يخضع قطاع الدولة في السعودية لإجراءات تقشف غير مسبوقة شملت حتى الآن تقليص دعم الوقود والكهرباء والمياه وتخفيض أجور العاملين في هذا القطاع. وتزداد هذه الإجراءات صرامة مع توجه الحكومة هناك لإلغاء مشاريع حكومية قد تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار في إطار خطة تهدف إلى تقليص عجز الموازنة وتحقيق توازن فيها بحلول عام 2020. كما يتوقع وصول العجز في هذه السنة إلى نحو 53 مليار دولار مقابل حوالي 80 مليارا خلال العام الفائت 2016.
ومما يعنيه ذك تلقي توجيه ضربة إضافية لقطاع المقاولات والإنشاءات الذي تعاني الكثير من شركاته نقص السيولة بسبب اعتمادها على عطاءات وعقود الدولة التي تراجعت بشكل جوهري بسبب تدهور أسعار النفط منذ أواسط عام 2014. قطاع خاص يعتمد على الدولة وبما أن قطاع الدولة يتراجع بشكل سريع، فإن على القطاع الخاص لعب دور إضافي لتعويض هذا التراجع في إطار خطة حكومية لتحفيز هذه القطاع في القطاعات غير النفطية.
وتشمل هذه الخطة تخصيص أكثر من 50 مليار دولار للاستثمار في المدن الصناعية ومشاريع أخرى توفر لهذا القطاع سبيل تعزيز دوره بحلول 2020. غير أن المعلومات حول كيفية توفير المبالغ لم تتضح بعد، لاسيما وأن الحكومة تتبع سياسات تقشف تزداد صرامة.
أما السؤال الأكثر أهمية فهو: كيف يمكن للقطاع الخاص السعودي القيام بدور يعوض تراجع دور قطاع الدولة في غضون سنوات قليلة وهو القطاع الذي اعتمد في معظم أعماله وأنشطته على مشاريعها حتى الآن؟ تتركز أنشطة القطاع الخاص السعودي في مجال العقارات والمقاولات والإنشاءات وخدمات الاتصالات والترميم والتجارة والصناعات الغذائية التي حققت تطورا لافتا حتى على الصعيد العربي خلال العقدين الماضيين. أما القطاعات الأخرى، لاسيما المشاريع الكبيرة والحيوية فما تزال بيد قطاع الدولة الذي يساهم بنحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي المقدر بحوالي 700 مليار دولار عام 2016.
وفيما يتعلق بالمقاولات والإنشاءات يعتمد القطاع الخاص حتى الآن بشكل أساسي على عقود الدولة والقروض الحكومية الميسرة. وظهرت أهمية عقود الدولة مؤخرا من خلال عجز الكثير من شركات الإنشاءات حتى العالمية منها مثل «سعودي أوجيه» و«بن لادن» عن دفع رواتب الآلاف من موظفيها بسبب عدم دفع الحكومة لمستحقات الشركات. وهو الأمر الذي اضطرها إلى إلغاء آلاف الوظائف وإعادة آلاف العاملين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية.
العمالة المحلية غير مؤهلة إضافة إلى اعتماده على عقود الدولة، يعتمد القطاع الخاص السعودي بالدرجة الأولى على الكفاءات الأجنبية بنسبة تزيد على 80 بالمائة. غير أن إجراءات التقشف وتبعاتها على هذه القطاع تجبر أعدادا متزايدة منها لحزم أمتعتها والعودة إلى أوطانها الأم. ومع البدء بتحصيل رسوم شهرية على العمالة الوافدة اعتبارا من عام 2018 يتوقع تراجع حوافز هذه الكفاءات للعمل في السعودية.
ويبدأ تطبيق هذه الرسوم في عام 2018 بقيمة تزيد على 75 دولارا على أن تصل إلى ما يعادل أكثر من 175 دولار للشخص الواحد عام 2020. وسيخضع كل شخص يرافق العمال من أفراد عائلاتهم لرسوم تتراوح بين 25 إلى 100 دولار. وسيدأ تطبيق الأخيرة بدءا من العام الجاري وحتى 2020. وتكمن المشكلة الأكبر هنا في غياب كفاءات سعودية محلية تحل مكان الوافدة خلال السنوات القليلة القادمة، كما أن تأهيل البديل الوطني يتطلب سنوات طويلة، لاسيما في مجتمع اعتاد على رفاهية قدمها له قطاع الدولة على مدى عقود بفضل الطفرة النفطية، وهو ما أوجد ثقافة وتقاليد عمل مهنية ضعيفة للغاية في صفوف الشباب السعودي، خاصة في مجال المهن البسيطة والمتوسطة. وفي أحسن الأحوال تدل خبرات دول مثل ألمانيا على أن تأهيل وإعادة تأهيل الكفاءات المحلية يستغرق أكثر من عشر سنوات، إذا أخذنا بعين الاعتبار وضع خطة شاملة لتوفير مراكز التأهيل وأماكن التدريب الوظيفي كما حدث في ألمانيا الشرقية سابقا. النجاح مرتبط بإصلاحات سياسية في أبريل من عام 2015 أعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن خطة عامة أطلق عليها اسم «رؤية 2030» لإصلاح الاقتصاد السعودي ونقله إلى عصر ما بعد الاعتماد على النفط عن طريق تنويع مصادر الدخل وخلق 6 ملايين فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030 اعتمادا على تعزيز دور القطاع الخاص المحلي والأجنبي.
وإذا كان القطاع الخاص المحلي بحاجة إلى مزيد من الوقت للقيام بالدور المرسوم له، فإن رأس المال الأجنبي المأمول به لن يتدفق إلى المملكة في ظل المخاطر السياسية والأمنية وضعف الاستقرار في السعودية وفي منطقة الشرق الأوسط. غير أن العيب الأكبر في «رؤية 2030» يكمن في أنها تعول على ساق واحدة تبدو معطوبة ألا وهي الإصلاحات الاقتصادية الانتقائية التي تستثني أمراء وأفراد العائلة المالكة، أما الساق الأخرى ألا وهي الإصلاحات السياسية فهي غائبة عن هذه الرؤية باستثناء وعود بمكافحة الفساد المستشري من خلال مزيد من الشفافية.