الدكتور صلاح سلام رئيس وحدة سيناء بـ«القومى لحقوق الإنسان» فى حوار لـ«المصري اليوم»: أهالى سيناء يعيشون بين مطرقة «غياب الأمن» وسندان «المعاناة»

كتب: وائل علي الجمعة 13-01-2017 23:29

قال الدكتور صلاح سلام، رئيس وحدة سيناء بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، إن الوضع فى الشيخ زويد ورفح مستقر نسبيا باستثناء عدد من الحوادث النوعية التى تحدث بين الحين والآخر، لافتا إلى أنه يبقى الوضع فى العريش الأصعب نظرا لما يشكله من كثافة التعداد السكانى.

وقال «سلام» فى حوار لـ«المصرى اليوم» على مدار الـ3 سنوات الماضية تم استشهاد نحو 342 مواطنا سيناويا على يد العناصر التكفيرية والإرهابية، إما ذبحا أو رميا بالرصاص، بزعم أنهم متعاونون مع الأجهزة الأمنية، معتبرا أن أهالى سيناء يعيشون معاناة حقيقية بين مطرقة غياب الأمن وسندان الظروف الاقتصادية الصعبة.. وإلى نص الحوار:

■ بداية.. كيف تصف لنا الوضع فى سيناء فى ضوء التطورات الأخيرة؟!

- الوضع فى الشيخ زويد ورفح يكاد يكون مستقرا نسبيا باستثناء بعض الحوادث النوعية التى تحدث بين الحين والآخر، ولكن يبقى الوضع فى العريش هو الأصعب نظرا لما يشكله من كثافة التعداد السكانى.

■ كم يبلغ عدد سكان مدينة العريش؟

- حوالى 150 ألف نسمة وهم لا يشكلون قبائل أو عوائل سيناوية بدوية وإنما ما لم يعلمه الكثيرون أن العريش على مدار العشرين عاما الماضية تحولت إلى مدينة حضرية وليست مجتمعا بدويا، بمعنى أن به سكانا من جميع محافظات مصر، حيث إن نحو 40% من أهالى المدينة أغراب عنها، وهنا أشير إلى أن ما يردده البعض ومقولة «أنهم قبائل يعرفون بعض» ليس لها أساس من الصحة وخاطئة، وغير مقبول ترديدها، ويكفى أن أقول لك إننى عندما أزور العريش وأسير فى شوارعها لا أعلم وجوه البعض لأنك تتحدث عن أجيال ومجتمع لا يشكله فصيل واحد.

■ سيناء بعد 25 يناير شهدت تطورا نوعيا فى الحوادث الإرهابية.. كيف ترصدها وما الأسباب الحقيقية وراء تصاعد تلك الأحداث؟!

- الخطورة أن سيناء على امتدادها ونظرا لظروفها الجغرافية، كانت تشهد عمليات تهريب للسلاح حتى من قبل 2011، ولكن المشكلة أنه بعد الثورة فى 25 يناير تم تهريب كميات هائلة من السلاح بحجة دعم حماس ومواجهة إسرائيل، وكانت الحكومة تغض الطرف عن ذلك، لكن فى سنوات بعد الثورة يمكن القول إن نحو ثلاثة أرباع السلاح الموجود فى ليبيا تم تهريبه إلى مناطق سيناء.

■ هل هذا هو المصدر الوحيد أم أن هناك مصادر أخرى؟!

- جزء من السلاح الليبى كان يهرب إلى سيناء عن طريق البحرعبر مينائى طبرق وبنى غازى، وكان يحدث ذلك جهارا نهارا وطبعا العنوان الرئيسى «حماس» ولكن ما تحت هذا العنوان الله أعلم لمن وأين يتم تخزينه فى مدن سيناء، وجزء آخر عن طريق السودان ثم يجرى تهريبه عن طريق البحر الأحمر حتى جنوب سيناء ثم يتم نقله فيما بعد إلى مدن وسط وشمال سيناء.

■ البعض يرى أن هناك دعما لوجستيا للجماعات الإرهابية والتكفيرية فى سيناء؟!

- هم لا يحتاجون إلى السلاح فى سيناء مئات المخازن التى لا تعد ولا تحصى، وقد يكون الدعم اللوجيستى موجودا من قبل أجهزة مخابرات ودول، الخطورة أنك تتحدث عن مساحة من الأراضى تتجاوز 61 ألف كيلو متر تشكل عشرة أضعاف مساحة لبنان، و3 أضعاف مساحة الأردن ومثلها إسرائيل والأراضى المحتلة أو فلسطين تاريخيا، وبها نحو 10 آلاف ممر.

■ هذا يقودنا إلى معرفة الإجراءات الأمنية الأخيرة وهل هى كافية من وجهة نظرك؟!

- ما أعلن حتى الآن أن هناك 21 ألف جندى يقاومون البؤر الإرهابية، ومن وجهة نظرى هذا الرقم قليل جدا نظرا لمساحة العمليات، خاصة أن تلك الجماعات تستخدم تكتيكات حديثة فى الكر والفر، فضلا عن أنه لا يمكن أن يكون الحل هو تبوير نحو 20 ألف فدان من مزارع الزيتون قام الأهالى باستصلاحها عن طريق الجهود الذاتية فى منطقة الدائرى الإقليمى الدائرى فى العريش، ويجب أن تكون هناك حلول بديلة.

■ هذا رقم ضخم من أين حصلتم عليه؟!

- وفقا للتقديرات فإنه تم استصلاح نحو 300 ألف فدان وهى عبارة عن مزارع موالح وبرتقال وخوخ ومانجو وزيتون، ونتيجة لأسباب أمنية تم تبوير تلك المزارع بنفس المعالجة الأمنية التى كانت تقوم بها الدولة فى منتصف التسعينيات فى الصعيد عندما كانت تقوم بتبوير زراعات قصب السكر لمواجهة الجماعات الإرهابية والعناصر الهاربة فى تلك المزارع.

■حذرت فى الاجتماع الأخير للمجلس القومى لحقوق الإنسان من خطورة اقتلاع مزارع الزيتون؟

- المجلس ناقش فى اجتماعه الشهرى، الأربعاء الماضى، بالفعل موضوع اقتلاع مزارع الزيتون، حيث تم عرض الموضوع على جلسة المجلس، ووافق المجلس على مخاطبة كل الجهات المعنية بضرورة التعويض الكامل ليس فقط عن الشجر ولكن عن البنية التحتية وشبكة الرى والكابلات والآبار والأسوار، وهنا أود أن أقول إن المجلس أرسل من قبل لجنتى تقصى حقائق لحصر النازحين واحتياجاتهم والتنسيق مع وزارة التضامن لصرف المعاشات لهم ومن لم ينزحوا بالاتفاق مع معالى الوزير المحافظ لربطهم بالأرض وكذلك مع بعض جمعيات المجتمع المدنى ومحافظ الروتارى والذين تفضلوا بإرسال بعض احتياجات النازحين بالتنسيق مع مديرية التضامن الاجتماعى.

■ كيف ترى الحلول البديلة والاستراتيجية الأمنية لمواجهة ومحاربة تلك الجماعات؟!

- إذا تحدثنا عن الحلول الأمنية فقط فهذا «تهريج»، قبل 8 سنوات كان إنشاء الأنفاق يشكل عنصر دخل للأهالى والجميع كان يستفيد منها بما فيها الأجهزة التنفيذية، لدرجة أن هناك ما بين 10 إلى 15 ألف مواطن يستفيدون بشكل مباشر أو غير مباشر من العمل فى تجارة الأنفاق، حتى وصلنا لمرحلة أن تلك الأنفاق أصبحت تشكل خطرا على الأمن القومى وتم تدميرها، ثم تم ترحيل عدد من الأهالى وإزالة الكثير من المنازل فى مناطق رفح الحدودية، ولكن هل قدم هذا معالجة أمنية للأزمة، بالعكس الأمر زاد تعقيدا.

■ كيف ترى الوضع الآن؟!

- مازلنا نعود إلى المربع رقم واحد، هناك خلل فى التشخيص وخلل فى العلاج، أنت تواجه عناصر يبدو مما تنشره عقب كل عملية أنها تخطط باحترافية وتنفذ عملياتها بكل دقة، أنت بحاجة إلى تكتيك جديد، وتفكير غير تقليدى لمحاربة تلك العناصر، لا يجوز ولا يتصور أحد أن يتم ضرب كمين ثابت أكثر من 5 مرات فهى تشكل هدفا سهلا لتلك الجماعات، وأنت بحاجة إلى إنشاء كمائن بديلة بمواصفات حديثة وكاميرات مراقبة، وتجهيزات إلكترونية، تعاونها قوات تدخل سريع على الأرض وفى الجو بالطائرات، تحد من سيطرة تلك الجماعات وسرعتها فى التخفى عقب كل عملية تقوم بها، وبالتالى ردع تلك العناصر.

■ بين الحين والآخر نسمع عن سرقة سيارات حكومية ثم يتم الإعلان عن استخدامها كسيارات مفخخة أو يقوم بتفجيرها انتحاريون؟!

- هذا الأمر شائع والخطورة أنه أصبح متعارفا عليه، حيث تقوم العناصر الإرهابية بسرقة سيارات حكومية، ثم يجرى استخدامها فى العمليات الإرهابية، ويمكنك القول إن هذا الأمر قد يكون كلاكيت 50 مرة، وهو أمر خطير بحاجة إلى حلول بديلة، وإذا استمرينا فى علاج تلك المشكلات بنفس الأسلوب أتوقع أن تطول المواجهة فى سيناء.

■ ماذا عن الاتهامات التى توجه إلى أهالى سيناء أنهم مسؤولون عن هذا التقصير وما تشهده مناطق سيناء خاصة فى العريش من ثغرات؟!

- على مدار الـ3 سنوات الماضية تم استشهاد نحو 342 مواطنا سيناويا على يد العناصر التكفيرية والإرهابية، إما ذبحا أو رميا بالرصاص، بدعوى أنهم متعاونون مع الأجهزة الأمنية، فكيف يكون هذا الاتهام وتلك الفرضية موجودة من الأساس، أهالى سيناء فى معاناة حقيقية بين مطرقة غياب الأمن وسندان الظروف الاقتصادية الصعبة.

■ كيف ترصد لنا تلك المعاناة فى ضوء ما يصلك وما تشاهده على أرض الواقع؟!

- أهالى سيناء بحاجة إلى فتح أبواب رزق، الدولة قفلت الأنفاق، وجرفت المزارع، وأغلقت العديد من مصانع الرخام، لأنها تعتمد مواد متفجرة وهو ما يتعارض مع عمليات المواجهة لصد تلك الجماعات، أضف إلى ذلك فإن العديد من السلع الغذائية تقف على المعابر بالأيام والأسابيع وهو ما يزيد من قيمتها، وبالتالى تحميل ذلك على كاهل المواطن البسيط.

■ ما الذى يقوم به المواطنون لمواجهة تلك الظروف؟!

- العديد منهم سافر وتركوا منازلهم وهجروا المكان، وهذا يعود إلى أن الدولة تكتفى بالمعالجة الأمنية فقط ولا تأخذ فى اعتبارها حجم المعاناة الواقعة على الأهالى هناك، وهم مع الدولة ويرون أن عليهم دورا فى تلك الحرب، ولكن ما الذى قدمته الدولة لهم، مازالت تتعامل معهم وكأنهم من سكان محافظة القاهرة، وتفرض عليهم ضرائب عقارية ورسوما وكأنهم يعيشون فى مدن تشهد استقرارا وليس حربا ضد الإرهاب وفرض حالة طوارئ وحظر تجوال، وهنا كان لى مقترح بإعفاء أهالى سيناء من الضرائب، ووقف دفع الرسوم المدرسية والكليات، حيث إن نحو 60 % من السكان هناك عاجزون عن دفع مصروفات الدراسية بمراحلها المختلفة لذويهم، وهو ما جعل أحد النواب يتقدم بطلب إحاطة فى هذا الشأن.

■ ماذا عن مطالبك كجزء من حل ورفع المعاناة؟!

- أطالب بأن تصدر الدولة قرارا بإعفاء المقيمين فى مدن سيناء من الضرائب والرسوم الدراسية لمدة عامين، لأن الخطورة لو فرغت هذا المكان فأنت تحقق الهدف الأسمى لتلك الجماعات ومن قبلها إسرائيل فى أن تجعل من سيناء منطقة خالية من السكان، ومرتعا للجماعات الإرهابية، وهو ما يرفضه أهالى سيناء سواء البدو أو حتى المقيمين فيها ويعلمون خطورته ويدفعون نتيجة ذلك ضريبة إلى يومنا هذا، لدعمهم جهود الدولة فى مواجهة مخططات الإرهاب الساعية إلى فصل سيناء، وهو ما لم يحدث أبدا.

■ ماذا أيضا عن مطالب أهالى سيناء والتى رصدتها من خلال زيارتك ومتابعتك؟

- يجب صرف بدل بطالة، وتعويض الضحايا والمتضررين من الإجراءات الأمنية التى تقوم بها على الأرض هناك.

■ أعلنت أكثر من مرة عن جهود للإفراج عن محبوسين ومشتبه بهم.. كم عددهم؟

- قدمت إلى اللجنة الرئاسية للإفراج عن المحبوسين قائمة ضمت نحو 650 مواطنا تم إلقاء القبض عليهم فى سيناء، وهؤلاء يتم إلقاء القبض عليهم ويتم ترحيلهم إلى معسكر الجلاء فى الإسماعيلية للفحص، وقد يستغرق ذلك شهورا ومددا طويلة قد تصل إلى عام وأكثر فى بعض الأحيان.

■ يرى البعض أن هناك تواطؤا من قبل بعض الأهالى وحالة من الصمت فى مساعدة الأجهزة الأمنية..ما مدى صحة ذلك؟!

- سوف أروى لك قصة بطلها أحد المواطنين يمتلك «دكان» صغيرا فى مدينة العريش، شاهد ذات مرة حادث استشهاد اثنين من أمناء الشرطة يستقلان «دراجة بخارية» عن طريق بعض العناصر التكفيرية، وتواصل مع الأجهزة الأمنية وأدلى بما شاهده، وفؤجئ الرجل أن نحو 6 أجهزة أمنية قامت باستدعائه، وفى كل مرة يتم إرسال مدرعة إلى «دكانه»، مما دعا الرجل إلى ترك محله ومصدر رزقه الوحيد وأخذ أسرته وهرب إلى الزقازيق خوفا من ملاحقة الجماعات التكفيرية والتى تترصد المواطنين وتقوم بذبحهم فى الشوارع بتهمة التعاون مع الدولة ضدهم.

■ قلت إنك اقترحت عددا من التوصيات من خلال بعثات تقصى الحقائق التى أرسلتها وحدة سيناء بالمجلس إلى عدد من الجهات ما أبرزها ومصيرها؟!

- طلبت أكثر من مرة بتدشين خط ساخن لتلقى البلاغات والشكاوى وبالتالى السرعة فى رصد العناصر التكفيرية والجماعات الإرهابية، ولكن ما أود قوله إن هناك ما يشبه حالة من «الهرتلة» و«التخبط الأمنى»، فليس هناك تنسيق بين الأجهزة والمواطنين والمنظومة الأمنية لا وجود لها وبحاجة إلى مراجعة عاجلة تتناسب مع خطورة ما يحدث فى سيناء.