شدد الدكتورعلى حبيش، نقيب العلميين، رئيس أكاديمية البحث العلمى الأسبق، على أن الدولة تتجاهل فئة العلميين ولا تسعى لتحسين أوضاعهم، مؤكداً أن الدعم الحكومى السنوى لكل نقابى لا يتعدى 70 قرشاً، وأضاف فى حواره لـ«المصرى اليوم» أن قانون مزاولة المهنة معطل منذ التسعينيات، وأن تمريره يساهم فى حماية الأمن القومى.. وإلى نص الحوار:
■ ما طبيعة الأزمة التى تمر بها نقابة العلميين حالياً؟
- النقابة تواجه أزمة عصيبة فى التمويل منذ عام 1994 حتى الآن، لأن مصدر الدخل المخصص، الممثل فى تحصيل «تمغات» من شركات البترول تم إلغاؤه بحكم قضائى، بعد صدور قرار من وزير البترول فى التسعينيات، وحكمت الدستورية العليا بعدم أحقية النقابة فى تحصيلها، وألزمت الدولة بتعويض النقابة عن هذه النفقات، لكن لم تعوضها الدولة حتى الآن.
■ كيف تغلبتم على مشكلة الدعم المادى؟
- استثمرنا مرافق النقابة وأجّرنا بعضها، وبدأت تدر دخلاً فسددنا المعاشات المتأخرة للأعضاء.
■ لماذا غاب دور النقابة عن تدريب ورفع مهارات العلميين؟
- نحن ننظم دورات بالفعل لطلاب خريجى العلوم والكيميائيين، لكن الإقبال عليها ضعيف، لأن سعرها مرتفع وغير مدعومة من النقابة، لعدم وجود ميزانية تكفيها، على عكس بعض النقابات مثل المحامين والصحفيين، التى يوجد لها دخل عال لتحصيلها تمغات، ولو لم تكسب وزارة البترول قضيتها بإلغاء تحصيل التمغات منها لكان وضع النقابة أفضل.
■ لماذا ألغت المحكمة القانون؟
- هناك تخبط تشريعى فى هذا القانون، والدليل أنه لاتزال هناك نقابات يسرى عليها القانون الذى تم إلغاؤه بنقابة العلميين، لأنه لم تتقدم الجهات التى تدفع «تمغات» بدعاوى قضائية للمحكمة الدستورية العليا.
■ جدل واسع يدور منذ سنوات حول قانون مزاولة مهنة للعلميين.. ما ملامح هذا القانون؟
- القانون القديم لا يعطى توصيفاً دقيقاً للعلمى، فتجد الموظف الحكومى خريج كلية العلوم لا يتساوى فى المرتبة المادية والأدبية بخريجى الهندسة والطب، وتعامله الدولة كفنى مع أنه حاصل على نفس درجة البكالوريوس، كما يعامله القطاع الخاص بنفس المبدأ ويساويه بخريجى المعاهد المتوسطة وتحت المتوسطة، والقانون الجديد يعطى اعتباراً لخريجى كلية العلوم ويوضح توصيفاً لجميع المهن المتعلقة بالعلميين سواء الكيميائيين أو الفيزيائيين أوالتكنولوجيين، ويلزم بتواجدهم فى مكان تخصصهم ويمنع حدوث تجاوزات.
■ ماذا تقصد بـ«تجاوزات»؟
- أعنى إساءة استخدام المعامل والمتاجر الكيميائية، المصرح لأى شخص بالعمل بها، مما يسهل استخدامها فى أمور غير مشروعة مثلما حدث مؤخراً من تفجيرات بالإسكندرية، جراء قنبلة مصنوعة محلياً، ومكوناتها موجودة بالأسواق ويسهل صنعها، فى ظل غياب رقابة الحكومة عن تناول وبيع وشراء الكيماويات، والقانون الجديد يفرض وجود رجل كيميائى فى هذه المتاجر والمعامل مما يمنع أى شخص من استخدام هذه الكيماويات فى أمور غير مشروعة، والمفروض مثلما نشترط عمل طبيب بالعيادة وصيدلى بالصيدالية، لابد أن نشترط وجود كيميائى بمحل الكيماويات.
■ لماذا لم تعرض الحكومة مشروع القانون على مجلس الشعب؟
- لأنه عندما قدمناه كان هناك بند لتوفير مصدر تمويل للنقابة من الدولة لكن الحكومة رفضت.
■ لمن قدمت القانون تحديدا؟
- تم تقديمه 5 مرات بالبحث إلى الدكتور مفيد شهاب والدكتور عمرو سلامة ومؤخراً قدمته للدكتور هانى هلال، وبرر سبب رفضه باحتواء القانون على بنود تمويل من الدولة، ورغم ذلك عدلنا فى القانون ورفعنا بنود التمويل، وبعد ذلك طلب منى د.هلال تقديمه عن طريق أعضاء مجلس الشعب، مبررا ذلك بأنه سيلقى قبولاً أفضل من تقديمه عن طريق الحكومة.
■ لماذا لم يتبن «هلال» هذا القانون ويقدمه عن طريق الحكومة ليلقى قبول أغلبية مجلس الشعب؟
- لا أعرف.. اسأل د.هانى هلال.
■ هل تشعر أن ذلك يكرس تجاهل الدولة لخريجى العلوم؟
- العلميون فى أسوأ ظروفهم والدولة تتجاهلهم، والدليل على ذلك أن دعمها للنقابة لا يتعدى 75 ألف جنيه سنويا، لو قسمناها على 90 ألف عضو بالنقابة سيحصل كل واحد على دعم أقل من 70 قرشاً فى السنة، ورغم كل ذلك لاتزال النقابة موجودة وتزاول نشاطها، رغم أننا نستقبل كل عام 3 آلاف خريج جديد.
■ المئات من خريجى كليات العلوم يتركون مجال تخصصهم.. فهل ذلك سيؤثر على المهن العلمية؟
- سيؤثر على الوضع العلمى فى البلد ككل، فكثير من المتخصصين فى علوم الصدارة، مثل النانو تكنولوجى والإلكترونيات والمواد الجديدة والمتجددة، يتخرجون فى الكلية ولا يجدون عملاً مناسباً فى مصر وفى ظل تهافت الدول العربية عليهم يسافرون للخارج.
■ الأرقام تؤكد أن هناك نقصاً شديداً كل عام فى أعداد طلاب الأقسام العلمية؟
- طالب كلية العلوم إذا تخرج ولم يجد «واسطة» تعينه فى وظيفة جيدة حتى لو تقديره مقبول، أو لم يتفوق ويحصل على أعلى ترتيب بكليته سيترك تخصصه ويعمل فى أى مهنة أخرى، وبالتالى هذه صورة خريج العلوم وهى واضحة لطالب الثانوية العامة فإذا كان لديه نبوغ فى مجالات علمية يفقد الحماس ويعزف عن الأقسام العلمية.
■ أنت متهم بتحويل نشاط مبنى نقابة العلميين بمدينة نصر لقاعة أفراح؟
- طغت على وجهه ابتسامة، وقال: «عندما احتدمت مشكلة التمويل كنا لابد أن نجد طريقة لتخطى هذه العقبة وكان لابد من استثمار موارد النقابة، فقررنا استخدام قاعة مقر مدينة نصر صباحاً لأنشطة النقابة من ندوات ولقاءات علمية، ونؤجرها ليلا للأنشطة الاجتماعية».
■ فى الأغلب تكون أفراحاً؟
- ضحك بشدة وقال بسخرية «وماله ربك يبعت زباين، ده حتى الأفراح قلت عندنا فى القاعة والظاهر إن مفيش حد بيتجوز فى الشتا، ونحن مجبرون على فعل ذلك لفتح باب تمويل دخل النقابة».
■ ماذا تحتاج نقابة العلميين تحديداً لممارسة دورها على أكمل وجه؟
- تمرير قانون مزاولة المهنة، وتعديل قانون مصادر تمويل النقابة، لرفع الدعم المالى للنقابة لتوفير بدلات مادية للأعضاء ورفع معاشهم، فمعاش العلميين 47 جنيهاً شهرياً، ولابد أن يكون للنقابة دور فى العملية التعليمية وتعليم العلوم فى المدارس، لأننا لو لم ندرس العلوم بشكل جيد، فلن نجد نبتاً قوياً لدخول الجامعة وسيخرج الطالب ضعيفاً علمياً.
■ ما تقيمك لوضع البحث العلمى فى مصر؟
- غير مترابط لأن عندنا مؤسسات لوضع الرؤى والاستراتيجيات مثل أكاديمية البحث العلمى ووزارة البحث العلمى والمجالس القومية المتخصصة ولجان التعليم والبحث العلمى بمجلسى الشعب والشورى ولا يوجد رباط واضح للتنسيق بينهم، كما أن لدينا عشرات المراكز البحثية، والجامعات ولا يوجد ربط بينها.
■ لماذا لم يتم وضع قانون للبحث العلمى ينظم عمل هذه الجهات؟
- أنا كلفت بوضع قانون للبحث العلمى عندما كنت مستشاراً للدكتور مفيد شهاب أثناء وجوده بوزارة التعليم العالى والبحث العلمى وشكلت لجنة ضمت أساتذة كباراً وبدأنا نطلع على قوانين البحث العلمى فى اليابان وأمريكا، وشرعنا فى وضع القانون، لكن توقف عمل هذه اللجنة.
■ لماذا توقفت؟
- كان هناك توجه حكومى يوصى بتأجيل وضع قانون البحث العلمى، لكنى أرى حتمية فى وضع قانون ينظم البحث العلمى فى مصر ويحميه من تغير الوزارات وعدم ثبات البرامج والاستراتيجيات.
■ هل تؤيد فصل وزارة التعليم العالى عن البحث العلمى؟
- أصبح حتمياً تكليف وزير واحد متفرغ لتولى وزارة البحث العلمى منفردة، لتنظيم وتطوير قطاع البحث العلمى.