فى سباق المجروحين.. القرموطي يمص «الزعزوعة»!!

طارق الشناوي الأحد 22-01-2017 21:28

ثلاثة أفلام عُرضت في توقيت واحد يجمع بين نجومها الثلاثة، أنهم من الذين ابتعدوا قسرا عن السينما، صاروا خارج الخط تماما، في ظل منظومة سينمائية بلا قلب، لا تعترف بالعيش والملح والعشرة ولا يوجد في قاموسها «ارحموا عزيز قوم ذل»، فلا رحمة ولا شفقة لدى الجماهير ولا شركات الإنتاج التي تطبق فقط مبدأ «اللى تكسب بيه العب بيه» والثلاثة لم يعد أحد يلعب بهم كأوراق على

المائدة السينمائية.

أحمد عيد «يابانى أصلى»، ومصطفى قمر «فين قلبى»، وأحمد آدم «القرموطى على

خط النار».

من المؤكد أن كلا منهم كان ينتظر توقيتا آخر للعرض، إلا أن هذا هو المتاح أمامهم ولا شىء آخر، فهم لا يملكون ترف الاختيار، الأفلام الثلاثة بالطبع تقع في إطار السينما الفقيرة في التكاليف، والأهم الفقيرة في الفكر، محدودة الخيال أو يعوزها تماما الخيال. لو قررنا أن نضعها في الترتيب الفنى، سنجد فيلم عيد في المركز الأول، أتحدث طبعا عن المقارنة النسبية ويأتى في المركز الأخير آدم، إلا أن المقارنة الرقمية كان لها رأى آخر تماما، حيث صعد القرموطى للمركز الأول في مفاجأة متكاملة الأركان، اكتشفت في دار العرض أن هناك من لا يزال يُضحكه القرموطى، طبعا يظل قمر الذي كنا نراهن عليه كثيرا في بداياته السينمائية يستحق وقفة، حيث احتل المركز الأخير وحظى بلقب «أوحش الوحشين»، بعد أن وجدنا أن عقارب الزمن قد توقفت به عند نفس المرحلة العمرية التي كان عليه أن يودعها، كان قمر واعدا بالكثير منذ إطلالته السينمائية كأحد أبطال فيلم «البطل» لمجدى أحمد على 20 عاما وكان ملفتا، يواكبه حضور أيضا يضعه في مركز متقدم في عالم الطرب، وقدم أفلاما حققت نجاحا دفعه لكى يُصبح إحدى الأوراق السينمائية الرابحة مثل «حبك نار» و«قلب جرىء» و«حريم كريم» وفجأة وبدون سابق إنذار يُسدل الستار عن المطرب وينطفئ الضوء عن الممثل، ولكن دائما من حق الفنان أن يقاوم حتى اللحظة الأخيرة.

كل من آدم وقمر وعيد يستحقون أن نفرد لهم مساحة قادمة، ولكن دعونا نبدأ بأكبرهم عمرا وأكثرهم مشاغبة وإصرارا على التواجد

داخل الملعب.

كان الرهان على آدم كبيرا، بل كان ينظر إليه حتى عشرين عاما مضت أنه النجم القادم في الكوميديا، وكل الأعمال المشتركة بينه وبين محمد هنيدى كان اسمه يأتى سابقا هنيدى، مثل «سمكة وأربع قروش»، إلا أن القفزة الرقمية جاءت من نصيب هنيدى منذ «إسماعيلية رايح جاى» 1997 وظل يحتل تلك المكانة لمدة خمس سنوات حتى أطاح به محمد سعد في عام 2002 مع «اللمبى»، ليست هذه هي حكايتنا هذه المرة، ولكن آدم هو حكايتنا الذي انطلق بطلا في فيلم «ولا في النية أبقى فلبينية» مع الأخذ في الاعتبار أنه قد تم فعليا حذف فلبينية من العنوان، بعد أن غضبت السفارة في مصر.

بعد عامين من قفزة هنيدى في «إسماعيلية» التي تأكدت مع «صعيدى في الجامعة الأمريكية»، كان المقصود هو الاستعانة بكل العناصر التي حققت لهنيدى النجاح في «إسماعيلية» واعتقدت شركة الإنتاج وقتها أن السر هو الكاتب أحمد البيه والمخرج كريم ضياء الدين، بل استعانوا أيضا بالمونتير الراحل عادل منير، إلا أن السر لم يكن في الحقيقة يكمن في أي من هؤلاء، ولكن في هنيدى، فلم يتحقق آدم رقميا، بل إن النجم الذي تحقق من هذا الجيل الذين أطلقنا عليهم، بعد أن قدموا شفرة مختلفة للكوميديا «المضحكين الجدد»، هو علاء ولى الدين في «عبود» ثم «الناظر» من خلال المخرج شريف عرفة، محققا تلك القفزة التي تدشن النجم، بينما آدم حاول كثيرا ولم تناصره الأرقام، رأى وسبق أن ذكرته كثيرا أن آدم جيناته مسرحية أكثر منها سينمائية، أداؤه به قدر من الخشونة يتلاءم أكثر مع طبيعة خشبة المسرح، بينما كاميرا السينما تحتاج إلى قدر أكبر من النعومة يفتقدها آدم، وهكذا كان تواجده على خشبة المسرح في نجاحات متلاحقة منذ أن قدمه محمد صبحى، هو الملعب الحقيقى الذي يسجل من خلاله الأهداف الجماهيرية.

في كل الأحوال كان النجاح الرقمى السينمائى هو الهدف الذي لم يستطع أبدا آدم تحقيقه، ولكن ظل في الميدان متواجدا داخل الخريطة، برغم ضآلة الإيرادات، التي كانت بالضرورة تؤدى إلى تقديم أفلام محدودة الميزانية، ولا يرحب بها في العادة إلا عدد محدود من دور العرض حتى إنه وجد نفسه خارج الخط في السنوات الخمس الأخيرة، ولا مكان له فقط سوى في البرامج مثل «بنى آدم شو» وهو أقرب إلى «استاند أب كوميدى»، حيث العلاقة مباشرة بين النجم والجمهور، بالطبع هناك مساحة من الارتجال والتى يجيدها آدم بحكم تكوينه المسرحى، ومن خلال ذلك يعلق آدم بطريقته على الأحداث السياسية والاجتماعية الجارية، في غضون ذلك كانت شخصية القرموطى هي الأكثر نجاحا، تنضح عليه بين الحين والآخر، بعد أن عثر عليها في مسلسل «سر الأرض» قبل نحو ما يقترب من ربع قرن، وبالفعل حققت قدرا لا ينكر من النجاح في الشارع، واستعان بها مجددا بناء على نصيحة عادل إمام في عدد من الأفلام مثل «معلش إحنا بنتبهدل»، كانت ولا تزال هي الأنجح لآدم، رغم أن السقف ظل محدودا لو قارناه مثلا بمحمد سعد في «اللمبى»، ولكن آدم لم يجد غيرها لكى يتشعبط عن طريقها في قطار السينما السريع الذي غادر تلك المحطة. وهكذا جاء «أبومصعب القرموطى» الشخصية التي لا يمكن أن تعثر لها على مؤلف سوى آدم فقط، حتى لو قرأنا على «التترات» أسماء أخرى. الفيلم الذي أخرجه أحمد البدرى تستطيع طبعا أن تلحظ تواجد آدم في كل تفاصيله، فهو ليس فقط الشخصية المحورية في الفيلم، ولكنه هو الفيلم، ويبدو كأنه إخراجيا امتداد للتفكير البرامجى «بنى آدم شو» الذي يعتمد على قدرة آدم على السخرية من الأوضاع القائمة، الهدف الرئيسى هو فضح الإرهاب الذي يتدثر بالدين، الأحداث الرئيسية في ليبيا، حيث تتعدد الجهات التي تُعلن الدفاع عن الدين وإقامة دولة إسلامية، البداية مع مشهد خفيف الظل في أحد الأحياء الشعبية، عندما يشاهد القرموطى التليفزيون ثلاثى الأبعاد ويشتعل الحريق في بيته، فيعتقد أنه جزء من الفيلم، وبعد أن تأتى المطافئ متأخرة ساعتين يتمكن هو بالفعل من إطفاء النيران، وبعدها يشعل هو النيران في بيته، حتى لا يجد نفسه متهما بإزعاج السلطات بالبلاغ الكاذب.

ينتقل في رحلة من مرسى مطروح مع زوجته التي أدت دورها بدرية طلبة، ثم يذهب على الحدود إلى ليبيا، ليبدأ رحلته في مواجهة الجماعات التي ترفع شعار الدين وتتناحر فيما بينها لينتهى الأمر بإحباط محاولة لتفجير أمن الدولة في القاهرة.

لن تعثر على سينما، الشريط الذي شاهدناه حقيقة لا يشبه السينما في أي ملمح، ولكن به سيطرة كاملة من القرموطى، لا نرى سوى أحمد آدم يشغل المساحة كلها، ولا شىء آخر، نعم حقق نجاحا رقميا بالقياس لفيلمى «فين قلبى» و«يابانى أصلى»، ولكن الأمر هنا لا يعنى شيئا، فهو فقط بالحساب الرقمى «أفضل الوحشين».

هل يعود آدم مجددا لملعب السينما؟، لا أتصور أن هذا من الممكن أن يحدث، لأن قماشة القرموطى لن تحتمل المزيد من القرمطة، فهى قد حققت في هذا الاختبار رقما يأخذ درجة «يدوبك» أي أنه في أحسن الأحوال يتوازن مع التكاليف المرصودة، لكنه لا يفتح شهية المنتجين للمزيد، طبعا اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته، ويبوس إيده وش وظهر، على الرقم الذي حققه، نعم لا جديد لدى القرموطى، وكأنه قد أنهى على عود القصب، ولم يبق له سوى الزعزوعة، ونستكمل قريبا رحلتنا مع أفلام المجروحين الذين كانوا أسوأ حالا، فلم يعثروا حتى على «الزعزوعة»!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com