يواجه الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، الذى خلف فوزه المفاجئ وغير المتوقع زلزالا سياسيا فى الولايات المتحدة والعالم أجمع، عدة تحديات خارجية وداخلية، بمجرد تسلمه مهامه فى 20 يناير الجارى، فى ظل قيود مؤسسية تفرض عليه عدم تجاوز حدود الاختصاصات الدستورية، والالتزام بالفصل بين السلطات، بما يعوق قدرته على حسم عدد كبير من تلك التحديات، وبخاصة تركة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما الثقيلة فى الشرق الأوسط والعالم.
وفيما يخص التحديات الخارجية، يتمثل أولها فى اختلال موازين وهيكل التحالفات وتراجع الثقة فى واشنطن كحليف يمكن الاعتماد عليه، وصعود دور القوى الإقليمية فى التصدى للتهديدات، إذ تمددت الصين وروسيا عالميًا نتيجة التراجع الأمريكى، ورفض الولايات المتحدة التدخل التقليدى عسكريا، نتيجة سياسة إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، الذى اتبع مبادئ التشارك فى التكلفة والقيادة من الخلف، والإحجام عن التدخل العسكرى.
وقالت مجلة «تايم» الأمريكية إن ترامب سيرث عدة أزمات فى الشرق الأوسط، وهى اليمن، الذى تفكك وأصبح بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، وينشط فيه تنظيم «القاعدة»، والمشكلة الثانية هى تركيا وسوريا والأكراد، فالتوغل التركى فى سوريا وضع الولايات المتحدة على جانبى الصراع بين حلفائها، والمشكلة الثالثة هى «داعش»، إذ تصعب طبيعة السياسة فى العراق وسوريا هزيمته، بجانب أزمة الاتفاق النووى الإيرانى الذى هدد ترامب بتمزيقه، وضبط علاقة ترامب مع دول الخليج الذى يتخوف من وصوله للحكم، بعد مطالبته حلفاءه وخاصة السعودية بالدفع مقابل الحماية، ويأتى ذلك كله فى إطار علاقة واشنطن المعقدة مع الخليج وإيران وخططها لحماية الأقليات فى المنطقة.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن اختيار ترامب فريقه الحكومى ممن خدموا فى مناصب رفيعة فى العراق بعد غزوه، يؤكد عزمه التركيز على قضايا الشرق الأوسط، وأشارت إلى جيمس ماتيس المرشح لتولى وزارة الدفاع الذى قاد معركة الفلوجة ضد «القاعدة» عام 2004، مروراً بمايكل فلين مستشار الأمن القومى، والذى تولى مناصب عسكرية بأفغانستان والعراق، وجون كيلى، القائد السابق للقوة متعددة الجنسيات فى العراق، لمنصب وزير الأمن الداخلى.
وأرجعت صحيفة «شيكاغو تريبيون» اختيار خبراء فى الشأن العراقى إلى توجه مركزى نحو معالجة مصادر الخلل الذى تسبب به خروج القوات الأمريكية من العراق، وظهور «داعش»، ورأى معهد «جيوستراتيجيك ميديا إنستيتيوت» أن اختيارات ترامب أعضاء إدارته من مسؤولين سابقين فى مناطق وبؤر التوتر، ومن لديهم باع طويل فى شؤون الشرق الأوسط، يعكس رغبته فى إثبات دور الولايات المتحدة، بينما يرجح محللون أن تعمل روسيا والولايات المتحدة معا فى مواجهة «داعش»، لتقارب وجهتى ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بينما يرى آخرون أن شعار ترامب: «أمريكا أولا» قد يزيد من عزلة أمريكا، ويضعف دورها عالميا، لكن التحدى الأكبر الذى يواجه ترامب هو ملف السلام الشائك فى الشرق الأوسط، والذى يزيد من تحقيق تقدم فيه، انحيازه غير المسبوق لإسرائيل، ورفضه قررا مجلس الأمن الذى يدين الاستيطان.
وداخليا، كشفت الانتخابات الأمريكية عوار المجتمع الأمريكى وعكست أزماته العميقة، بعد احتجاجات على فوز ترامب، وانقسام المجتمع الأمريكى حول القضايا الجوهرية من حمل السلاح والحريات والرعاية الصحية ومنظومة العدالة الجنائية وتفاقم العنصرية ضد الأقليات، وتزايد القلق من الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وتراجع النمو. وحذر تقرير صندوق النقد فى يونيو 2016 من تزايد الفقر وانعدام المساواة فى الولايات المتحدة، بما يعوق قدرة الاقتصاد على النمو، وبحسب جيسون فورمان، رئيس مجلس الاستشاريين الاقتصاديين للبيت الأبيض، فإن 1% من الأمريكيين يستحوذون على 18% من إجمالى الدخل القومى، وتجاوزت نسبة الفقر بين الأمريكيين 14 %، مع ارتفاع الدين إلى 20 تريليون دولار بنهاية 2016، ويرفض معظم الأمريكيين، رفع الضرائب وخفض الإنفاق الحكومى.