أعلن الرئيس التونسى زين العابدين بن على، فى خطاب تليفزيونى الخميس، أنه «لا رئاسة لتونس مدى الحياة»، وأنه لن يعدل الدستور ليرشح نفسه لولاية سادسة بعد انتهاء ولايته فى 2014، وأكد تفعيل الديمقراطية والتعددية والدستور، وشدد على أنه تعرض للمغالطة بشان الأحداث التى شهدتها بلاده، وأن من حجبوا الحقائق سيحاسبون، وشدد على أهمية إحداث التغيير الشامل، وقال إنه سيتم خفض أسعار السكر والحليب والخبز، ويمثل الخطاب، بحسب محللين ومراقبين للوضع فى تونس، تنازلات كبيرة من الرئيس لمحاولة احتواء شرارة الاحتجاجات الاجتماعية على الغلاء والبطالة والفساد المشتعلة فى البلاد منذ نحو شهر، متساءلين: إن كانت تلك التنازلات ستشكل بداية لعهد جديد فى البلاد.
وتطرق الرئيس التونسى فى خطابه، الخميس، إلى مستقبله السياسى، وأكد أنه لا ينوى الترشح مجدداً للرئاسة فى 2014 بعكس ما كان يطلب منه أنصاره. وقال بن على (74 عاما) فى هذا الصدد «إننى أجدد التأكيد على التعهد منذ السابع من نوفمبر 1987 (تاريخ توليه السلطة) بأنه لا رئاسة مدى الحياة»، مشددا على «عدم المساس بشرط السن للترشح لرئاسة الجمهورية» المحدد وفق الدستور بـ75 عاما، إذ إن عمره سيكون 77 عاما فى حال ترشح لانتخابات 2014 كما طلب منه أنصاره بعيد فوزه بانتخابات 2009.
وقال «حزنى وألمى كبيران لأنى مضيت أكثر من 50 سنة من عمرى فى خدمة تونس فى مختلف المواقع من الجيش الوطنى إلى المسؤوليات المختلفة و23 سنة على رأس الدولة».
وأعلن فى هذا السياق تشكيل «لجنة وطنية تترأسها شخصية وطنية مستقلة لها المصداقية» لدى كل الأطراف السياسيين والاجتماعيين للنظر فى «مراجعة المجلة الانتخابية ومجلة الصحافة وقانون الجمعيات وغيرها» من النصوص المنظمة للحياة السياسية فى تونس.
وخاطب «بن على» التونسيين قائلاً: «لقد فهمتكم، فهمت الجميع العاطل عن العمل والمحتاج والسياسى»، وأعرب عن أسفه للأحداث التى شهدها البلاد، مطالبا اللجنة المستقلة بتحديد الجهات المسؤولة، مشيرا إلى أنه تعرض «للمغالطة»، وأن من «حجبوا الحقائق سيحاسبون»، وقال، فى خطابه المشحون بالعاطفة، «إن ما حدث فى الشارع التونسى إجرام وليس احتجاجات».
وأكد الرئيس التونسى، فى خطابه الذى ألقاه لأول مرة باللغة العامية، وغلبت على حديثه نبرة البكاء، أن الوضع يفرض أن تتوقف القوات الأمنية عن إطلاق النار على المتظاهرين، وقال «لا أقبل أن تسيل قطرة دم واحدة فى تونس»، وأضاف: «كفى عنفا، لقد أعطيت تعليمات لوزير الداخلية، كفى لجوءاً للرصاص الحى إلا فى حالة هجوم والانجبار على الدفاع عن النفس» من جانب قوات الأمن.
وكرر «بن على»، فى خطابه الذى ألقاه باللهجة التونسية لأول مرة، كلمة «لقد فهمتكم» مضيفاً، «فهمت الجميع العاطل عن العمل والمحتاج والسياسى»، مؤكدا أن «الوضع يفرض تغييرا عميقا وشاملا». وأكد فى هذا الإطار أنه سيتم «فتح المجال من الآن لحرية التعبير السياسى ومزيد من العمل على دعم الديمقراطية وتفعيل التعددية». كما قرر إعطاء «الحرية الكاملة للإعلام بكل وسائله والإنترنت» فى تونس، مؤكدا أن «العديد من الأمور لم تسر» كما أرادها وخصوصا «فى مجالى الديمقراطية والإعلام»، اللذين تعرض بشأنهما إلى انتقادات، خصوصا من واشنطن. وقال «قررت الحرية الكاملة للإعلام بكل وسائله وعدم غلق مواقع الإنترنت ورفض أى شكل من أشكال الرقابة عليها مع الحرص على احترام أخلاقيات المجتمع ومبادئ المهنة الإعلامية».
وتساءل العديد من المحللين والمواطنين إن كانت تنازلات بن على تبشر بعهد جديد فى البلاد، وإن كانت ستسفر عن تغيير ملموس فى بلد المعارضة فيه ضعيفة ومنقسمة ولم تظهر من بينها شخصية تستطيع تحويل حالة الاستياء إلى عمل سياسى.
ولم يتضح بعد كيف سيكون رد الفعل على وعد «بن على» بالتنحى عن الرئاسة خلال 3 أعوام، وهل سيحاول معارضون إرغامه على التنحى على الفور، إذ لا يوجد مرشح واضح لخلافة بن على، الذى هيمن على الحياة السياسية فى تونس وهمش منافسيه، بينما كان يسود الاقتناع نطاق واسع أن يجرى «بن على» تعديلات دستورية تتيح له الترشح لولاية سادسة. ويعد نجيب الشابى، السياسى المعارض الوحيد، الذى يعتبره دبلوماسيون غربيون شريكاً محتملا للحزب الحاكم، وهو ما أعلن عنه وزير الخارجية، الجمعة، وكان الحزب قاطع الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقال «الشابى» إن الاضطرابات سلطت الضوء على حاجة تونس إلى أن تغير اتجاهها، وتبدأ إعداد خطة لانتقال السلطة فى 2014، وأضاف «أخلّوا بوعودهم.. وعدوا بإصلاحات سياسية وانتقال إلى الديمقراطية لكننا نعيش 20 عاما من الديكتاتورية».
ولم تكن أصوات المعارضة للنظام على مدار سنوات صوتاً يسمع علنا ولم يكن لها وجود فى البرلمان، مع محدودية دورها بين الجاليات التونسية فى الخارج وفى وسائل الإعلام الأجنبية أو على الإنترنت، بينما تتسارع وسائل الإعلام إلى كيل المدح والثناء للرئيس وزوجته.
لكن ثورة الغلاء والاحتجاجات الأخيرة غيرت العديد من الأمور فى البلاد، فبينما كانت صورة «بن على» لا يخلو منها متجر أو مبنى عام تناقلت وسائل الإعلام صورا لغاضبين يحرقون صورته، وسمع شهود عيان انتقادات للرئيس علنا بمقاهى العاصمة، وهو أمر لم يكن يخطر ببال فى الماضى، وقبل خطابه الأخير ذكرت رسائل على «تويتر» بالفرنسية لمشاركين فى الاضطرابات «لا تدعوا بن على يفلت». وقالت أخرى «أشم رائحة النصر يقترب... نهاية الديكتاتورية... تشجعوا».
وقالت جالا ريانى المحللة فى مؤسسة آى.إتش.إس جلوبال إنسايت: «من المؤكد أن «بن على» يقع تحت ضغط أكبر من ذى قبل، وأعتقد أن حكومته ظنت أن الاحتجاجات ستنتهى لكنها ازدادت كثافة وانتشرت».