مصر وتركيا.. الاعتداء الإسرائيلى واحد والرد مختلف

كتب: خالد عمر عبد الحليم السبت 03-09-2011 19:07

فرضت الظروف المتشابهة فى الاعتداءات الإسرائيلية على الحدود المصرية من جانب، وعلى قافلة الحرية التركية لكسر حصار غزة من جانب، واختلاف رد فعل الدولتين فى مواجهة تجاوزات الدولة العبرية مقارنة منطقية بين الموقفين، وتساؤلاً أهم حول أسباب الاختلاف.


وتستند ردود فعل أى دولة على مصادر القوة التى تستند إليها، وطبيعة النظام السياسى القائم فيها، ومن البديهى أنه كلما زادت مصادر القوة تمكنت الدولة من الرد بالطريقة التى تناسبها، وكلما كان النظام السياسى أكثر تمسكاً بمبادئ تحظى بقبول أتباعه زادت قدرته خارجياً.


ولعل مقارنة بسيطة بين مكونات القوة المصرية ونظيرتها التركية فى الوقت الحالى تفسر أسباب اختلاف الردين المصرى والتركى على تجاوزات متشابهة، فعلى سبيل المثال فإن الناتج القومى التركى يعادل قرابة ضعف الناتج القومى المصرى (960 مليار دولار لتركيا مقابل 490 لمصر) وهو ما يمنح تركيا قوة أكبر فى التحرك اقتصاديا.


كما أن معدل النمو التركى بلغ 8.2% العام الماضى، بينما بلغ معدل النمو المصرى 5% فقط، وذلك على الرغم من أن الاقتصاد التركى تأثر كثيراً بالأزمة الاقتصادية العالمية لأنه الأكثر اندماجا فى الاقتصاد العالمى وبالتالى أكثر تأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية أواخر عام 2008، وعلى الرغم من ذلك لم تزد نسبة التضخم فى تركيا على 9% بينما لم يزد الدين العام على 43% من الناتج القومى.


وتختلف طبيعة مصادر الدخل المصرية عن نظيرتها التركية بشكل كبير، ففى الوقت الذى تعتمد فيه مصر على السياحة وعوائد قناة السويس وصادرات المحاصيل الزراعية لأوروبا، لاسيما البطاطس والبرتقال، فإن الصادرات التركية تختلف، فالكثير منها صناعى مثل معدات النقل، فضلاً عن الملابس ومنتجات الصناعات المعدنية.


وتجعل هذه السمات الاقتصاد التركى أكثر قدرة على تحمل الاهتزازات الاقتصادية، حيث تتميز السلع المصنعة بالثبات النسبى فى الأسعار مقارنة بالسلع الأولية والمحاصيل الزراعية التى تتميز بالتقلب، وأن غالبيتها «سوق مشتراة» وليست «سوقاً منتجة» بمعنى أن المشترى يكون بوسعه التأثير على السعر أكثر من المنتج، كما أن قناة السويس والسياحة يشكلان مصدرين للدخل يسهل تأثرهما بالتغيرات السياسية والعسكرية فى المنطقة.


وتؤدى الرفاهية الاقتصادية إلى زيادة الدعم الشعبى للحكومة القائمة وهو ما يؤهلها لاتخاذ قرارات أكثر جرأة على صعيد السياسة الخارجية، وهو ما تحظى به الحكومة التركية بالتأكيد، فى ظل أن معدل الدخل فيها يفوق ضعف معدل الدخل فى مصر (12300 دولار سنويا للفرد فى تركيا مقابل 6100 فى مصر).


وعلى الرغم من أهمية التأثير الاقتصادى ومدى استقلال الاقتصاد وقوته على قرارات السياسة الخارجية فإنه لا يمكن إهمال تأثير الأوضاع السياسية الداخلية أيضاً على اتجاهات السياسة الخارجية، بجانب ضرورة توافر الإرادة السياسية.


وفى الوقت الذى تحظى فيه تركيا بحكومة شرعية منتخبة يمكنها أن تتخذ قرارات استراتيجية أوجريئة معتمدة على الشرعية التى اكتسبتها من الشارع فى مواجهة خصمها الداخلى، الجيش، فإن الوضع فى مصر يختلف كثيرا فى ظل وجود سلطة انتقالية فى الحكم لا تحظى بشرعية انتخابية والشرعية التى تملكها هى لإدارة الفترة الحالية فقط وليس أكثر.


كما ساعدت طبيعة العلاقات التركية الخارجية على تمكين تركيا من اتخاذ قرارها بطرد السفير الإسرائيلى وتجميد التعاون العسكرى مع الدولة العبرية، ففى الوقت الذى تقيم فيه أنقرة علاقات قوية مع جميع دول المنطقة بدءا من إيران وسوريا انتهاء بالسعودية وقطر وإسرائيل نفسها (قبل التوترات الأخيرة)، فإن القاهرة –قبل الثورة- أدخلت نفسها فى صراعات مع عدد من الأطراف الإقليمية ومن بينها إيران وسوريا وقطر.


ولم تقم السلطة الانتقالية فى مصر بما يكفى لإعادة التوازن فى العلاقات المصرية الخارجية فظلت مرتبطة بصورة أوثق بالحلف الأمريكى فى المنطقة ولذا أصبح من الصعب على مصر التمادى فى مواجهة إسرائيل مع احتمال خسارة الحليف الأمريكى - وحلفائه فى المنطقة- فى وقت تعانى مصر فيه من عدم الاستقرار.


وتبدوالصورة فى كل من مصر وتركيا متناقضة للغاية، فبينما تنعم تركيا بحكومة مستقرة وشرعية واقتصاد مزدهر ينموباستمرار وعلاقات خارجية متوازنة تفتقد مصر كل ذلك، لذا جاء ردها على مقتل 5 من جنودها برصاص إسرائيل «متواضعاً».