الدكتور حازم الرفاعى واحد من أساتذة الطب البارزين في لندن، وله براءات اختراع عالمية، وقد شغل لفترة موقع عميد الجالية هناك، وهو سياسى يسارى مصرى، يكتب في «الاهرام» وله اهتمام واسع بملفات اسواق المال وتاثيرها على المجريات السياسية، وكذا الصراع الاليكترونى بين امريكا وروسيا كحرب باردة جديدة، وهو اول من استخدم ( في مقال بموقع المصرى اليوم ) تعبير «توازن الرعب الاليكترونى» .
في هذا الحوار القصير معه يكشف ملامح جديدة عن هذا النوع المعقد من الصراعات وانعكاسه على بلادنا.
- كيف وصلنا إلى ما اسميته انت «توازن الرعب الاليكترونى» بين الكبار بدلا عن النووى ؟
تطورت المخاطر أو الكواراث التي يمكن ان تنجم عن الحرب الاليكترونية ب، مقدار التطور الذي حدث في الثورة العلمية التكنولوجية ذاتها. بدات تلك الثورة اولا باكتشف الكمبيوترات والامكانيات الكبيرة لتسريع وتيرة تجميع واستخدام المعلومات وتلا ذلك التشابك المذهل بين ملايين أو لنقل مئات ملايين الاجهزة عبر العالم تحت مظلة الشبكة العنكبوتية، ثم التداخل الشديد بين تلك الثورة باداوتها وبين كل نشاط انسانى أو اقتصادى تقريبا، مع ازاحة الكثير من الادوات القديمة وبما فيها جانب كبير من ذاكرة الفرد ومهارته اليدوية اوا لذهينة. المهم ان اصبح بالامكان شل المطارات والسدود ومحطات الكهرباء والمصانع الكبيرة والبنوك أو تحطيم قواعد بياناتها أو سرقتها الخ، وايقاع خسائر بالخصم في لحظات تفوق بكثير خسائر أي حرب تقلدية. كل ذلك ادى إلى رعب متبادل بين الغرب والشرق مرة أخرى .
- ما دور الدول الصغيرة في مثل هذه الحرب المختلفة ؟
الخطر الاكبر بالنسبة لنا كدول نامية هو التطور اللامتكافىء أي تقدم امريكا والغرب وبعض دول اسيا عنا بكثير في مجال المعلوماتية وتكنولوجياتها لكن المثير ان التطور الشديد نفسه فيه جانب يشبه كعب اخيل( نقطة في قدم البطل الاغريقى كان فيها مقتله)، وعلى ذلك تمكنت دول اقل تطورا في التكنولوجية والمعلوماتية مثل روسيا من الحاق خسائر كبيرة ببلد شديد التقدم مثل الولايات المتحدة بالضرب في كعب اخيل هذا. لقد تنبه الطرف الذي تم ابعاده بعد 1990 ( عام انهيار الاتحاد السوفيتى ) من الثنائية القطيبة بعد ان اصبحت احادية، إلى نقطة الضعف تلك واستغلها ليوجد لنفسه مساحة في معادلة القوة العالمية. ذلك هو درس مهم للدول الضعيفة.
- ما الدليل لديك على حدوث الاختراقات لنظم امريكية ؟
هناك امثلة معلنة عن اقتحام قوى غامضة لنقاط الترابط اوالتربيط التكنولوجى الامريكية وايقافها أو شلها في لحظات حاسمة من الصراعات الكوكبية أو الاقليمية المشتعلة ما يدل استنتاجا على وجود علاقة. الفاعل نادرا ما يترك اثرا أو ربما يستحيل اكتشافه في تلك العمليات المعقدة لكن النتائج والتوقيتات غالبا ما تشير إلى الفاعل أو المستفيد. يوما 2 و3يناير 2017 كما عرفنا مثلا تم ايقاف اجهزة السيطرة على الامن في المطارات الامريكية الكبيرة وحدث اضطراب شديد.
- هل تعنى ان بامكاننا مثلا ان نناطح الكبار ..ما الدرس المستفاد منذ ذلك ؟
اولا هناك درس سياسى وهو ان نعى ان لكل قوة حدود ولكن الشاطر الذي يدرك ذلك ويعمل عليه، وان نعى ايضا ان الكبير ليس لديه قدرة على ا لرد دائما رغم امكانياته الضخمة والفارق بينه وبين غيره انه لايمكنه الاعتراف علنا بالهزيمة في معركة اليكترونية، خوفا على هيبته، لكنه يستخدم اتهامات رمادية لذر الرماد في العيون عن الهزيمة الكيبرة ومن ذلك التركيز على قصة بريد هيلارى كلينتون أو ان ترامب دخل الرئاسة على اسنة رماح اليكترونية روسية. من حسن الحظ ان مصر – كدول نامية معروفة أخرى – لديها مهندسو اتصالات ومعلومات شديدو البراعة وباعداد ليست قليلة ولها الحق في ان تحفظ امن معلومتها بطريقتها وان ترد على من يستهدفها لكن بحساب دقيق دائما.
-اعلان ترامب الانسحاب إلى الداخل ( امريكا اولا ) في عصر التكنولوجيا التي تزيل الحواجز كيف يتاتى ذلك ؟
احد اسباب بروز ميل انكماشى / انغلاقى وطنى في امريكا، في تقديرى هو اعادة بناء الالويات الامنية والاقتصادية والعسكرية. ربما تكون سخرية ترامب من كل اجهزة المخابرادت الحالية تريد ان تقول انه يلزم اعادة بناء اجهزة جديدة تكون اكثر استجابة للتحدى الجديد ذى الطابع التكنولوجى المعلوماتى.. فالتقليديون بتلك الاجهزة لن يمكنهم مجابهة ذلك الصراع، انهم خبراء في ا لحروب التقليدية والنووية لكن هناك متغير يشكل خطرا افدح. ومن المؤكد ان امريكا التي تتجسس على كل شىء وعلى أي حليف حاولت ان ترد على روسيا لكنها فشلت وكان عليها ان تعيد تقييم موقفها.
- توازن الرعب النووى قاد إلى وافاق بين امريكا وروسيا في السبعينات هل يمكن ان يؤدى توازن الرعب الاليكترونى إلى شىء شبيه ؟
اتوقع انفراجا دوليا قريبا وقد بدات علاماته وسيشبه الوفاق الذي تم بين نيكسون وبرجينيف العام 1971. وفاق قيل عنه وقتها انه يرسخ مبدا «اللاسلم واللا حرب». سيحدث الوفاق الراهن ليس ايمانا بالوفاق أو تقديرا له ولكن ليكون بمثاية هدنة لالتقاط الانفاس واعادة ترتيب المسرح. اول ما سيتغير في ظله انه لن يتاح للارهاب استخدادم التكنولوجيا بعد ذلك. ايضا بعد فخلطة السلاح الذي تستخدمه الدول ستتغيروسيكون للمقاتلين الالكيترونيين دور بارز. امريكا قد تسحب قواعدها العسكرية من اليابان ولكنها ستترك اسلحة أخرى...( منصات تجسس اليكترونى ).
- هذا من ناحية امريكا فماذا عن روسيا؟
لقد قال رئيس اسبق للاركان في بريطانيا «انا لا اقوى الاخرى»- ( مفسرا موقف بريطانيا المتشدد ضد روسيا ) – مضيفا ان تلك الحرب يمكن ان تلحق اصابات خطيرة جدا بالمرافق الاساسية والمؤسسات.
روسيا تتعامل مع امريكا هنا بمنطق «ايش تاخد الريح من البلاط» لان التكنولوجيا لم تتوغل بعد بعمق في روسيا كامريكا وهى تجبر امريكا على الدخول في معركة لم تستعد لها، ولا تملك ادواتها بشكل كاف بينما روسيا التي تعد التكنولوجيا فيها متاخرة تنبهت إلى انها تملك ما يعطل تفوق الاخرين التكنولوجى بل ويخيفهم. وقد مضت في هذا ردا على كل ما ارتكبته امريكا وقوى غربية ضدها عبر العقدين الماضيين.
- وما التداعيات السياسية والتكنولوجية علينا؟
كسياسى انبه إلى انه يتعين ان يكون لنا حلفاء من نوع جديد واجهزة امن ومعلومات من نوع جديد وساسة جدد يفهمون ابعاد تلك الصراعات وما ستنعكس به على مصر والاقليم العربى فالعالم يقف على حافة هيروشيما اليكترونية فمن من مؤسساتنا وساستنا يدرك ذلك؟
ومامدى جاهزيتنا لتقبل ضربات اليكترونية ثم الرد عليها؟. عالميا ممكن ان يكون هناك حوار دائر بين امريكا وروسيا من قبيل «لموا الدور واحنا نلم» لكن ما التسويات التي ستتم على الارض مقابل ذلك؟ ومن سيدفع ثمنها في منطقتنا أو غيرها؟ ربما يتم لم تعابين الارهاب باسم الدين وربما يتم استخدام انواع جديدة منهم. فعلى مصر ان تكون صاحية طوال الوقت.
- التامين الاليكترونى هو صناعة المتقدمين اليكترونيا كيف نواجه ذلك؟
شركات التامين الاليكيترونى ضد الهجمات تذكرنى بالشركات العالمية للدواء لقد اثبتت وزارة الصحة البريطانية ان ا لحديد لا يفيد السيدات الحوامل إلا من كانت النسبة عندهن اقل عشرة ونصف ومع ذلك فالاطباء عمال على بطال يكتبونه ولا من مستفيد إلا شركات الدواء بينما تصاب السيدات بالامساك منه. نفس الامر مع فيتامين دى. اذن اشكال الحماية التي توفرها شركات ا لتامين الاليكترونى يجب ان تخضع لفحص دقيق قبل العمل بها لانها يمكن في احسن الاحوال ان تضعف المناعة ولا تفيد ناهيك عن امكان اساءة استخدامهاها وانا لست فنيا.
- من ثوار المرحلة الجديدة ومن الخونة ؟
ثوار الشبكة العنكبوتية عندى هم من امثال «اسانج» و«سنودن» من النوع الذي يؤمن بالقيم الليبرالية والخصوصية وحرية التعبير وقد اتعسهم ما علموه من تجسس على المواطنين وتحريف لوعيهم وافساد معلوماتهم وتشويشها باشكال ناعمة وملتوية، فغامروا بحياتهم من اجل فضح ذلك، اما الخونة فهم من يسلمون مفاتيح الشبكات اوا لنظم أو التامين أو التخزين الاليكترونى إلى الغير وربما يلحقهم المهملون أو المقصرون بشدة في حماية وتامين نظمهم وقواعد بياناتهم واجهزتهم وخوادمهم وشفراتهم .