يمثل إعلان سيلفا كير، رئيس حكومة جنوب السودان، بأن دولته الجديدة اختارت مدينة «القدس» لتبنى فيها سفارة بلاده بدلا من تل أبيب وسعى الجانبين لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية. نقلة نوعية فى الدولة الوليدة بجنوب السودان ونجاحا للدولة العبرية فى اختراق الفناء الخلفى للدول العربية وهو ما يراه الخبراء تهديدا لأمن مصر المائى رغم تصريحات المسؤولين فى جوبا بالتزامهم بحصة مصر التاريخية من حوض النيل.
وقال نائب رئيس الكنيست الإسرائيلى دانى دانون خلال زيارته يوم الاثنين الماضى لجوبا ولقائه سيلفا كير إن بلاده ستساعد جمهورية جنوب السودان لتتمكن من بناء اقتصادها «لتكون صديقا حقيقيا لها فى بناء الديمقراطية فى أفريقيا»، وقال دانون - الذى قاد وفدا إسرئيليا رفيع المستوى يزور جنوب السودان فى أول زيارة رسمية معلنة - إن إسرائيل مستعدة لتطوير كل العلاقات الثنائية بين البلدين.
وبدوره، قال دانى أيالون، نائب وزير الخارجية الإسرائيلى، إن قرار إقامة علاقات دبلوماسية مع جنوب السودان يأتى فى إطار الجهود الإسرائيلية لعرقلة تحركات السلطة الفلسطينية التى تسعى للتوجه إلى الأمم المتحدة فى سبتمبر الجارى لانتزاع قرار بإعلان دولة فلسطينية. وأضاف أن إسرائيل تأمل فى أن تدعم جمهورية جنوب السودان الموقف الإسرائيلى، موضحا أن إسرائيل «أيدت الأقلية المسيحية الملاحقة فى السودان، وأوفدت الخبراء الزراعيين والأطباء إلى جنوب السودان للمساعدة فى بناء هذه الدولة الفقيرة جدا».
واتفق خبراء ومراقبون على أن إسراع إسرائيل بالاعتراف بدولة جنوب السودان يأتى خدمة لمصالح سياسية واستخبارية بجانب المصالح الاقتصادية التى ستتيح للشركات الإسرائيلية مضاعفة استثماراتها هناك فى الزراعة والأمن.
وأكد عضو الكنيست عن القائمة العربية الموحدة إبراهيم صرصور أن إسرائيل تبحث عن موطئ قدم لها بجنوب السودان بعد القرن الأفريقى بما يمنحها فرصة لممارسة نفوذها فى منطقة استراتيجية لمصر والسودان والأمن القومى العربى، وفى إطار مساعيها لاختراق القارة السوداء، منتقدا تأخر الدول العربية فى تعزيز التعاون مع جوبا.
ورأى الخبراء أن رفع العلم الإسرائيلى فى احتفالات استقلال جنوب السودان لم يكن عفوياً ولكن أعد مسبقا قبل إعلان الاستقلال رسميا فى 9 يوليو الماضى، ويرون أن قلق السودان ليس له مبرر فالعلاقات الإسرائيلية مع جنوب السودان تحكمها مصالح، وعلى السودان مواجهة إسرائيل دبلوماسياً لأنها تقدم مساعدات عسكرية وتقنية لجنوب السودان الذى يحتاج لاستثمارات كبيرة لتحقيق التنمية وتسعى الدولة العبرية إلى الضغط على الخرطوم فى دعمها لحماس بعد أن هاجمت سيارات مدنية على الحدود السودانية المصرية فى 2009، والعام الماضى بحجة أنها تهرب أسلحة إيرانية لحماس.
وتعود جذور العلاقات الإسرائيلية بجنوب السودان لعام 1955 بعد تمرد الجنرال جوزيف لاقو الذى زار إسرائيل لأول مرة عام 1967 وقررت تل أبيب تدريب قوات التمرد فى جنوب السودان ومدها بالعتاد وإنشاء جهاز استخبارات للحركة، وبعد استقلال جنوب السودان تطورت العلاقات مع إسرائيل عندما نظمت شركة العال الإسرائيلى أولى رحلاتها إلى جوبا لنقل رجال أعمال إسرائيليين للإعداد لإقامة مشروعات اقتصادية، كما تبين أن إسرائيل لديها مكتب تنسيق مصالح فى جنوب السودان قبل إعلان الاستقلال ويوجد وفد إسرائيلى يضم خبراء عسكريين وتقنيين بجنوب السودان لإقامة شركات أمنية لتوفير الحراسة للمؤسسات الحكومية والتجارية.
وشهد الجنوب نشاطًا كثيفًا لعناصر «الموساد»، التى تقوم بتدريبِ عناصرِ الحركة الشعبية، وتحذر تقارير البنك الدولى من «العَسْكرة المفرِطة» فى الجنوب السودانى، وتفيد تقاريره أنَّ ميزانية الجيش الجنوبى هى الأكبرُ فى دول المنطقة، التى تتعدَّى 2.5 مليار دولار سنويًّا، بينما قدَّرت بعضُ الجِهات الأكاديمية الإسرائيليَّة الدعم العسكرى الإسرائيلى لجنوب السودان بـ500 مليون دولار خلالَ السنوات الماضية، وتشير تقارير إلى وجودِ نيَّة إسرائيليَّة لإقامة قاعدة عسكريَّة فى الجنوب لحماية الدولة الناشِئة.
وحاولت إسرائيل إيجاد موطِئ قدمٍ لها فى تلك البقعة الاستراتيجيَّة، حيث الثروات الطبيعيَّة، والموقع الجغرافى المتميِّز، فى ظلِّ غياب أى دور عربى ملموس، بجانب الثروات الطبيعيَّة، وعلى رأسها النّفْط واتفقت تل أبيب وجوبا على إنشاء مكاتب سمْسَرة مالية وتجارية، وإنشاء فندق سِياحى ضخْم باستثمارات إسرائيليَّة.
الجنرال «حاييم لاسكوف»، الرئيس السابِق لهيئة أركان الجيش الإسرائيلى، عَبَّر عن أهداف بلاده فى القارة السمراء بقوله «إنَّ نجاح إسرائيل فى تطوير عَلاقاتها مع الدول الأفريقية سيُحقِّق لها مكاسبَ استراتيجية، ويساعِد على تلافى نقاط الضعْف الاستراتيجى والوصول إلى الظَّهْر العربى المكشوف فى مَيْدان لا يتوقَّعه العرَب».
ويؤكد الخبراء أن انفصال الجنوب السودانى سيؤثِّر بطبيعة الحال على حصَّة مصر فى مياه النيل، حيث سيحصل الجنوب على نصيبٍ مِن المياه مِن حصَّتى مصر والسودان، بجانب جملة التوتُّرات الحالية بين مصر ودول حوض النيل. كما عطل الحضورُ الإسرائيلى القَوى فى الجنوب على مصر إنشاء مشروع قَناة جونجلى التى كانتْ ستؤدِّى إلى زيادة حصَّة مصر مِن مياه النيل،كما سيُتيح لإسرائيل اللعبَ بورقة المياه للضغط على مصر والسودان، بجانب دعم تل أبيب لمتمردى دارفور مما قد يفْتَح الباب لانفصالِ الإقليم.