أجمع خبراء سياسيون على أن تسريبات موقع ويكيليكس عن تضخم ثروات الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وزوجته وعائلتها الطرابلسي، في ظل الضغوط الاجتماعية للشعب التونسي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة- ساهمت في الانتفاضة الشعبية في تونس، مشيرين إلى أن أي تسريبات تتعلق بثروة الأغنياء تستثير الفقراء، خاصة في حالة شعور المواطن بالحرمان الاقتصادي والاضطهاد السياسي.
كان موقع ويكيليكس الإلكتروني نشر وثائق مُسرّبة عن الخارجية الأمريكية وصفت نظام الحكم والمحيط العائلي للرئيس التونسي زين العابدين بن علي بأنّه أشبه بالمافيا، مشيرةً إلى أن زوجته حصلت من الدولة على أرض كمنحة مجانية لبناء مدرسة خاصة ثم باعتها.
وذكرت إحدى الوثائق الصادرة بتاريخ 23 يونيو عام 2008، كتبها السفير الأمريكي روبرت جوديك، أن مؤشر منظمة الشفافية الدولية لعام 2007، أظهر أن الفساد في تونس يزداد سوءًا، وقال السفير الأمريكي في الوثيقة، إنّ اتصالاتنا تشير إلى أن الوضع يسير في الاتجاه الخاطئ، مشيرًا إلى زيادة التضخم.
وركّزت الوثيقة على أن زوجة الرئيس ليلى بن علي، التي تنتمي إلى عائلة الطرابلسي، تنتهك النظام انتهاكًا صارخًا، مما يجعلها مكروهة، ويعدّ شقيق ليلى، بلحسن طرابلسي، الأكثر فسادًا وتورطًا في مشاريع فاسدة، والأكثر ابتزازًا للحصول على الرشوة بحسب الوثيقة.
وتحدثت الوثائق الأمريكية المسربة على موقع ويكيليكس عن تأثير ثروة الرئيس في عائلته، وأشارت إحداها إلى أن زوجته السيدة ليلى الطرابلسي قبل زواجها منه عام 1992، كانت تعمل مصففة للشعر وتنتمي لعائلة بائسة دون أن تحصل على قسط كاف من التعليم، لكن منذ ذلك، بدأت مظاهر الثروة تظهر على كثيرين من عائلتها وعائلة الرئيس أيضاً وأصبحوا يمتلكون أسهما كثيرة في الكثير من أبرز الشركات التونسية.
واعتبرت الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ورئيسة مركز البحوث والدراسات الأمريكية بجامعة القاهرة- أن تسريبات ويكيليكس عن تضخم ثروات الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وأولاده وزوجته وعائلتها في ظل الضغوط التي يشهدها الشعب التونسي من فقر وبطالة وضغوط اجتماعية، من أهم التأثيرات غير المباشرة على الانتفاضة الشعبية.
وقالت الشيخ في تصريحات لـ«المصري اليوم»، إن الشعب التونسي يعلم تماماً أن هناك فسادا في إدارة موارد الدولة من جانب الرئيس وحاشيته، ولكن تسريبات ويكيليس جاءت بمثابة مستند أو وثيقة على هذا الفساد، مؤكدة في الوقت نفسه أن الانتفاضة الشعبية للشعب التونسي نتيجة ظروف داخلية بالدرجة الأولى مما يعاني منه من عدم استجابة لمطالبه والضغوط الاجتماعية في الوقت الذي يعي فيه «زين العابدين» جيداً مشاكل الشارع التونسي لكنه أصابه الغرور بقوة الدولة والتحكم في الشعب لدرجة أنه فرض قيوداً شديدة على استخدام الإنترنت.
وأشارت الدكتورة نورهان، إلى أن الانتفاضات والثورات الشعبية هي دور الإدارة الأمريكية لتغيير الأنظمة بعد فشلها في التغيير عن طريق الحروب، وهو ما نجحت فيه بدول الكومنولث، موضحة أن أمريكا لها دور كبير في هذه الانتفاضة من خلال إعطاء الضوء الأخضر لعدد من المسؤولين أو أطراف اللعبة السياسية بأن يرفعوا أيديهم عن الشعب ويتركوا الأمور كما يريد الشعب.
وأوضحت أن تصريحات هيلاري كلينتون في مؤتمر الدوحة الأخير واتهامها المباشر والصريح بأن هناك فسادا في الأنظمة العربية خير دليل علي مضي الولايات المتحدة في خطتها من خلال استخدام الثورات والانتفاضات الشعبية لتغيير الأنظمة، مشددة على أن «انتفاضة الياسمين» في تونس هي نتيجة عدة عوامل سواء كانت الضغوط الداخلية أوتسريبات ويكيليكس أوغرور «بن علي» أوإعطاء الضوء الأخضر من قبل أمريكا بترك الأمور كما هي.
فيما رأي الدكتور عبدالمنعم المشاط، رئيس مركز الدراسات السياسية السابق بجامعة القاهرة، أن تسريبات ويكيليكس أو أي تسريبات تتعلق بثروة الأغنياء في العالم تستثير الفقراء، خاصة إذا شعر المواطن بالحرمان الاقتصادي والاضطهاد السياسي في نفس الدولة، مؤكداً أنه لم تعد هناك أسوار في نظام الدولة وأن ما يحدث من تسريبات للمعلومات يشير إلى أنه لا يوجد أسرار، فما يعتقد المسؤولون أنه أسرار تفضحه وسائل الاتصال الحديثة مثل ويكيليكس وغيرها.
وأكد المشاط في تصريحات لـ«المصري اليوم»،أن أي نظام سياسي يتسم بالاضطهاد السياسي والحرمان الاقتصادي لابد أن ينتج عنفا في الشارع الوطني، ولا يستطيع أي نظام سياسي أن يضع رأسه في الرمل وينعزل عن العالم الذي يتجه للديمقراطية والانفتاح السياسي والعدالة الاجتماعية في الاقتصاد، فللمواطن حقوق سياسية واقتصادية، والمسؤولون في الأجهزة التشريعية والتنفيذية عليهم تنفيذ مصالح الشعوب.
وأشار إلى أن ما حدث من انتفاضة شعبية في تونس ما هو إلا انعكاس لإحساس المواطن بالحرمان الاقتصادي والاضطهاد السياسي ومهانة إنسانية، وهو ما دفعه إلي النزول إلى الشارع ولذلك لم يكن لخطاب الرئيس بن علي أي معني فكلامه لا يشبع من جوع ولا يغني من فقر، وبالتالي ما حدث للرئيس التونسي الذي انتهى دوره بأنه لا يجد دولة تؤويه لأن الدول التي رفضت استقباله تخاف من المساءلة الداخلية، لكن السعودية ليس لديها مسألة شعبية.
وشدد المشاط على أنه على الحكام العرب أن يعوا ويستفيدوا جيداً من التجربة التونسية لنشر الديمقراطية وتحقيق المساواة الاقتصادية، ويتعلموا أن الدول الأكثر استقراراً هي من يعلم رئيسها أنه موظف من الشعب بدرجة رئيس يسعى لخدمة المواطن مثل أوباما وساركوزي.