في أعقاب صدور الحكم القضائي ببطلان توقيع الحكومة على اتفاقية تمنح بموجبها مصر السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر، تواجه الاتفاقيات الموازية التي تم توقعيها خلال زيارة العاهل السعودي خطر «التجميد»، فضلا عن وضع العلاقات الثنائية تحت اختبار حقيقي، في الوقت الذي يرى فيه الخبراء أن العلاقات المصرية السعودية أقوى من الحكم القضائي الأخير.
وكانت مصر وقعت هذه الاتفاقية مع اتفاقيات اقتصادية أخرى بقيمة تجاوزت 16 مليار دولار، أثناء زيارة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة في أبريل 2016.
وقال الباحث في العلاقات السياسية في الشرق الأوسط جريمي ويردن، إن العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين لا يمكن تغيرها، مضيفا في معرض حديثه لـ«المصري اليوم» أن الخلاف حول القضايا الأمنية سيأخذ بعض الوقت وسيحل قريبا مع محاولات الحكومة المصرية تهدئة الوضع.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والمملكة العربية السعودية 6.3 مليار دولار مقابل 6.2 مليار دولار في 2014، فيما بلغت الاستثمارات السعودية في مصر 6 مليارات دولار في أكثر من 3400 مشروع استثماري كما بلغت الاستثمارات المصرية في السعودية 2.5 مليار دولار في أكثر من 1300 مشروع استثماري.
ومنذ أحداث ثورة يناير تزعزع الاقتصاد المصري وواجه اختلال كبير ليشهد تراجع في الاحتياطي الأجنبي من 36 مليار دولار في ديسمبر 2011 إلى 14.4 مليار دولار في 2012.
وحصلت مصر منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم على مليارات الدولارات من المساعدات من السعودية، لكن العلاقات بين البلدين فترت خلال الأشهر الأخيرة بسبب خلافات في بعض الملفات الإقليمية لا سيما منهما السوري واليمني.
وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية في مصر، تدفق ما يقرب من 12 مليار دولار من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، ودعمت المملكة العربية السعودية النظام المصري في منع مزيد من الاضطرابات الاقتصادية في نهاية 2015، وتدفق ما يقرب من 8 مليارات دولار إلى مصر من المملكة على مدى خمس سنوات، ولم تكن المساعدات والقروض وحدها الشكل الوحيد من أشكال الدعم الذي تلقته مصر من أشقائها العرب، فارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 52% لتصل إلى 2.3 مليار دولار بنهاية العام المالي 2014/2015.
ولم تعد إمدادت «أرامكو» السعودية بالنفط لمصر منتظمة خلال الفترة الأخيرة، بعد أن أبدت مصر في مجلس الأمن الدولي مشروع قرار روسي حول روسيا، ما دفع القاهرة للبحث عن بديل في مجال النفط، وقد يؤدي القرار القضائي لسكب مزيد من الزيت على النار بين البلدين.
على العكس قال عضو المجلس المصري للشئون الخارجية السفير السابق محمد أنيس سالم في تصريحات، إن علاقة مصر والسعودية لا يمكن استبدالها بسهولة، مضيفا «العلاقة ليست فقط مساعدات، قلب العلاقة أن البلدين يلعبان دورا كبيرا ومهما في أمن الشرق الأوسط».
وشدد الرئيس عبدالفتاح السيسي في حواره مع الصحف المصرية أمس الثلاثاء على حرص مصر على العلاقات مع السعودية، وقال ردا على الأجواء غير المواتية بين البلدين «نحن حريصون على العلاقات مع أشقائنا ونقول إن أمننا مرتبط بتماسكنا وبوحدتنا ومرتبط بتفاهمنا مع بعضنا البعض.. وأقول هذا وقت التماسك».
وقال مؤسس مركز الشرق الأوسط للدراسات اللواء السعودي المتقاعد أنور عشقي في تصريحات، لاتوجد مشكلة بين السعودية ومصر «بخصوص قرار المحكمة» الذي وصفه بأنه «أمر داخلي»، مضيفا أنه رغم أن البلدين لديهما وجهات نظر مختلفة حول سوريا واليمن فإن ذلك يمكن حله بالمباحثات بينهما.
وبدأت الحكومة بالفعل بحثها عن بديل في مجال النفط، فهناك اتفاقيات لتوريد مشتقات بترولية شهرية من الكويت، فضلا عن مفاوضات في مراحل متقدمة مع العراق، ودفع الوضع الاقتصادي الحالي «المتأزم» القاهرة للبحث عن شركاء اقتصاديين كالصين والاتحاد الأوروبي ودول شرق أوروبا ودول الاتحاد السوفيتي السابق من خلال جولة زيارات متعددة من السيسي والدول المذكورة.
وفعليا لن تدخل الاتفاقية المصرية السعودية الحدودية حيز التنفيذ إلا بعد عرضها على مجلس النواب المصري والحصول على موافقته، ولن يحول القرار القضائي دون التصويت على دستورية توقيع الاتفاقية الحدودية، فيما أبدى عضو البرلمان المصري سمير غطاس اعتقاده بأن «القيادة المصرية ستحاول تبريد الأزمة وعدم تصعيدها»، وأشار غطاس في تصريحات، وهو من أشد معارضي الاتفاقية في البرلمان، إلى أن «السعودية بدأت بتصعيد العلاقات بقطع البترول عن مصر وبزيارة وفد سعودي لموقع سد النهضة» الإثيوبي.
وكان غطاس يشير إلى زيارة مثيرة للجدل قام بها مسئولون سعوديون لموقع سد النهضة على النيل الأزرق في شمال غرب إثيوبيا.
ويثير هذا السد أزمة بين أديس أبابا والقاهرة التي تخشى أن يؤثر على حصتها من نهر النيل، مصدرها الرئيسي للمياه، وتتهم المعارضة المصرية الحكومة بأنها «باعت» الجزيرتين للسعودية لقاء الحصول على دعم اقتصادي وسياسي، مؤكدة أن هذه الأراضي تعود إلى مصر تاريخيا ولم يسبق أن مارست السعودية عليها أيا من مظاهر السيادة.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد في تصريحات، إن «الحكومة المصرية لن تألو جهدا لوقف تنفيذ هذا الحكم»، معتبرا إنها تريد أن تثبت «حرصها على تنفيذ الاتفاقية وتجاهد لإثبات قانونيتها»، مشيرا إلى «أن الحكومة السعودية سوف تأخذ لا شك هذا في الاعتبار».
ورغم هذا الجهد الواضح، قال القاضي الاثنين الماضي في جلسة النطق بالحكم إن «الحكومة لم تقدم وثيقة تغيّر ما ينال من الحكم السابق»، مشددا أن «سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها».
وقال الباحث الاقتصادي إبراهيم الغيطاني إن «الوضع تعقد أكثر. التعويل على السعودية كشريك اقتصادي لمصر بدأ يتلاشى»، فيما أبدت مسؤولة حكومية بارزة قلقها من أن تدهور العلاقات مع السعودية قد يضع القاهرة في «تحد اقتصادي صعب»، وأضافت المسؤولة التي لم يذكر اسمها لوكالة فرانس برس، إن «السعودية ومصر وقعتا 20 اتفاقية استثمارية، إذا تصاعد التوتر، هل هناك بديل؟».