انطلقت فى الثامنة من صباح الأحد عملية التصويت على جنوب السودان وأدلى الملايين من الناخبين الجنوبيين فى الجنوب والشمال والخارج، بكثافة كبيرة فى الاستفتاء المصيرى لتحديد مستقبل الإقليم، الذى يتجه بقوة نحو الانفصال عن الشمال وتكوين دولة جديدة ستكون الأحدث فى العالم وسط تطمينات بعدم حدوث أعمال عنف، وحوافز أمريكية بحوافز لحكومة الخرطوم، حال إتمام الاستفتاء بسلام وأمان.
كان رئيس حكومة الجنوب سيلفا كير فى طليعة المشاركين فى الاستفتاء المصيرى، وأدلى بصوته فى لجنة انتخابية قرب ضريح الزعيم السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان جون جارنج، ووصف كير تلك اللحظة بـ«التاريخية»، وقال وهو يرفع أصبعه مغموسا فى الحبر بعد الاقتراع وبجانبه السيناتور الأمريكى جون كيرى: «إنها اللحظة التاريخية التى طالما انتظرها شعب جنوب السودان»، وحبس كير دموعه وأهدى عملية الاقتراع لجارنج، الذى لقى حتفه عام 2005 فى حادث تحطم مروحية، ولجميع ضحايا الحرب، وقال «أقول للدكتور جارنج ولكل الذين قتلوا معه إن جهودكم لم تذهب سدى«. كان قرنق وقع اتفاق السلام مع الخرطوم فى 2005 الذى فتح الباب أمام إجراء هذا الاستفتاء.
وقال السيناتور كيرى الذى شارك فى اتصالات واسعة مع الشمال والجنوب لإنجاح الاستفتاء «إنها بداية فصل جديد فى تاريخ السودان وهو فصل مهم جدا»، وأضاف « إنه لأمر رائع أن نرى سالفا كير يقترع، إن هذا العمل جاء نتيجة عمليات تفاوض طويلة وبعد إزالة الكثير من العقبات».
ووصف رئيس الحركة الشعبية لام اكول الاستفتاء بأنه مجرد تحصيل حاصل، قائلا: إن الرأى الوحيد فى الجنوب هو الانفصال لذا لا توجد منافسة و لايوجد ما يستدعى اللعب بالنتائج، وقال رغم أنه زعيم حزب جنوب إلا أنه اختار أن يصوت فى أحد مراكز الخرطوم. وحول أوضاع ما بعد الاستفتاء أوضح اكول أن هناك تصوراً كان متفقا عليه فى الحوار الجنوبى ـ الجنوبى حول قضايا ما بعد الاستفتاء بالنسبة للأحزاب الجنوبية، معربا عن أمله أن يلتزم الجميع به، داعيا لعقد مؤتمر دستورى فى الجنوب لمناقشة الدستور الدائم للبلاد وتكوين حكومة قومية انتقالية ذات قاعدة عريضة تحضر للانتخابات.
وبدوره، أكد الموفد الأمريكى الخاص إلى السودان، سكوت جريشون، الذى كان حاضرا فى مركز اقتراع بجوبا «فى حال أصبح الجنوب مستقلا ستكون هناك حاجة للقيام بالكثير مع ولادة دولة جديدة، بإمكان الشمال والجنوب الاعتماد على دعمنا».
واصطف الجنوبيون فى طوابير طويلة تحت أشعة الشمس منذ ساعات الصباح الأولى فى مختلف ولايات جنوب السودان العشر وخاصة فى جوبا، بانتظار دورهم للمشاركة فى الاقتراع تغمرهم الحماسة، وعمت الأجواء الاحتفالية أرجاء جوبا، عاصمة الجنوب فرحة بالاستفتاء الذى يعتبره الجنوبيون سيحدد مصيرهم وسيكون لهم حلمهم بتشكيل دولة مستقلة، وبدت جوبا والخرطوم وكأنهما عاصمتان مختلفتان، فبينما سادت أجواء احتفالية وكرنفالية وإقبال كثيف من الجنوبيين على التصويت، ساد الهدوء وخيم الوجوم على الخرطوم مع إقبال ضعيف فى ساعات التصويت الأولى.
وفى جوبا، انضم الممثل الأمريكى جورج كلونى والسيناتور جون كيرى إلى الحشود، التى غنت ورقصت وقال كلونى: مشاهدة الناس يصوتون من أجل حريتهم أمر يستحق المشاهدة، هذا شىء لا تراه كثيرا فى حياتك، وانطلقت شاحنات تبث أغانى وموسيقى وشعارات أمام مبان غطتها ملصقات تدعو للانفصال، وأطلق العديد من النساء الزغاريد الأفريقية والأهازيج والأغانى التراثية التى تؤديها الفرق الموسيقية. وبدت شوارع جوبا منذ الصباح جاهزة تماما لإجراء استفتاء آمن ونزيه، وتم الاحتفاء فى الجنوب بالتصويت على نطاق واسع للاستقلال، حيث وصفت شعارات الاقتراع بأنه «المسيرة الأخيرة إلى الحرية» بعد عقود من الحرب مع الشمال. وقال جوستين فيكتور الكاهن فى كتدرائية كل القديسين الأسقفية فى جوبا: «نعم سأصوت بالطبع لصالح الانفصال. نحتاج إلى استقلالنا. نحتاج لأن نتحرر من العرب».
وانتشر أفراد الأمن فى الشوارع التى توجد بها مقار للمصالح الحكومية ومراكز الاقتراع والمناطق المحيطة بها فى الوقت الذى كانت تطوف فيه إحدى الطائرات سماء المدينة لكشف أى بؤر توتر والتأكد من أن عملية تأمين الاستفتاء تسير وفقا لما هو مخطط له. وتعج الشوارع بممثلى وكالات الأنباء والصحافة العالمية الذين يمارسون أعمالهم بكل حرية ويسر، ويرفع العديد من الناخبين علم الحركة الشعبية وصور زعيمها الراحل جارانج.
وفى الشمال، ذى الغالبية المسلمة قوبل احتمال فقد ربع أراضى أكبر دولة أفريقية، من حيث المساحة ومصدر معظم نفطها باستسلام واستياء، وقال إبراهيم غندور عضو حزب المؤتمر الوطنى الحاكم «إنه إحساس بالحزن والغضب فى آن واحد وإنه إحساس بخيبة الأمل فى القيادة السياسية بالجنوب التى قادت الجنوبيين نحو الانفصال»، كانت حركة المرور خفيفة فى الخرطوم ولم تكن هناك شعارات تشير إلى قرب الاستفتاء، وقال أحد المواطنين إن الناس فى العاصمة يريدون أن يذهب يوم الاستفتاء بانتظار ما هو آت.