عزيزي نيوتن.. هكذا يجب أن ننظر إلى «تيران وصنافير»

جمال الجمل الأحد 22-01-2017 23:50

مقاله بصحيفة «المصري اليوم» عدد السبت الماضي أنه لا توجد وثائق قاطعة تحسم ملكية الجزيرتين لأي دولة بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، ومن هذا الالتباس وجد «نيوتن» أن فكرة التوافق والاقتسام هي الحل الأمثل الذي يمكن التوصل إليه إذا اتخذنا الوثيقة الأمريكية المفرج عنها كأساس لتسوية الأزمة التي تفاقمت بعد الحكم البات للمحكمة الإدارية العليا، والذي اعتبر سيادة مصر على الجزيرتين أمر مقطوع به، فقد استند «نيوتن» إلى مصادر إسرائيلية وأمريكية ترجع إلى الخمسينيات، ترجح أن «تيران مصرية»، و«صنافير سعودية»، معتبرا أن هذا الاقتسام يحول دون تعكير صفو العلاقات المصرية السعودية.
(2)
اختتم نيوتن مقاله «التوفيقي» قائلاً: إن هذه الوثيقة «عالجت الموقف»، وقدمت لنا حلا «عبقرياً وعملياً».. «كأنها العناية الإلهية»، فالدول كما الأفراد.. تستيقظ كل صباح، بحثاً عن الرزق، سعيا إلى حل مشاكلها.. لكنها أبدا لا تسعى للبحث عن المشاكل أو افتعالها..!

تيران لا» أوضحت فيه أن ملكية تيران القانونية، ليست هي الدافع المصري للتمسك بالجزيرتين، لكن «تيران وشدوان» لهما أهمية استراتيجية قصوى كبوابات سيادة لخليجي العقبة والسويس، ويجب ألا تسمح مصر بالتفريط في سيادتها على الممرين المائيين بالأساس، لذلك عندما أثيرت هذه الأزمة في الخمسينيات، وفي الستينيات، كان كلام عبدالناصر واضحا جدا، ومحددا جدا في حديثه القاطع الموثق بالصوت والصورة، والتي أكد فيها أن «مياه تيران مصرية»، ولا يمكن التنازل عنها.

(5)
هذا المفهوم يعني أن مصر يجب أن تحتفظ بسيادتها على مضيق تيران، حتى لو كانت صنافير سعودية، وبالتالي اعتبرت منذ البداية أن المشكلة في «تيران»، واعتبرت أن المخطط لا يستهدف انتزاع قطعة أرض، بل انتزاع مفهوم جغرافي واستراتيجي، يسمح مع الوقت بصناعة تاريخ جديد للمنطقة، ضمن مخطط المسخ والطمس الذي يتضمنه مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي نجح إلى حد كبير في تشويه فكرة «الوطن العربي» وتحويله إلى منطقة مفتوحة متشظية الهويات والأهداف، وبعد «تعميم كامب ديفيد» تصبح «إسرائيل» هي عاصمته السياسية والعلمية، التي تخطط وتقرر، بينما الأقطار العربية تتحول إلى مجرد أسواق ومولات للاستهلاك، أو مصادر للعمالة الرخيصة.

(6)
عزيزي «نيوتن» فكرة «الحل التوافقي» جيدة، بل يمكن الذهاب لأكثر منها مع السعودية، أو مع أي قطر عربي من دول الجوار، إذا كان ذلك في إطار التنسيق داخل البيت العربي، وبدون تدخل أي أطراف خارجية، وبدون أي إخلال حالي أو مستقبلي بفكرة الأمن القومي، لهذا فكما كتبت من قبل فإن الخلاف بشأن «تيران وصنافير» ليس مع السعودية كشقيقة عربية، لكن الخلاف مع تحول الدول العربية إلى وسيط لتمرير استراتيجيات ومشاريع معادية لمصر وللدول العربية كلها، وهو الأمر الذي لا يجب أن نسمح به، حتى لو كانت موازين القوى ليست في صالحنا، فالهزيمة في جولة صراع، أقل خطرا من التسليم وهزيمة النفوس والعقول.

(الخلاصة)
تيران بتاعتنا، أو بتاعة السعودية واحنا بنمارس عليها السيادة لأسباب قهرية تتعلق بالأمن القومي.. ده كلام مش محل خلاف، لكن أن يتم استدراج النظام السعودي بتواطؤ مع مسؤولين مصريين، لتفكيك موقف استراتيجي خطير يتعلق بالأمن القومي، فهذا «حق يراد به باطل»، ويجعل النزاع الاستراتيجي بشأن الجزيرتين أقرب إلى خناقة على شقة أو قطعة أرض تخضع لقانون الإيجار القديم.. إذن نحن نخاطب المؤسسات الاستراتيجية للنظر إلى «تيران وصنافير» بما يليق بتاريخها، وبموقعها، وبعلاقتها بالأسس الاستراتيحية القومية، وليس بمنطقة مقاتل «ييجي في عز المعركة ويقول لك: أصل الدباية دي روسية، وهرجعها لأصحابها، والطيارة دي فرنسية ولم نسدد القسط».. في المعارك لا تفرط في سلاحك وموقعك، ولا تشغل بالك بعقد شراء السلاح أو عقود ملكية الأرض التي تحارب من فوقها، يكفي أن دم رفاقك في السلاح روى هذه الأرض للدفاع عنها، لكي يكون لديك ألف سبب لعدم التفريط فيها.

جمال الجمل
tamahi@hotmail.com