أكد الدكتور حازم الببلاوي، مستشار صندوق النقد العربي والمفكر الاقتصادي، أن مفهوم دولة القانون هو سر نجاح أي دولة حتى لو لم تكن ديموقراطية بالدرجة الكافية، مستشهدًا بتجربة سنغافورة، التي حكمها ديكتاتور، لكنه، وبحسب وصفه، احترم مفهوم دولة القانون، التي تحقق تكافؤ الفرص وتزيل التناقضات الاجتماعية.
وقال الببلاوي، في حواره مع الإعلامية لميس الحديدي خلال برنامجها «من قلب مصر»، والذي تقدمه على قناة «نايل لايف» تعقيبًا على أحداث تونس والأوضاع في مصر، إن الفساد هو أكبر الأخطار، التي تواجه أي اقتصاد، وأرجع الجزء الأكبر في تجربة تونس إلى الفساد من ناحية وجودة التعليم، التي دشن مفهومها وأسسها بورقيبة من ناحية أخرى، فزاد الوعي والسعي نحو التغيير.
وأشار إلى أن القلاقل، التي تشهدها بلدان مثل الجزائر الغنية بموقعها ومواردها ونضالها، يبعث على الحزن والخجل، مؤكدًا أن اقتصاديات الدول العربية تتجاهل في استراتيجياتها الأجل البعيد، وهو ما يعرِّضها لأخطار وصفها بـ«الجسيمة»، في ضوء قرب نضوب مصادر الطاقة وندرة المياه، وهما العنصران اللازمان للحياة.
وأشار الببلاوي إلى أن الاقتصاد المصري يبدو جيدًا في مؤشراته الكلية، التي تعني المؤسسات الدولية، لكن الترجمة الحقيقية قد تكون مقلقة، خصوصًا إذا كان الحديث عن مستقبل نصف قرن مقبل لا تهتم به هذه المؤسسات في ضوء تزايد سكاني بمتوالية هندسية، فضلا عن فقر في الموارد الطبيعية والقصور في التعليم.
واعتبر أن مقياس الشعور بالسعادة لا يمكن أن تعكسه الأرقام الاقتصادية؛ لأنها لا تعتني بكل ما له منفعة وثمن، فالأرقام تعطي دلالة، لكن لا يجب الإفراط والمبالغة في الحديث عنها، مشيرًا إلى أن إنفاق الدولة ليس شرطًا أن يترجم إلى سعادة في الشارع، مستشهدًا بعدد من المؤشرات، بداية من النمو الاقتصادي، الذي وصفه بـ«الجيد والمقبول»، لكنه في النهاية يصل إلى فئة وشريحة معينة ويحرم شرائح أخرى، فهناك أشياء قد تدخل في الحسابات ضمن الناتج القومي، لكنها تدخل في باب «النكد» القومي.
وضرب الببلاوي مثالا آخر على ذلك، فيما يخص أرقام الصاردرات، فعند قراءتها تبعث على التفاؤل، حيث زادت أربعة أضعاف مقارنة بفترة ما قبل الإصلاح في عام 2005، لكن بقراءة موضوعية لذلك يجب أن تقارن بنمو الواردات، كان لدينا عجز تجاري 12 مليار دولار، أما الآن قفز إلى 32 مليار دولار.
وقال الببلاوي إن قطاع الصناعة المصري لم يحقق إنجارات على مدار عشرين عامًا، فلا يزال وزنه النسبي يتأرجح بين 15 و16%، وتابع: «لو كنا دولة صناعية كان الرقم صعد إلى 20%، وهو يعتمد على استيراد المواد الأولية، فالصناعة في مصر عبء على بقية القطاعات الاقتصادية».
وحول الروشتة المستقبلية، التي طلبت منه «الحديدي» صياغتها، قال الببلاوي: «على الأجل القصير والمتوسط لا تحتاج الحكومة إلى روشتة فهي تعمل بكفء، لكن المستقبل هو الأكثر خطرًا».
وصاغ الببلاوي روشتة من ثلاثة عناصر، حيث قال: «أولها أخذ السياسات السكانية لا بد أن تؤخذ في الاعتبار وثانيًا لا بد من اعتبار لفقر الموارد الطبيعية والرقعة الزراعية، فلدينا 36 ألف كيلو متر وهي تساوي بلجيكا، التي يعادل سكانها 8 مليون ومصر 80 مليون نسمة ولديهم فحم وأيدٍ عاملة وتعليم، وبالتالي فالإنقاذ الوحيد في ذلك هو أن يتم زيادة كفاءة الإنتاج في مصر، والتي لن تتم إلا من خلال التكنولوجيا ومجالها هنا هي الصناعات التحويلية، إذًا لا بد أن تكون هناك رؤية لاستراتيجية التصنيع، فالتشجيع هنا ليس كلامًا، لكن لا بد من انتقاء الصناعات، التي يمكن للجيل المقبل أن يدخلها.