نحن وروسيا

أسامة غريب الجمعة 06-01-2017 21:26

دأبت وسائل الإعلام المصرية، الخاص منها والحكومى، على الترويج لحديث المؤامرة التى يدبرها الأمريكان ضد مصر، وقد تدعّم هذا الاتهام من خلال التقارب مع الروس وتوقيع عقود تسليح بمليارات الدولارات، وكذلك توقيع اتفاقات لإقامة مصانع وتوريد معدات وبناء مفاعلات نووية بالتعاون مع الخبراء الروس. وقد ازداد دفء العلاقة بدعوة الرئيس بوتين إلى العشاء فى المطعم الدوار الكائن ببرج القاهرة المطل على النيل بعيداً عن القاعات الرسمية بمقار الحكم، فى بادرة تدل على تحول فى العلاقات واتخاذ موسكو قِبلة جديدة بديلة عن واشنطن الشريرة التى تتآمر على مصر!.

مع كل ذلك نلحظ أن الدب الروسى لا يبدو أنه يبادلنا حباً بحب ولا إقبالاً بإقبال.. فعندما سقطت الطائرة الروسية التى أقلعت من شرم الشيخ فى 31 أكتوبر 2015 سارعت روسيا دون تفاهم بوقف جميع الرحلات المنتظمة والشارتر إلى مصر، كذلك إلغاء كل التعاقدات السياحية مع الفنادق والمنشآت السياحية بالغردقة وشرم إلى أجل غير مسمى. ثم بدا أن الروس فى اشتراطاتهم لرفع الحظر والعودة التدريجية للحركة السياحية قد وضعوا شروطاً غاية فى القسوة والتعنت ولا تتفق أبداً مع التنازلات التى قدمناها فيما يتعلق بتأمين المطارات والسماح للروس بالتفتيش والتدقيق والاختبار.

كل هذا على الرغم من أنهم قد تعاملوا مع تركيا بأكبر قدر من التسامح والتفهم وروح الود.. تركيا التى أسقطت لهم عمداً طائرة حربية وقتلت اثنين من الطيارين لم يكونا حتى قد انتهكا المجال الجوى التركى.. وقد رأينا الرئيسين بوتين وأردوغان يتبادلان الحديث الهامس الودود على هامش اجتماعات قمة العشرين التى انعقدت بالصين، ثم مرة أخرى نفس اللقاء الرئاسى بموسكو، وقبل ذلك رأينا الحركة السياحية الروسية والطيران المنتظم والعارض يعود إلى اسطنبول وسائر المدن الروسية بمجرد أن أبدى أردوغان إشارة اعتذار ورغبة فى فتح صفحة جديدة.

ما الذى يجعل الإعراض والصد الروسى من نصيب مصر بينما الانفتاح والترحيب من نصيب تركيا؟

الواقع أن الإجابة ليست سهلة، لكن يمكن القول إن لبعض شركات السياحة الروسية دخلاً بالموضوع، حيث إنها قد نشطت بعد توقف الرحلات إلى كل من مصر وتركيا فى الترويج لبرامج سياحية داخلية تتضمن مدينة سوتشى على البحر الأسود، كذلك برامج لزيارة منطقة القرم، ويبدو أن الأرباح كانت كبيرة، لدرجة قيادة لوبى ضاغط على صانع القرار الروسى ليرجئ الرحلات السياحية لمصر والتى لا تستطيع الرحلات فى الداخل الروسى منافستها من حيث السعر المنخفض ودرجة الحرارة المناسبة على مدار العام. وقد يكون هناك سبب آخر يكمن فى أن الروس يعلمون أن العلاقات المصرية- الأمريكية فى حقيقتها سمن على عسل، والتنسيق الأمنى بينهما هو على أرفع مستوى، ويعلمون أن السلطة الحاكمة فى مصر مهما اقتربت منهم فإنها لن تكون بالنسبة لهم كالحليف السورى أو الحليف الإيرانى أو حتى كالخصم التركى الذى يفى بتعهداته ويعرف كيف يفيد حلفاءه إذا أراد.

ولأن الروس يفهمون أن مبادئ السادات ومبارك التى أرست فكرة أن أوراق اللعب كلها بيد الأمريكان ما زالت هى النبراس الهادى للسياسة المصرية، فإنهم لا يصدقوننا ولا يثقون بنا!.