قبل سنوات بعيدة، وفى سن الخامسة عشقت أنامل الطفل الصغير وقتها عمر خيرت، مفاتيح «البيانو» الموجود فى منزل عائلته الأرستقراطية العريقة، المثقفة المحبة للفنون والثقافات، بحى السيدة زينب بالقاهرة، الذى لا يزال شاهدا على تاريخ عائلته، مخلدا اسمها بشارع يحمل اسم جده الأكبر، هو «شارع خيرت».
وفى عام 1959 التحق عمر خيرت بالدفعة الأولى لمعهد «الكونسرفتوار»، الذى أسسه عمه الموسيقار الكبير الراحل أبوبكر خيرت، دارسا قواعد ونظريات الموسيقى وأصولها، وبعد تخرجه فى «الكونسرفتوار» سافر إلى لندن لدراسة التأليف الموسيقى، مكونا شخصيته الموسيقية برؤياه وملامحه الخاصة، مؤمنا بأن الموهبة فقط لا تكفى لصنع موسيقار سيصبح يوما نجما فى عالم التأليف الموسيقى فى مصر والعالمين العربى والغربى، الذى عزف بمصاحبة الأوركسترا على غالبية مسارحه، مشاركا فى العديد من الحفلات والمهرجانات والأعياد الوطنية للعديد من الدول، حاصدا عشرات الجوائز وشهادات التقدير.
نجح «خيرت» فى إعادة الجمهور المصرى للاستماع، وتذوق الموسيقى بعيدا عن الغناء، فهو يرى أن الموسيقى دليل على تحضر الشعوب ورقيها،.
4 حفلات ناجحة فى مكتبة الإسكندرية، تحمل لافتة «كامل العدد» قدمها «خيرت» فى المدينة التى يعشقها، وشهدت لحظات ميلاد غالبية أعماله- حسب قوله لـ«إسكندرية اليوم»، التى التقته..
■ جمهور الأوبرا يسأل أين حفلاتك.. وما أسباب اعتذاراتك المتكررة عنها؟
- ليس هناك غياب عن حفلات الأوبرا من جانبى، لكن إدارتها هى التى تحدد مواعيد الحفلات، التى أشعر بأنها تقل من عام لآخر دون مبرر، بالرغم من أنها الأعلى حضورا وإيرادا كما ذكرت، وكما يعلم الجميع، ومقدرش أطلب كفنان من أى جهة زيادة حفلاتى، هم يحددون جدولا سنويا يحمل اقتراحات، وطوال 15 عاما كانت لى حفلة شهريا بمصاحبة الأوركسترا فى الأوبرا، عدا شهرى الصيف فقط كانت تنتقل لأماكن أخرى، ولم أعتذر سوى عن حفل أوبرا الإسكندرية الحالى، وأكرر طلبت فقط تأجيله، لميعاد آخر فى نفس الشهر، وليس لدى أى مشاكل مع إدارة الأوبرا، وتربطنى صداقة بالدكتور عبدالمنعم كامل، رغم أننى أشعر بالضيق الشديد، بسبب تقلص عدد حفلاتى من 12 حفلة إلى 6 حفلات، ثم إلى 4 حفلات مؤخرا، منهم اثنتان فى القاهرة واثنتان فى الإسكندرية. والجمهور يظن أننى السبب فى تقليص عدد الحفلات، والاعتذار عنها كما يشاع، هو أشد ما يحزننى، لأن كلمة اعتذار تعنى أننى «مش عايز أشوف جمهورى»، وبالنسبة لى الجمهور زى «البنزين»، يحركنى ويمنحنى القدرة على العمل والإبداع، وأتساءل لماذا يحدث هذا معى؟!
■ ما قصة اعتراضك على قيام الأوبرا برفع أسعار تذاكر حفلاتك؟
- فوجئت منذ فترة بقيام إدارة الأوبرا بزيادة سعر التذكرة إلى 200 جنيه، فاعترضت على هذه الزيادة، وطلبت عودة أسعار التذاكر مرة أخرى كما كانت، وقابلت الدكتور عبدالمنعم كامل، واحترم وجهة نظرى، وتفضلت الإدارة مشكورة بتخفيض التذاكر مرة أخرى.
■ ما حكاية الفيلم السينمائى ثلاثى الأبعاد، الذى قمت بوضع موسيقاه التصويرية؟
- المنتج علاء عرفى كان يقوم بإنتاج فيلم تسجيلى عن الشعاب المرجانية بشرم الشيخ والبحر الأحمر، بنظام ثلاثى الأبعاد، وطلب منى إعداد الموسيقى التصويرية للفيلم، فقمت بإعادة تقديم موسيقى فيلم قضية عم أحمد بشكل جديد وصياغة موسيقية مختلفة وبمدة أطول، والفيلم تم عرضه ولاقى استحساناً من الجمهور، بعدها طلب منى المنتج ظهورى فى كليب موسيقى أظهر فيه، فطلبت تأجيل تنفيذ الفكرة فى الوقت الحاضر.
■ أيهما أصعب من وجهة نظرك التأليف الموسيقى أم الإعداد أم التلحين؟
- التأليف الموسيقى أصعبهم، لأنه يأتى من فراغ ومن عدم، وأحيانا يكون شاقاً جدا، لأن الكلمة عادة بها إيقاع موسيقى، ودائما تسهل الطريق للملحن للوصول للجمل الموسيقية لتلحينها، أما الإعداد الموسيقى فيتم فيه اختيار موسيقى جاهزة لتوظيفها فى مشاهد معينة فى الفيلم أو المسلسل، وعندما أقوم بتأليف موسيقى لفيلم أو مسلسل أبدأ بقراءة النص أو السيناريو، وحضور جلسات عمل مع المؤلف والمخرج أو مشاهدة ما تم تصويره لاختيار الموسيقى المناسبة.
■ من وجهة نظرك التربية والنشأة أم الإعلام تساعد على حب الفن والتذوق الموسيقى؟
- البيئة أولا هى التى تنشئ الفنان، وتجعله متذوقا للفن والموسيقى، ثم يأتى دور الإعلام فى مرحلة أخرى لمعرفة الفنان بجمهوره، وأسرتى كانت السبب الرئيسى فى حبى وتذوقى للموسيقى، لأنها كانت مثقفة وليست أرستقراطية، كما يقال.
■ لماذا قلت فى حديث سابق لك إن الأصوات الضعيفة غنائيا هى الأقوى على الساحة الفنية؟
- لأن الممنوع مرغوب، والأعمال الهابطة للأسف هى الأكثر ربحا، وماديات المنتجات هى التى أصبحت تحكم، حتى فى السينما أيضا وليس الغناء فقط، والفن الراقى فى العالم كله أو غالبيته ليس مربحا، وأنا لأ أتذكر عائدى المادى أو الربح العائد على، بعد 12 ألبوما موسيقيا قدمتها.
■ ما سر وجود حس صوفى فى بعض ألحانك وأحيانا حنين إلى زمن بعيد؟
- ربما بحكم النشأة فى حى عريق مثل السيدة زينب، وتربيتى فى أسرة بقدر ثقافتها كانت متدينة، وكلها أشياء من عند ربنا، والمشاعر التى بداخلى وتظهر موسيقيا هى ما أشعر بها، وأعزفها بشكل عفوى يشعر فيها الجمهور بالصدق، وتحمل قدرا من شخصيتى.
■ هل كان يضايقك فى بداياتك وصفك بأنك موسيقار الأرستقراطيين؟
- بالتأكيد كان يضايقنى كثيرا، لأن الفن ليست له طبقة أو فئة معينة، ويفترض أنه للناس كلها، وكان سببه أن غالبية حفلاتى بالأوبرا وقتها، ولا تتخيل سعادتى عندما أرى فى حفلاتى أسرا بسيطة وعائلات وطلبة جامعات، وتعليقاتهم لى بعد الحفل، هى أسعد أوقات حياتى التى أشعر فيها بأننى فوق السحاب، لأننى نجحت فى إسعاد هذا الجمهور المتذوق للموسيقى والفن، والآن أعتقد أننى نجحت فى تقديم موسيقى مختلفة يسمعها معظم الناس.
■ قلت فى حديث سابق لك إنك عندما تشعر بالضيق تذهب إلى شقتك على البحر بالإسكندرية؟
- نعم حتى هذه اللحظة أفعل ذلك وأسافر الغردقة أيضا، وأجمل ذكريات شبابى كانت فى الإسكندرية، والبحر شىء مهم جدا فى حياتى ومصدر إلهام موسيقى بالنسبة لى، ويساعدنى على التركيز والاسترخاء والراحة النفسية واستنشاق هواء نقى، بعيدا عن القاهرة وجوها الخانق، والحمد لله أن الاستديو الخاص بى قريب من منزلى، ولا أحتاج قيادة سيارتى إلا نادرا، عندما أتوجه لمقابلة أصدقائى وفى الأوقات البعيدة عن الزحام المرورى.
■ هل تذكر أهم حفلاتك فى الإسكندرية.. وما الأعمال التى كان ميلادها فى الثغر؟
- كل الحفلات لها حلاوتها وذكرياتها الجميلة، وكم الجمهور من الحضور يجعلك لا تقدر على التمييز بين أحلاهم وأنجحهم، زى لما تقولى أحب أعمالك الموسيقية لنفسك هاقولك كلهم أولادى، وغالبية أعمالى بدأت أفكارها الموسيقية على شاطئ البحر فى الإسكندرية، مثل اللقاء الثانى، إسكندرية، 100 سنة سينما وموسيقى المهرجان بأكمله، والعديد من الأعمال، غالبية أعمالى كانت أفكارها مصدرها منظر البحر سواء فى الثغر أو الغردقة.
■ لماذا قلت إن الصعايدة «سميعة موسيقى»؟
- فى بداياتى حين لم أكن معروفاً كثيراً، قمت بجولة موسيقية بالأوركسترا فى عدة محافظات بالصعيد، وفوجئت بإقبال غير عادى وتذوق موسيقى راق، وفرحت به جداً بسبب أن هذه الحفلات كانت فى بلدان ليست بها أماكن للعروض الموسيقية بالشكل المتعارف عليه وقتها، واكتشفت أن المجتمعات الصعيدية متفتحة وراقية جداً، ومتذوقة للفن والثقافة والإبداع، بشكل غير عادى.
■ قدمت أجمل الألحان لعدد كبير من المطربين منهم على الحجار ومحمد منير.. أين أنت من التلحين حاليا؟
- طوال عمرى اهتمامى الأكبر بالموسيقى وهى أهم ما يشغلنى طوال الوقت، والحمد لله ربنا منحنى شكلا خاصا بى فى التلحين، يجعل المطرب نفسه فى حالة موسيقية وشكل وأسلوب مختلف عن أعماله السابقة، ومنهم على الحجار فى أعماله معى مثل غوايش أو مسألة مبدأ، وانتهيت مؤخرا من تلحين أعمال للمطربة ريهام عبدالحكيم.
■ هل أنت متابع للأصوات الموجودة على الساحة الغنائية.. ولمن تستمع؟
- لست متابعاً جيداً لعدم وجود وقت كاف بالنسبة لى لمتابعة الأصوات الموجودة على الساحة الغنائية، فغالبية وقتى مشغول بالتأليف الموسيقى، وأفضل الاستماع للأغانى القديمة عموما لعبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ.
■ ما أصعب لحن قدمته؟
- كل الألحان التى قدمتها لها صعوبتها وجمالها أيضا، لكن أصعب شىء أن تخلق أو تؤلف لحنا من فراغ، وأن تكون خائفا من أن ينضب إبداعك.