أصدرت وزارة التربية والتعليم بيانا يبرئ مناهجها وبالذات الصف السادس الابتدائي من الحض على كراهية المسيحيين، ردا على ما تردد عبر ((النت)) من تواجد عبارات مسيئة، فهل هذا يعني أن التعليم بخير؟ الحقيقة أن سلوك المعلم كثيرا ما يدفع الطالب المسلم إلى تجنب التعامل مع الطالب المسيحي، والاسرة أيضا تلعب دورا، ولا يمكن أن ننتظر من الاسرة المسيحية ألا تطلب من ابناءها اقتصار التعامل فقط مع المسيحيين.
هل حصة الدين في المدرسة تُفرق أم تُجمع؟ مع الأسف تؤكد للطلبة أن هناك مساحة كبيرة للخلاف يجب عليهم ادراكها وأن الجنة للمسلم فقط .
المشترك بين الأديان أكبر بكثير من المختلف عليه، فلماذا لا تُصبح حصة دين واحدة، ليكتشف المسلم أن الديانة المسيحية تحض على كل القيم النبيلة التي يتصور فقط أنها حكرا على دينه، في الكثير من المدارس وعلى جدرانها الداخلية والخارجية تستطيع ان تقرأ العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي تدعو للعلم والنظافة والأمانة والإخلاص وغيرها فهل وجدت شيئا مماثلا من آيات الانجيل على الجدران، لو دخلت لمصلحة حكومية وتابعت مثلا الصور المعلقة في أي حجرة، وسأرشح لكم مبنى الإذاعة التليفزيون، ولو قلنا جدلا أن بين عشر موظفين في الحجرة هناك موظف مسيحي، وانت تضع كل هذه الآيات على الجدران، هل يتسامح المسلم لو رأي صورة للسيد المسيح أو الصليب معلقة، أكرر صورة واحدة بينما التسعة الأخرى تخص المسلمين؟ أقول لكم لا، رغم أن الأصل في الأمور أن هذه الصور ليس مكانها مكاتب العمل، ربما كانت المعلقات، لا تتضمن شيئا مباشرا يمس عقيدة المسيحي ،ولكن المسلم عادة لا يتقبل أن يرى على الجدران إشارة مباشرة للديانة المسيحية، الأسانسير في العمارة اية قرآنية ،على الباب، ودعاء يتردد بمجرد ان تحرك مفتاح الصعود، شركة مصر للطيران تضع آيات قرآنية وفي عدد من الرحلات الصباحية تذيع فقط القرآن، هناك ولا شك غياب كامل لدين سماوي يعترف به الدستور وبحق المواطنة للجميع، ولكن غالبا لا يتم ترجمة ذلك على أرض الواقع ،
أتذكر قبل 7 سنوات في لجنة للنصوص الاذاعية، كنت عضوا بها ،قرأت نصا اجتماعيا مقدم للأطفال، تضمن هذه العبارة أن الإسلام يحرم السرقة، فقلت لهم ينبغي أن تتغير العبارة لتصبح الأديان كلها، حتى أن من يستمع إليها، مسلم أو قبطي يُدرك أن الأخلاق الحميدة تتضمنها كل الأديان .
أنعكس ذلك قطعا على حال الدراما، عندما تتعرض لتلك العلاقة الشائكة بين المسلمين والأقباط، فهي تتحرك على طريقة أغنية صباح الشهيرة «بين الاهلى والزمالك محتارة والله»وتنتهي إلى أن «الاثنين حلوين الاثنين هايلين». وكأننا داخل مدرسة لا ترضي سوى بالالتزام الحرفي للتعليمات، ربما كان لدينا فيلما واحدا «لامؤاخذة» قفز فوق سور المنهج المدرسي .
البطولة في الفيلم الذي كتبه وأخرجه عمرو سلامة لعائلة قبطية واغلب الاحداث داخل المدرسة تجري عندما يخشي الطالب المسيحي ان يفصح عن ديانته، وتنتهي الاحداث بعد أن تحرر الطالب من الخوف .
لم يلجأ المخرج إلى تلك المعالجة الشهيرة والاطار الهندسي الصارم الذي يتكيء عليه الفنانون لعبور هذه القضية مثل فيلم «حسن ومرقص»، الذي يعد مثالا صارخا لهذا القانون الذي يتخذ_ السيمترية_ منهجا، الشيخ يُقبل القسيس ،والمصحف يحتضن الصليب ،والجامع يصافح الكنيسة، وتتقاسم الشخصيات على اختلاف دياناتها السلبيات والايجابيات، هذه الحالة القاطعة من القسمة الحسابية، تخاصم قانون الحياة، ولكن نظرا لان هناك تدخلات للعديد من الأجهزة في عمل الرقابة، فإن الفنان يجد نفسه حائرا هل يغضب الاقباط أو يغضب المسلمين فيقرر ان يرضي الجميع دراميا.
مثلا تقدم عادل امام قبل 9 سنوات للبابا شنودة بسيناريو فيلم «حسن ومرقص»، ووافق على التصوير بعد أن اشترط تغيير مهنة البطل من قسيس إلى استاذ في علم اللاهوت، وهكذا ضمن عادل بما لدى البابا من سلطة روحية على الأقباط في مصر أن يحسنوا استقبال الفيلم ‘ وهو ما حدث بالفعل، لأن تجاربنا الماضية كثيرا ما شهدت زيادة في معدلات الغضب مثل فيلم «بحب السيما» الذي رأينا فيه عائلة قبطية تحتل كل المساحة الدرامية، فكان الغضب العارم في الكنيسة .
تعودنا في الدراما أن نضع أوراق «السوليفان» على الشخصية المسيحية وكأننا نرفع راية مكتوباً عليها ممنوع اللمس أو الاقتراب ،الإحساس العام الذي يسيطر غالباً على صناع العمل الفني أن المتفرج لا يريد أن يرى شخصية من لحم ودم وأنه فقط يقرأ عنوانها لكنه لا يتعمق في تفاصيلها، وكأن هناك اتفاقا ضمنيا على ذلك بين صناع العمل الفني والجمهور، الجميع ارتاحوا إلى استبعاد الشخصية القبطية!!
الحقيقة هي أن المشاهد المصري وأيضاً العربي بالضرورة تعود على رؤية الشخصيات المصرية في الأغلب مسلمة، وإذا قدمت شخصية قبطية فإنها إيجابية وعلى هامش الأحداث كما أن المتفرج لم يألف رؤية شخصيات قبطية تمارس أي قدر من الانحراف، ولهذا تنتقل الحساسية التي نراها في الشارع إلى دار العرض وبدلاً من أن يشاهد الجمهور شريطاً سينمائياً به عائلة مصرية بعيداً عن ديانتها سوف يراها عائلة قبطية بل ويعتبرها البعض في هذه الحالة تحمل إدانة شخصية وليست درامية!!
فيلم (( مولانا )) الذي شاهدته مؤخرا في مهرجان (( دبي))، لجأ بالمناسبة أيضا في المعالجة الدرامية إلى الأسلوب الهندسي، بين التنصير والاسلمة في محاولة لإرضاء الطرفين، لا أتصور أن الدراما تستطيع أن تجد مخرجا لهذا المأزق في القريب العاجل، لأن التربة ليست صالحة وبالتالي فإن الحساسية مفرطة، المدرسة هي خط الدفاع الأول، وهى المنوط بها خلق المناخ الصحي، إذا كان المسيحي يعرف الكثير عن الإسلام بحكم المجتمع الذي يعيش فيه، فإن واجب المدرسة هو توصيل رسالة عن الديانة المسيحية ،وان نرى بالفعل حصة دين واحدة تُجمع ولا تفرق تتبني كلمة رائعة قالها بابا الفاتيكان فرانسيس (( كل الأديان صحيحة طالما هي صحيحة في قلوب من يؤمنون بها )) وهو ما أشك أن الامام الأكبر الطيب ولا البابا تواضروس قادر أي منهما على ترديدها، المشكلة أن كل منهما يري أن ديانته هي فقط الصحيحة.
ربما كان صحيحا ما أعلنته وزارة التربية والتعليم انها لا تزدري الدين المسيحي ولا تحض على الكراهية، ولكن أليس الامتناع عن الحض على الحب يحرك بالضرورة منابع الكراهية، هل تجرؤ الوزارة أن تتبني هذا الخطاب الثوري الذي يؤكد أن كل الأديان صحيحة طالما هي صحيحة في قلوب من يؤمنون بها !