«كلنا مسؤولون عما حدث فى عهد مبارك»، بهذه الكلمات بدأ الإذاعى الكبير عمر بطيشة شهادته على عصر النظام السابق، مؤكداً أن الرئيس السابق كان يملك شخصية شكاكة مثل ضابط أمن دولة، رسخ لديمقراطية «مملاة» بضغوط من أمريكا والمجتمع الدولى، على جانب آخر أشار، فى حواره مع «المصرى اليوم»، إلى أن الإذاعة المصرية تحتاج إلى تطوير ونهضة وأن معظم جمهور الراديو انصرف عنه وبالرغم من ذلك سيبقى الراديو فى مكانه ومكانته، وأبدى تفاؤله بالوضع فى مصر، لأن التاريخ يشهد أن مصر مرت بأحداث كثيرة مماثلة ولم تنهر، كل هذه الشهادات وغيرها خصنا بها الإذاعى الكبير الذى تم اختياره مؤخراً، أثناء إعداد الحوار للنشر، عضواً بمجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون..
■ فى البداية نود أن نعرف هل لك طقوس فى رمضان؟
- بالطبع، فى رمضان والأيام العادية، فأنا دائما عندى عادات معينة أقوم بعملها فى أوقات معينة، وإذا لم أفعل الشىء فى موعده أشعر بالضيق والارتباك، ومن بين تلك العادات سماع القرآن الكريم ليس فقط على إذاعة القرآن الكريم، ولكن فى الإذاعات المختلفة ومن بينها قرآن افتتاح الإذاعة التعليمية كل يوم الساعة الثانية عشرة ظهرا، وكذلك قبل أذان المغرب، إلى جانب متابعة الأعمال الدرامية ولو أنها أصبحت كثيرة جدا، لكنى أنتقى منها 3 أعمال فقط.
■ كيف تنتقى العمل الجيد الذى تتابعه؟
- بناء على عهدى بطاقم العمل، ففنان مثل خالد الصاوى أثق فى اختياراته فهو فنان مبدع، وأعتبره أنور وجدى هذا العصر، لذلك أتابعه وأنا مطمئن للعمل كله، كذلك مدحت العدل فقد أجاد هذا العام فى تقديم رؤية جيدة لرواية عبدالرحمن الشرقاوى «الشوارع الخلفية».
■ تتحدث عن الأعمال التليفزيونية فقط، فماذا بالنسبة للإذاعة؟
- فى الإذاعة أحرص على سماع أولادى الذين تربوا على يدى داخل أروقتها، لكن الإذاعة تحتاج فعلا إلى تطوير ونهضة شاملة.
■ لماذا؟
- لأنها ليست فى المستوى المرجو فيها، بسبب عوامل كثيرة أهمها نقص الاموال ونقص الإمكانيات، فالإذاعة تحتاج إلى ضخ إمكانيات كبيرة لكى تنهض بشكل ملحوظ، وبما أن هذا غير متوفر حاليا، فستظل معاناة الإذاعة والإذاعيين مستمرة.
■ هل المشكلة الوحيدة للإذاعة هى نقص الموارد؟
- هناك مشكلات أخرى، لكن المشكلة المادية من الأولويات، فكيف يعيش الإذاعيون وهم يأخذون «ملاليم» ومستحقاتهم دائما متأخرة فالإذاعة أسوأ حالا من جميع قطاعات الاتحاد منالناحية المادية، رغم أن هناك حلولاً لمشكلاتها المالية إذا أجيد استثمار ما تحت يدها من مقدرات، فالإذاعة لديها كفاءات ومواهب غير مستغلة، ولديها تسجيلات نادرة، تأخذها شركة «صوت القاهرة» بلا مقابل «لماذا؟»، لماذا لا يستفيد أبناء الإذاعة من خيرها، فالإذاعة بها ثروة من الأرشيف الوثائقى والتسجيلات النادرة والتاريخية، يمكن أن تُدر عليها مليارات، لكن بشرط أن يعود عليها وليس على جهات أخرى.
■ رحلتك فى الإذاعة استمرت 40 عاماً، كيف اختلفت الإذاعة خلال تلك العقود الأربعة؟
- عندما التحقت بالإذاعة المصرية كانت هى الأم، كانت قوية ورائدة ومستقطبة للأسماع فى كل أنحاء العالم العربى، بدأ الوضع يختلف فى السنوات الأخيرة بسبب ازدحام السماء بالأقمارالصناعية والفضائيات والإذاعات، وانحصر الاستماع للراديو داخل السيارات، وهذا لا يرضى الإذاعيين بطبيعة الحال.
■ هل يمكن أن يستغنى الجمهور عن الراديو؟
- لا يمكن، سيظل للراديو مستمعوه ولن يختفى، بدليل أنه لم ينقرض بعد ظهور التليفزيون والفضائيات والإنترنت، فهناك مستمعون أوفياء للإذاعة وهناك تراث هائل ونادر تمتلكه الإذاعة المصرية ومناطق تميز لا يستطيع أحد منافستها فيها.
■ خلال رحلة عملك بالإذاعة هل واجهت صعوبات فى التعبير عن رأيك؟
- طبعا، فالعقبات أمام حرية التعبير بدأت بعد ثورة يوليو1952، لأن أى ثورة تريد أن تحمى نفسها فتفرض قيوداً كثيرة على حرية الرأى، وعندما عملت فى الإذاعة كان معروف أن هناك حدوداً، كانت القيود لدرجة أن موسى صبرى انتقد ذات مرة باروكة المذيعة همت مصطفى فتم نقله من الكتابة السياسية إلى الكتابة فى صفحة المرأة، كذلك كان من ينتقد المطبات والزحمة يعتبر ضد النظام، واستمر هذا الوضع حتى 1967 بدأنا نتجرأ ونعبرعن نقدنا للأوضاع، وجاء السادات وقال سأطبق ديمقراطية وكانت هناك مؤشرات لذلك لكن الوقت لم يسعفه.
■ ومبارك؟
- مبارك طبق ديمقراطية «مملاة»، ديمقراطية غصب عنه بإملاءات من أمريكا والمجتمع الدولى، بدليل أنه كان يضيق علينا بشكل واضح جدا وهناك نماذج كثيرة على ذلك.
■ مثل؟
- أتذكر مرة فى برنامج شاهد على العصر استضفت المستشار يحيى الرفاعى شيخ القضاة، ونشرنا خبراً صغيراً كالمعتاد عن الحلقة وفوجئت يوم إذاعة الحلقة الصبح بأن الدنيا مقلوبة، واتصل بى الأستاذ أمين بسيونى، رئيس الاتحاد وقتها، وقالى «يوصل بيك الأمر يا عمر إن الريس يتصل من أسوان بصفوت الشريف ويقوله شوف عمر بطيشة قايل إيه فى البرنامج بتاعه، أنت عامل إيه فى البرنامج»، فقلت له «الحلقة عادية جدا».
■ ما الذى كان يقلقه من ذلك؟
- لم يكن يريد أصحاب الفكر والاستقلالية فى الرأى يظهرون فى الإعلام المصرى، رغم أنه كان بيحب برنامج شاهد على العصر وأشاد بحلقة سابقة لى مع المؤرخ العسكرى جمال حماد.
■ ماحقيقة ما حدث بينك وبين أنس الفقى؟
- كان ضيفى فى برنامج عندما كان وزيراً للشباب وتكلمنا فى حديث جانبى وسألنى لماذا الإذاعة المصرية ليست مثل الـ«بى. بى. سى» فقلت له الإذاعة ممكن تكون أحسن عندما تتمتع بالاستقلالية التى تتمتع بها الـ«بى. بى. سى»، ولا تكون نشرة أخبارها بروتوكولية تضم خبراً عن الرئيس وخبراً عن حرمه وخبراً عن نجله، بعدها بـ3 شهور جاء أنس الفقى وزيرا للإعلام وأحالنى إلى المعاش.
■ ولماذا لم تقدم استقالتك من رئاسة الإذاعة من قبل مادمت كنت ترى الأوضاع هكذا؟
- اعتراضى كان على ما يحدث فى الأخبار، والأخبار لم تكن تحت مسؤوليتى ولكن كانت تتبع قطاع الأخبار، لأن صفوت الشريف أنشأ قطاعات كثيرة بحيث لا يكون هناك مسؤول مركزى عن شىء.
■ ماذا فعلت بعد خروجك إلى المعاش؟
- طلبت منى إذاعة «إف. إم» تقديم برنامج رمضانى قبل الإفطار، وقدمت عندهم برنامجاً اسمه «أدعية شخصية» تقوم فكرته على مجموعة أدعية شعبية يقولها الضيف لشخص ما، ويكشف الحوار عن طبيعة الضيف وأفكاره ومشاعره، وارتبط هذا البرنامج عندى بواقعة لن أنساها، فعدد كبير من ضيوف البرنامج عندما سألتهم تقول لمين «ربنا يفك سجنك» قالوا أيمن نور، كان وقتها فى السجن، وفوجئت بعد رمضان بأيام قليلة بخطاب مهرب من أيمن نور من داخل سجن طرة، يشكرنى فيه على البرنامج وأنه هون عليه مرارة السجن، ويمكن أيمن نور لأول مرة سيعرف من خلال هذا الحوار أن الخطاب وصلنى.
■ نريد أن نعرف قولك كـ«شاهد على عصر» مبارك؟
- عصر مبارك كان استمراراً لعصور من الفوضى ألمت بمصر منذ 23 يوليو 1952، فأروع ما فى يوليو 52 جمال عبدالناصر فقط، أما من عداه فتسببوا فى نكسة وانقطاع حضارى، ومن بين ما خلفه أيضا هذا النظام البليد لمبارك الذى أسقطناه بثورة 25 يناير.
■ وكم يتحمل من مسؤولية ما حدث؟
- ليس وحده، فكلنا نتحمل المسؤولية، كلنا شاركنا إما بالصمت أو التواطؤ أو الاستسلام، لذلك عندما قررنا أن نتكلم خرجنا بالملايين للمشاركة فى إسقاط النظام.
■ بحكم عملك وقربك من المشهد السياسى، لمن كان يسمع مبارك؟
- بالنسبة للإعلام مبارك كان يعتبر نفسه المسؤول الأول عن كل ما يأتى فيه، وكان يتعمد توصيل هذا الأمر لصفوت الشريف، حتى لا يفكر الشريف فى أنه المسؤول عن حنفية الإعلام، مع أنى أشهد أنه كان شديد الإخلاص لمبارك، لكن مبارك من النوع الشكاك، كان مثل ضباط أمن الدولة.
■ لماذا لم نسمع كلمات الشاعر عمر بطيشة عن ثورة 25 يناير؟
- اسألى الإذاعة المصرية، فأنا قدمت لها 3 أغان عن الثورة، وكانت من أسرع الأغانى التى كتبت عن الثورة أولها كان يوم 3 فبراير، ولم تذع حتى الآن.
■ متى شعرت أن مصر داخلة على تغيير كبير؟
- مع كثرة الاعتصامات وبعدها لم تعد اعتصامات أصبح هناك ناس تنتحر وتحرق نفسها، وقتها شعرت «إن اللى جاى ثورة».
■ مارأيك فيما يحدث من خلط الدين بالسياسة؟
- أنا ليبرالى أؤمن بالحريات، ولابد من فصل الدين عن السياسة فالدين أنبل وأشرف من أن تغتاله يد السياسة.
■ كيف ترى المشهد فى مصر حاليا؟
- أرى القلق علي وجوه الكثيرين، لكننى متفائل لأن مصر مرت بأحداث كثيرة مشابهة، واستعادت قوتها وقامت ولم تنهر والخلافات بين قادة الثورة حدث مثلها سنة 1919 بين سعد زغلول وعدلى يكن.
■ الموجودون على الساحة، من منهم فى نظرك يصلح لتولى الحكم؟
- لو حددت شخصاً حاليا سأكون متعجلاً، فأنا أنتظر برنامج كل واحد، لأختار الأنسب.