سلسلة من الانهيارات السكنية اختتمت عام 2010، ودفنت كثيرا من المقيمين بالعقارات تحت الأنقاض، أبرزها انهيارات الإسكندرية والصعيد، وآخرها انهيار عقار بالأقصر. العقارات المنهارة كانت مهددة بالانهيار قبل وقوع الحادث، سواء بسبب تهالكها بفعل الزمن أو بسبب مخالفات البناء، وفى الوقت الذى انتهت فيه حياة بعض سكان هذه العقارات تحت أنقاضها، فإن معظم المقيمين فى العقارات المهددة بالسقوط يقضون أيامهم فى خوف ولياليهم تحت حصار الرعب.
النوم هو أصعب ما يمكن أن يقوم به سكان منازل آيلة للسقوط، فبين جدران متشققة وسقف تتساقط أجزاؤه، تضطر «أم أحمد» للنوم بعد أن تكرر نطق «الشهادة»، استعداداً لانهيار المنزل فوق رأسها فى أى لحظة، «معرفش لو نمت هصحى ولا لأ.. علشان كده باتشاهد قبل ما أنام» هكذا تقول، منوهة بأن معاشها لا يمكّنها من شراء العشاء كما لا يمكنها من تبديل سكنها فى بيت متهالك بحى عابدين إلى آخر آمن.
بيت «أم أحمد» واحد من ضمن 1.2 مليون عقار على مستوى الجمهورية تعانى من حالة متردية، وصادر لها قرار من بين 111875 قرارا بالهدم على مستوى الجمهورية أيضا، حسب إحصاءات وزارة التنمية المحلية والمركز المصرى للحق فى السكن، إلا أن القرار الصادر قبل 25 عاما للعقار الذى تسكنه هذه المرأة النوبية كان بإزالة دورين منه لتخفيف الحمل على الأدوار الأولى بعد ترميمها، لكن القرار ظل ورقة فى بيت مالك العقار ولم ينفذ، والبيت لم يعد يتحمل مجرد الترميم، السقف يتآكل وتسقط منه أجزاء، والشروخ لم تترك حائطا منه على حاله. وعلى الرغم من أن دخل «أم أحمد» الشهرى 110 جنيهات فإنها اضطرت لإجراء ترميم لشقتها تكلف 6 آلاف جنيه، ومع ذلك مازال الخطر يحوطها، «لو لىّ سكن تانى كنت رحمت نفسى من انتظار الموت تحت الأنقاض كل ليلة»، كانت آخر كلماتها قبل أن نودعها.
لم يختلف كثيرا حال «سيد عطية» جارها فى حارة البلتيدار بعابدين، فالخوف من الموت تحت الأنقاض يحاصره أيضا، بعدما بنى شقيق زوجته دوراً إضافيا فوق الأربعة الأساسية، وهو ما برره سيد وزوجته بأنه مجرد «عِند».. ولا سبب له سوى الخلافات العائلية، يدلل على ذلك سيد: «أخو زوجتى بنى دورا خامسا منذ 16 عاما ولا يسكنه، وبالرغم من قرار الحى بإزالته الصادر منذ 10 سنوات لم ينفذ القرار لمجرد معاندتنا». ويضيف: «البيت لا يحتمل هذا الدور والشروخ انتشرت فى البيت، خاصة الدور الرابع وأصبح ضعيفاً يهتز بشدة مع أى زلزال». لم يكن حال بيوت قلعة الكبش أقل سوءاً، ولم تكن ملصقات الدعاية لمرشحى ونواب مجلس الشعب، التى زينت شقوق هذه المنازل من الخارج كافية لإبعاد شبح الانهيار عنها، بل يؤكد كثيرون من سكانها أن الانهيار أصبح النتيجة المنطقية الوحيدة لحالة بيوتهم، التى يرجع عمر بعضها لأكثر من 100 عام.
فالعقار الذى يسكنه أنور السيد، الكائن فى حارة العامرية، يتجاوز عمره 150 عاماً - حسب تأكيد صاحب العقار، وبعد أن فقد جيرانه فى العقار المجاور الذى أزيل من قبل، أصبح ينتظر دور عقاره بعد أن صدر قرار بإزالته من الحى سنة 1989 ولم ينفذ حتى الآن.
خلاف بين المالك والمستأجر كان وراء مشكلة «أنور»، الذى فرح كثيرا وأسرته كونهم سيحصلون على شقة بديلة فى «النهضة»، ورغم بعدها عن القاهرة فقد اعتبروا الشقة «نجدة» من حياة الرعب التى يعيشونها كلما زادت الشقوق بالبيت، الذى يسكنونه حاليا، إلا أن عدم تنفيذ المالك قرار الإزالة يحول دون فرصتهم فى الحصول على شقة بديلة. كما أكد المالك - الذى رفض ذكر اسمه بسبب خلافاته مع الحى - أنه سيفقد 50 متراً من أرض المنزل، وقال: الأرض 95 متراً وعرفت أنى بعد الهدم لن أحصل على أكثر من 32 ألف جنيه فقط، لذلك لن أنفذ القرار، لكنى سـأنكـّس بقدر المستطاع.
يصف «أنور» حالة بيته: عندما نشعر بحرارة الجو ننظر إلى المروحة.. لكننا لا نستطيع تشغيلها، فدورانها وحده كفيل بأن يهز البيت كله، بالإضافة إلى اعوجاج السقف، الذى لا يسمح بأى ضغط عليه.
منزل «أنور» ملىء بالشروخ ودرجات السلم «مكسرة»، كما أن اتساع الشقوق بالبيت سمح للفئران الكبيرة بالدخول للمنزل، ويؤكد الرجل: «فى البداية الأطفال كانوا بيترعبوا من الفئران، لكن بعد كده خلاص اتعودوا عليها وبقوا يلعبوا معاها«.
وضع «محمود أمين»، صاحب شقة بعقار فى فيصل، يختلف كثيرا عن وضع سكان العقارات المتهالكة، لكن النتيجة لم تختلف، فعقار محمود عمره 7 سنوات فقط، لكن شقته لم تختلف عن شقق عابدين وقلعة الكبش، جدران مشققة وسقف تتساقط أجزاؤه، الفرق هنا هو أن التهالك لم يأت نتيجة الزمن كما هو الحال فى المناطق القديمة، وإنما نتيجة للغش فى أدوات البناء ومياه المجارى، يقول محمود: صاحب البيت كان يؤجر بدروم البيت لتاجر لذلك فتح له شبابيك فى مستوى الأرض على الشارع، وعندما «طفحت المجارى» دخلت المياه من هذه النوافذ للبدروم، فما كان من المالك سوى أن وضع التراب على المياه، وتركها تأكل فى الأعمدة.
ويضيف: خفت من تآكل «العمدان»، فعرضت المنزل على مهندس فأكد لى أن أدوات البناء مغشوشة بدليل سقوط جزء من السقف، وظهور حديد الخرسانة، الذى اكتشفت أنه متآكل.
يواصل محمود: عندما اشتكيت للمالك قال لى «مش مستعد أنفق على الإصلاح لو مش عاجبك خد فلوسك»، وهو الحل الذى لم يرض محمود مبررا: منذ 7 سنوات دفعت مبلغ 15 ألف جنيه وهو لا يصلح كمقدم لأى شقة الآن، لكننى أسكن فى شقة إيجار الآن بعدما خفت على أبنائى.
ويرى محمد الحلو، مدير الوحدة القانونية بمركز حقوق السكن، أن عدم تفعيل القوانين المنظمة لعلاقة المالك بالسكان واتحاد الشاغلين هو السبب الأول وراء سلسلة الانهيارات، التى شهدتها مصر فى الآونة الأخيرة، موضحا: وجود اتحاد شاغلين يضمن تنفيذ قرارات الإزالة أو الترميم التى يصدرها الحى، لأن الصراعات القائمة بين الملاك والمستأجرين هى السبب الأول وراء عدم تنفيذ القرارات، مما يؤدى لانهيارها فوق رؤوس السكان بعد تهالكها. من جانبه، نفى اللواء محمود ياسين، نائب محافظ القاهرة، تأخر تسليم الشقق البديلة لسكان المنازل التى يزيلها الحى، مؤكدا، «قبل أن يخرجوا من بيوتهم يكون معهم عقد الشقق الجديدة».
ويحاول المسؤول بكلماته تبديد مخاوف السكان من ترك بيوتهم وتأخر تسلمهم الشقق البديلة، بالنظر لسكان هضبة الدويقة. ويوضح ياسين: هناك لجنة بالمحافظة مشكلة من استشاريين ومهندسين متخصصين على أعلى مستوى، يقومون بمعاينة المنازل وتحديد الإجراء المناسب لها سواء كان بالهدم أو الترميم. ويرى أن ارتباط المواطنين بالمناطق التى عاشوا فيها فترة طويلة هو السبب الأول وراء تعرضهم للخطر، وقال: لابد أن يدرك السكان الخطورة التى تحيط بهم، بدلا من أن يلاقوا مصير سكان بولاق أبوالعلا.