فى قلب مدينة جوبا لوحة إلكترونية رقمية تعمل بشكل تنازلى وتشير إلى أن الساعات المتبقية على استفتاء الانفصال لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، سائقو «البودا بودا» يتعمدون الذهاب بالزبائن تجاه هذا العداد الضخم، ورغم كون أغلبهم من اللاجئين القادمين من كينينا وأوغندا، فإنهم مثل كل الجنوبيين، ينتظرون ساعة الحسم.
ما إن تهبط الطائرة على أحد ممرين، هما العمود الفقرى للمطار، حتى تلاحظ للوهلة الأولى كثرة طائرات الهيلوكبتر التابعة للأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى الرابضة هناك ومساحة الجنوب وحده تعادل مساحة مصر تقريباً، أما عملية نقل الحقائب فتشبه تماماً تلك التى ينتهجها العاملون فى محطات الأتوبيس، توضع الحقائب يدوياً على مقطورة، ثم تنقل إلى باب صغير ليتناوب عليها 5 أفراد بثياب رثة وأجساد متهالكة لينقلوها واحدة تلو الأخرى، لتكون تلاً صغيراً يجبرك على مزاحمة المسافرين، وأحياناً العراك مع بعضهم كى تصل إلى حقيبتك، وعندما تحصل عليها بعد معاناة تفتح ويلقى عليها نظرة خاطفة قبل أن توصم بعلامة من الطباشير، لتؤكد أنه تم فحصها، لتبدأ معاناة أخرى، هى البحث عن وسيلة نقل، لذا فلا تتعجب إن جاءت كل النصائح لتصب فى صالح «البودا بودا» رغم كثرة الحوادث اليومية التى يسببها فهو الوسيلة الأسرع والأكثر توافراً، أما فيما يخص الحقائب فالسائقون لديهم أسلوب بارع فى ربط الحقائب بشكل هرمى، بحيث يصبح الراكب والسائق مجبرين على إحداث اتزان، كى لا تنقلب الماكينة البخارية أما أجرة الركوب فتبدأ بـ3 جنيهات سودانية، أى ما يعادل دولاراً ونصف الدولار، ونصل إلى عشرين جنيهاً كحد أقصى، ولكن كل ذلك داخل المدينة نفسها.
وزير الإعلام فى حكومة الجنوب والمتحدث الرسمى باسمها برنابا بينجامين أكد، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، أن الحكومة المصرية بذلت الكثير من أجل إعمار الجنوب وأنشأت العيادة المصرية منذ 3 سنوات ونصف السنة، والقنصلية منذ 5 سنوات، علاوة على مشروعات الكهرباء، ونحن نتوقع المزيد من الدعم المصرى لدولة الجنوب بعد الاستقلال، مساوياً للجهد الذى بذلته للحفاظ على استقلال السودان.
وبسؤاله حول الاتهامات الموجهة لحكومة الجنوب، بأنها لم تبذل الجهد الكافى للحفاظ على وجه السودان، وفق ما نصت عليه اتفاقية نيفاشا، بل سعت إلى الانفصال أجاب: لم نترك باباً للوحدة مع الشمال إلا وطرقناه، بشرط أن يحصل الجنوب على ثرواته وحقوقه كاملة، لكننا نرفض أن نصير سوداناً واحداً وحقوقناً مهدرة.
وفى سياق متصل نفى يان ماثيو، الناطق الرسمى باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان، تلقى الحركة أى دعم من متمردى دارفور، وأكد، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، أن حكومة البشير حولت التعددية الدينية والثقافية فى البلاد إلى نقمة، وأصر على أن يقيم دولة أحادية إسلامية يحكمها وحده، وأن السبب الملح للانفصال هو تلك السياسات غير المدروسة التى جعلت مواطنى الجنوب مواطنين من الدرجة الثانية، وهو ما أفقدنا الإحساس بهذا الوطن، إلا أنه عاد وأكد أن السودان لاتزال حتى هذه اللحظة دولة واحدة، نحترم سيادتها وقوانينها.