حمدى ورامز.. حلم «عناق الحجاب للصليب» لم يتحقق فى القداس بعد رفض الأمن

كتب: هبة عبد الحميد السبت 08-01-2011 16:37

مع دقات الساعة السادسة مساء يوم 6 يناير الجارى، بدأ تحضير نفسه وطلب من زوجته أن ترتدى زيها الأنيق، وطرحة مزركشة، أما ابنه الصغير فقد حضر من عمله مبكراً وارتدى أيضاً ملابس أنيقة ، فعائلته تستعد لحضور قداس عيد القيامة، مع عائلة صديق عمره، الذى يستعد وأسرته للذهاب إلى الكنيسة.


25 عاماً هى عمر العلاقة التى جمعت بين حمدى يوسف أحمد «47 عاماً»، ورامز رؤوف «41 عاماً»، عاشا خلالها فترة شبابهما جنباً إلى جنب، وتعرضا خلالها للعديد من المواقف، التى لم يتذكرا خلالها سوى حق الصداقة.


تقابلت الأسرتان فى الشارع، أمام كنيسة الملاك، فى أحد الشوارع الجانبية من شارع طوسون بمنطقة روض الفرج فى شبرا، لحضور القداس الذى حلمت الأسرة المسلمة بحضوره منذ زمن بعيد ووجدت فى هذا العام الفرصة السانحة لحضوره، وإثبات روح الأخوة والمحبة بينهم وبين الإخوة المسيحيين، الذين فرحوا من جانبهم بهذه المبادرة لحضور القداس متمنين أن يرى العالم الغربى مشهد الحجاب إلى جانب الصليب فى صف واحد.


سرعان ما تلاشت كل هذه الآمال بعد أن وقفت الأسرتان للتفتيش أمام الكردون الأمنى، وأخذ أفراد الأمن يفتشون الأسرة المسيحية ويفحصون بطاقاتهم الشخصية، ومنعوا الأسرة المسلمة من الدخول.


وقال حمدى: «جئت وغيرى من المسلمين لنقف إلى جوار إخواننا المسيحيين، حتى تطمئن قلوبهم ويفرحوا بعيدهم، إيماناً منا بتوحيد المصير، إلا أننا فوجئنا برجال الأمن يمنعوننا من الدخول بحجة أنها إجراءات أمنية، رغم أن الحكومة دعت الناس للتواجد فى الكنائس وأطلقت حملة (معاً نصلى)، فلماذا تطلب منا شيئاً ثم تمنعنا منه بعد ذلك».


عادت أسرة «حمدى» وغيرها من الأسر، التى وقفت على باب الكنيسة فى انتظار الدخول إلى بيوتهم وقد ملأهم الاستسلام للرفض، خوفاً من أن يحدث شىء، يتهمون فيه بالباطل.


ليلة عيد الميلاد ذات طابع خاص، يعود منها الفرد بعد أن يكون قد تعب من الوقوف فى الصلاة والترانيم، لذلك يفضل معظم المسيحيين أن تكون ليلة أسرية خاصة، فتعد ربة المنزل الطعام والحلوى لتفطر بها الأسرة بعد الصيام وسرعان ما ينامون بعد ذلك.


بعد الأحداث التى هزت الأجواء والمشاعر المصرية بمسلميها ومسيحييها، بسبب حادث كنيسة «القديسين» فى الإسكندرية ليلة رأس السنة، قرر «رامز» أن يستضيف أسرة صديقه فى منزله ليشاركوه الإفطار وبدأ عيده فى جو أسرى لا يخلو من الضحك والسخرية من الادعاءات الخارجية التى تدين الإسلام بارتكاب العمليات الإرهابية.


وقال «رامز»: «شبرا دى معقل المسيحيين فى مصر، وكل بيت مسلم لا يخلو منه مسيحى، والعكس كل بيت مسيحى تجد فيه على الأقل ساكناً مسلماً، وعمرنا ما حسينا بالغربة أو الاحتقان أو الكره لإخواننا المسلمين، وآخر شىء نتكلم فيه هو حديثنا عن الديانة».


وأضاف: «حمدى أخى الذى يصلى فى الجامع وأنا أصلى فى الكنيسة، حيث رافقنى طوال 25 عاماً فهو يعمل فى تجارة الجملة ومحله ملاصق للمحل الذى اشتريته فى الفترة نفسها، كل يوم نتقابل فى العاشرة صباحاً ونجهز الإفطار فى المحل ونلم بعضنا مسلمين ومسيحيين وبيننا مشايخ أيضاً نفطر جميعاً ولا نعرف مين فينا اللى دفع الحساب، وفى منتصف الليل نغلق محلاتنا ونودع بعضنا البعض بالضحك والنكات على أمل أن نتقابل فى اليوم الذى يليه».


وتابع رامز :«لم يخلُ مشوارنا من الأحزان والمواقف النبيلة، فعندما مات والدى وقف معى حمدى حتى انتهيت من إجراءات الدفن ونقل والدى من المستشفى إلى المقابر، وكان فى أول صفوف العزاء يستقبل الناس وكأن والده هو الذى توفى».


من جانبه قال حمدى: «رامز لديه نسخة مفتاح شقتى، وهو الوحيد الذى أأتمنه على بيتى ومالى وأسرتى، لم يتركنى فى أى واجب، فعندما تعرض ابنى شادى (25 عاماً)، لحادث تصادم سيارة على الطريق كان هو أول من حضر إلى المستشفى بعد أن أغلق محله، وعندما أُجريت لابنة أخى عملية المرارة وطلب منا الأطباء توفير أكياس دم جاء إلى المستشفى ومعه 3 من أقاربه وتبرعوا لها بالدم».


وأضاف حمدى: «عندما آخذ إجازة المصيف وأسافر إلى رأس البر يتصل بى فى العاشرة من كل صباح وهذا موعد إفطارنا معا كى يطمئن علىّ ويسألنى إن كنت أفطرت أم لا، ويوم الجمعة وأثناء الصلاة نخرج جميعاً ونترك المحلات فى حراسة رامز حتى نصلى ونعود».


وتابع: «حتى الأعياد لابد أن نتقابل فيها ونأكل الفتة واللحمة والكحك والبسكويت سواء فى عيدنا أو عيدهم، أول يوم العيد لازم نتجمع نترك بيوتنا وأبناءنا كى نأكل طعام العيد مع بعضنا البعض، لكن هذا العام قررنا أن نحتفل بالعيد فى جو أسرى أكثر حميمية».


وقال حمدى: «العلاقة بين المسيحيين والمسلمين لا تحتاج إلى يد خارجية تحمى الأقباط، فأمريكا التى تطالب بحماية المسيحيين من المسلمين فى مصر، هى التى كانت تساند إسرائيل عام 1967 لتضرب مصر وما حدث من ضرب لمدرسة بحر البقر، كل هذا حدث للشعب المصرى والضرب والاحتلال لم يفرق بين مسلم ومسيحى».


وأثناء حديث الاثنين كانت زوجتاهما تحضّران الطعام فى المطبخ، ورغم صغر حجم المطبخ إلا أنه اتسع لهما، حيث أخذت إحداهما تغرف الأكل والأخرى تنقله إلى المائدة.


«أم تامر» و«أم سامر» أخذتا تتحدثان عن الأكل ومقاديره وكل منهما تعطى نصيحة للأخرى وعزمت كل منهما أن تدخل على شبكة الإنترنت وترسل الى الأخرى أحدث الوصفات والنكهات للطعام.


كانت المائدة مليئة بالدجاج واللحم والرومى والحمام، أكلت الأسرتان، ثم تناولتا الحلوى ثم سلم أفراد الأسرتين على بعضهم البعض وتبادلوا التهانى بالعيد، وعادت أسرة »حمدى« إلى منزلها فى الثانية بعد منتصف الليل، وقرروا أن يقضوا ليالى الأعياد مع بعضهم البعض.