إذا أخذتك قدماك يوماً إلى مطار القاهرة الدولى، ورأيت الزحام الشديد وطوابير البشر التي تمتد لمسافات طويلة، فلا تظن أو تعتقد أنها طوابير لتوزيع سلع غذائية مخفضة، لكنها لمسافرين وصلوا للمطار فجرا، ووقفوا في هذه الطوابير على اختلاف أعمارهم وأجناسهم وجنسياتهم، لا استثناءات منها لا للمرضى ولا كبار السن أو النساء أو للأطفال، هؤلاء كل أمانيهم في هذه اللحظات التي يقفون فيها أن يلحقوا بطائراتهم ويمروا بسلام من مراحل التفتيش.
إن هذه الصورة تشكل مأساة بالفعل في مطار القاهرة الدولى، هي صورة غير حضارية، فمن أراد أن يشاهد ويرى فعليه أن يذهب للمشاهدة والفرجة من الساعة السابعة صباحاً إلى التاسعة، وقت سفر الرحلات المتوجهة إلى أوروبا، ليشاهد ويرى بنفسه المأساة والمعاناة والفوضى، خاصة في مبنى الركاب رقم 3 المخصص لطائرات تحالف «ستار الينز». كنا نتوقع أن تختفى هذه الظاهرة عقب افتتاح مبنى 2 بعد تطويره وانتقال عدد من شركات الطيران من مبنى 1 المعروف بالمطار القديم، لكن العجيب أن الظاهرة بدأت تنتقل أيضا إلى المبنى الجديد، في هذا التوقيت، الذي لا توجد فيه رحلات عمرة على الخطوط السعودية أو مصر للطيران أو الشركات الخاصة.
وتظل التساؤلات حائرة لا تجد إجابة.. لماذا يحدث هذا الزحام وهذا التكدس؟، ولماذا لا نستطيع القضاء عليه؟، وما هو الحل؟، كثير من كبار الموظفين الذين أمضوا أكثر من نصف حياتهم بمطار القاهرة، قالوا إن الفوضى تحدث بداية من بوابات الدخول الإلكترونية الأولى وتستمر حتى الوصول إلى بوابات التفتيش الثانية، بسبب إجراءات التفتيش، التي تأخذ وقتا كبيراً لتفتيش كل راكب، خاصة بعد تطبيق الإجراءات الجديدة التي تتبعها وزارة الداخلية عقب حادثتى سقوط الطائرة الروسية، فأصبح مجرد المرور من جهاز «الأكس رى» لا يعتد به لدى أفراد الداخلية، بل يتم إخضاع المسافر أو المسافرة لتفتيش ذاتى، بعد أن يفرغ جيوبه من المعادن، ويخلع حذاءه وحزامه، ويضعهما في صندوق يمر على هذه الأجهزة أيضا، وكذلك تفتيش الحقائب المشكوك فيها يدويا، وهذا في المرة الأولى، ويتكرر الأمر في مرحلة التفتيش الثانية، بعدها يتوجه المسافر لمرحلة أخرى هي إنهاء إجراءات الحصول على بطاقة الصعود للطائرة «البوردنج» وشحن الحقائب من خلال كاونتر شركة الطيران، ثم تأتى مرحلة التعقيم النهائى التي بعدها يصعد الراكب إلى الطائرة، والأجهزة الشرطية تبتغى من هذا التدقيق حماية الأرواح والممتلكات، ولا لوم عليها، وعلينا أن نرفع لها القبعة إجلالاً واحتراماً على هذا الجهد المرهق لأفرادها من أكبر مسؤول فيهم إلى أصغرهم. لكن هذا الجهد وهذا العمل هل هو وليد اللحظة؟، وهل هذه الإجراءات لم تكن موجودة قبل حادثة سقوط الطائرة الروسية بصحراء سيناء، أقول وأشهد أننى على مدى ١٤ عاماً بمطار القاهرة لم أر ولو للحظة أن الأجهزة الشرطية تخاذلت حتى في أصعب الأوقات التي مرت عليها، فعقب قيام أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ وقفت صامدة تحمى بوابة مصر من المخربين والمتربصين بأمن البلاد والعباد.
ولكى أشرع في الكتابة في هذا الموضوع راقبت ما يحدث في أكثر من موقع بالمطار، واستعنت بشخص من أقدم الموظفين بالمطار وأكثرهم خبرة وأيضا ببعض رجال الشرطة الذين يشرفون على إجراءات التفتيش، الذين أكدوا أن إجراءات التدقيق والتفتيش الأمنى التي يتم تنفيذها على الركاب والحقائب هي الأصعب في العالم أجمع، لانها تتم على 5 مراحل، بخلاف المطارات العالمية الأخرى التي تتم على ثلاث مراحل، والتى قد تتسبب في حدوث ثغرات أمنية كما حدث في مطار بروكسل ببلجيكا ففجر الإرهابيون صالات السفر الواقعة قبل مرحلة التفتيش النهائى المعروفة بـ«المنطقة المعقمة» لذا فإن الإجراءات المتبعة بالمطارات المصرية تستغرق وقتاً أطول بكثير من الوقت المحدد وفقاً للمقاييس العالمية.
فمثلاً عندما يصل الراكب إلى المطار بحقائبه يتوجه إلى بوابات دخول الصالات المجهزة بأجهزة «الأكس رى» ونظراً لأنه لا يوجد عمال مساعدون بالقدر الكافى يضطر الراكب أن يضع بنفسه حقائبه على سير الجهاز، وهذا يأخذ وقتاً خاصة إذا علمنا أن الراكب المصرى ليس لدية ثقافة الاكتفاء بحقيبة واحدة أثناء السفر، وقد يكون المسافر رجلا مسنا أو امرأة تحمل طفلاً، فلو كان هناك من يساعده ولو برسوم تفرض على تذكرة السفر، كان المسافر سيتوجه للمرحلة الثانية وهى مراجعة جواز سفره وتذكرة الطيران بمعرفة فرد الشرطة، هذه المرحلة تأخذ وقتا أيضا لأن بعضا من أفراد الشرطة لا يستطيعون قراءة تذكرة السفر ومعرفة اسم شركة الطيران وموعد الرحلة، لذا فيجب على شركة مصر للطيران أن تعقد دورات تدريبة لهؤلاء على كيفية قراءة التذكرة ولا مانع من عقد دورات لهم أيضا في اللغة الإنجليزية، تساعدهم على التعامل بشكل أفضل مع المسافرين الأجانب، وهذه الدورات يجب أن يحصل عليها أفراد شركة «فالكون» التي بدأت العمل ببعض المطارات، ثم تبدأ مرحلة جديدة وهى وضع كافة متعلقات المسافر والأشياء المعدنية التي لديه في صندوق، ويبدأ عملية المرور والتفتيش، فإذا لم يكن لديه ما يمنعه من المرور يرتدى ما خلعه من ملابس وأحذية.
وأوضحوا أن هناك نقصا في الأفراد المساعدين خلف أجهزة التفتيش فالمسافرون يستغرقون وقتاً في البحث عن عربة الحقائب ويبدأون في تحميل ما لديهم بأنفسهم، هذه الخطوات تأخذ أيضاً وقتا وتتسبب في حالات التكدس والزحام، لماذا؟، لأن المطار لا يوفر الأفراد المساعدين لتحميل الحقائب على سيور التفتيش وإن وجدوا فإن أعينهم على البقشيش، ولا يوجد من يراقبهم أو من ينظم هؤلاء أثناء عملهم، كما أن الركاب الذين يدخلون على جهاز التفتيش يتركون عربات الحقائب بالخارج ولا يدخلون بها وفقا للتعليمات ويستخدمون الموجودة داخل الصلات ومن هنا يحدث التكدس، كما أن بوابات الدخول المستعملة قليلة جداً فنجد بوابة مفتوحة واثنتين مغلقتين بسبب عدم وجود شرطيين بالشكل الكافى لأن المطارات تعمل 24 ساعة، وهذا يتطلب طواقم وأعدادا كبيرة، وطلب أطقم إضافية يحتاج إلى «حركة تنقلات».
لذلك فإن المسؤولية مشتركة بين الداخلية والطيران، فعلى وزارة الداخلية أن توفر أفراداً بالقدر الكافى الذي يسمح بتشغيل كافة البوابات وعدم إغلاق أي بوابة خاصة في أوقات الذروة التي تبدأ مع رحلات الصباح المتجهة إلى أوروبا والمنطقة العربية، وأيضا في الفترة المسائية، وحتى تتمكن من القيام بعمليات التفتيش والتدقيق التي ترتضيها، أما وزارة الطيران أو بالتحديد شركة ميناء القاهرة الجوى التي بها جيش جرار من العاملين والموظفين يجب عليها توفير العمالة المساعدة للركاب في تحميل الحقائب، وتوفير عربات نقل الحقائب بالقرب من البوابات سواء داخل الصالات وخارجها، وأيضا مراقبة وتنظيم هؤلاء الأفراد من خلال مديرى المبانى، ونوابهم، الذين يتوجب عليهم أن يباشروا ويشرفوا على العمل من على أرض الواقع، لا من خلال شاشات المراقبة الموجودة بمكاتبهم، وكذلك يلزم على وزارة الطيران أن تنظم دورات تدريبية بالتعاون مع مركز تدريب مصر للطيران لأفراد الشرطة والعمالة المساعدة.