاهرة، ثم عاد، أمس، ليلتقى أحد الأفراد الراغبين فى شراء المحل الصغير.
«لن أنتظر حتى أموت» قال رامى، الذى قرر العودة إلى القاهرة خلال ساعات بعد اتمام عملية البيع، وقال إنه فى حال لم يتمكن من إتمام عملية البيع، سيوكل محامياً لإنهاء الإجراءات، دون وجوده فى المدنية التى شهدت 8 جرائم قتل للمسيحيين وحرق لمنازلهم خلال فبراير الجارى.
أما رومانى خليل، ذلك العجوز الذى عاش قرابة 40 عاماً فى العريش ويعمل بهيئة البريد هناك، فرحل هو الآخر مع أولاده وزوجاتهم، الأربعاء الماضى، بعد تلقيهم تهديدات بالقتل.
قال رومانى: «المصالح الحكومية مثل البريد ومجلس المدينة والشهر العقارى أعطوا الموظفين شهرا إجازة وده بشكل ودى، لذا أخذت أولادى الذين يعملون فى الشهر العقارى ومجلس المدينة ونزلنا إلى القاهرة، لنعيش فى منزل نملكه فى مدينة العبور، لكن الأزمة الحقيقة يعيشها من ليس لهم بيت بديل».
عند موقف الميكروباصات فى مدينة العريش، قال سائقون لسيارات الأجرة، إن عدداً كبيراً من الأسر المسيحية، غادرت العريش، منهم من انتقل إلى السويس أو الإسماعيلية ومنهم من سافر إلى سوهاج والمنيا.
أما سامح الطيار، وهو مسلم، فروى لـ«المصرى اليوم » تفاصيل مرعبة عن وقائع القتل الأخيرة التى تعرض لها الأقباط وحدثت ليلة الخميس الماضى: « كنت أقف فى شرفة منزلى بحى الزهور فى الحادية عشرة مساء تقريباً، وشاهد الضحية، كامل الشهير بـ(أبورومانى) يقف بجوار ابنته أمام كشك صغير يشترون بعض المستلزمات، فى لحظات ظهر 3 مسلحين يجرون خلفه، حاول كامل الهروب منهم، ودخل إلى منزله المجاور، فتعقبوه، لحظات وسمعنا طلقات النار وشاهدنا النيران فوق سطح المنزل، بعد أن غادر المسلحون المكان، صعدت وعدد من الجيران إلى منزل الضحية، وجدناه ملقى فوق سطح المنزل والنار تشتعل فى جثته، وحاولنا إطفاء النار التى أشعلها الإرهابيون فى منزل أبورومانى».
وقال على يوسف، سائق ميكروباص فى موقف العريش: «خلال اليومين الماضيين نقلت بسيارتى قرابة 20 أسرة قبطية إلى الإسماعيلية، الناس بتمشى من العريش، كل يوم جرائم قتل».
وقال مسؤول قبطى فى العريش، رفض نشر اسمه: «الموضوع مقلق للغاية، والناس بتموت هنا كل يوم، ولا أستطيع توجيه اللوم إلى الشرطة ولكن على الدولة التحرك لحماية الأقباط».
ومن أبرز محطات استهداف الأقباط فى شمال سيناء فى السنين الماضية؛ كان التهجير القسرى الذى تعرضت له عشرات الأسر القبطية فى سبتمبر 2012، إثر هجوم إرهابيين ملثمين على محال وبيوت مملوكة للأقباط فى رفح، وتوزيع منشور تحذيرى يمهلهم 48 ساعة للرحيل عن المدينة.
تلا ذلك استهداف رجال دين ومواطنين أقباط فى حوادث متفرقة، أبرزها اغتيال القس مينا عبود فى يوليو 2013 برصاص إرهابيين ملثمين، وبعده القس رافائيل موسى فى يونيو 2016، وأعلن تنظيم ولاية سيناء «داعش» مسؤوليته عن مقتل الأخير، كما تعرض مواطنون أقباط للاستهداف على فترات متقطعة خلال السنوات الماضية، منهم مجدى لمى، تاجر أدوات كهربائية، الذى وُجد مذبوحًا فى مدينة الشيخ زويد فى نوفمبر 2013.