سعد تحت مظلة رمضان!

طارق الشناوي الأحد 25-12-2016 21:27

لو راجعت مقالى فى تلك المساحة قبل ثلاثة أشهر وعنوانه ((الجماهير التهمت محمد سعد تحت الترابيزة)) قلت إنه صار مثل ضابط ارتكب عددا من المخالفات فتم نزع الرتب العسكرية منه، وإذا أراد أن يواصل التواجد فى الميدان عليه أن يعود كجندى، وفى هذه الحالة ليس أمامه سوى أن يقبل العمل تحت المظلة الجماهيرية لنجم شباك، بعد أن فقد وإلى الأبد قدرته على الجذب.

هذا هو بالضبط ما أقدم عليه مؤخرا، وأقول برافو سعد، لأنه لم يجادل أو يتردد فى التعامل مع الواقع، ولم يعتبر الموقف بمثابة اعتراف عملى وعلنى وعلى رؤوس الأشهاد يؤكد هزيمته، بل كان سريع الاستجابة لرأى السوق السينمائية وهكذا وافق على أن يشارك فى دور ثان فى فيلم ((الكنز)) بطولة محمد رمضان، هذا المقال مكتوب من أجل محمد سعد وتوجيه التحية له لامتلاكه المرونة والشجاعة، ولكن قبل أن نصل إلى سعد دعونا نتوقف أولا أمام ثلاثة مؤثرات.

فيلم واحد تستطيع أن تُطل من خلاله على حال السينما، الفيلم كتبه عبدالرحيم كمال، أحد الكتاب الذين لمعوا دراميا فى السنوات العشر الأخيرة، وخاصة فى اللون الصعيدى، أهم إنجازاته ((الخواجة عبدالقادر)) وهو مسلسل ساحر، له تجربة سابقة فى السينما ((على جنب يا أسطى)) لكنها لم تكتمل، دخول كاتب درامى موهوب للسينما من بوابة مخرج بحجم شريف عرفة تعنى الكثير، وكأنه ينتقل من ((كى جى وان)) سينما إلى الجامعة، شريف أكثر المخرجين فى تاريخ السينما المصرية قدرة على تقديم رؤية ثرية على الشاشة بصريا وسمعيا، وفى نفس الوقت يجيد قراءة شفرة الجمهور فهو، وباستثناءات قليلة جدا، يعرف بالضبط كيف يصل للقاعدة العريضة من الناس، يقدم فكره ولحنه ونغمته وهو يدرك بالطبع أن الناس معه على الخط وسترددها بعده. البداية منتصف الثمانينيات مع توأمه الفنى الكاتب ماهر عواد فى ((الأقزام قادمون)) وتعددت اللقاءات بينهما ووصلوا للذروة فى ((سمع هص))، ودخل عرفة فى دائرة أخرى مع مطلع التسعينيات طرفيها الكاتب الكبير وحيد حامد والنجم الجماهيرى الأول فى السينما عادل إمام، الذروة ((الارهاب والكباب))، وبعد أن توقفت الرحلة مع عادل، ووصل الثلاثى للفيلم السادس، ولأسباب غالبا تخص عادل، ظل شريف قادرا على تحقيق أعلى الأرقام من خلال النجوم الذين كنا نصفهم وقتها بالجدد، وهكذا قدم علاء ولى الدين فى ((عبود)) 1999، ثم جاء ((الناظر)) بعدها بعام من أهم أفلامنا فى الألفية الثالثة وأفضل ما قدم علاء ولى الدين، فى هذا الفيلم شاهدنا محمد سعد يتألق فى ((اللمبى))، تلك الشخصية نتاج مشترك بين أحمد عبدالله، كاتب الفيلم، ومحمد سعد، ولا يخلو الأمر بالطبع من لمسات شريف الذى كان يُدرك بحسه الفنى أن تلك الشخصية تستطيع تحقيق التماس مع الجمهور، وهكذا زادت مساحة اللمبى فى الفيلم لأن شريف أدرك أن لها مردود جماهيرى، وهو ما فتح طاقة سعد أمام سعد، بدأت بالتأكيد جاذبة وقوية فى أول إطلاله له عام 2002 ((اللمبى))، ثم بدأنا العد التنازلى عندما لم يستطع إيقاف هذا النهم والاستسهال لأداء الشخصية الواحدة، وبدون أن أقرأ سيناريو ((الكنز))، من المستحيل أن تلمح أى أصداء للمبى فى الفيلم الجديد.

ويبقى فى المعادلة محمد رمضان، إنه حاليا الورقة الرابحة الأولى فى سوق السينما والتليفزيون والمسرح، بذكاء اكتشف أن عليه أن يقدم للناس مقابل كل هذا الحب ما يستحقونه من سينما، هو الأول بالأرقام هذه حقيقة تعبر عنها كثافة المشاهدة، وهو يلعب بنفس السلاح الذى كان يشهره عادل إمام فى وجه زملائه فى الثمانينيات، فكان يضع الإيرادات فى المواجهة، ولا شىء غيرها، كانت لديه فى حجرته بالمسرح لوحة يعلق عليها إنجازاته، لتثبت تفوقه على زملائه المنافسين فى تلك السنوات محمود عبدالعزيز ونادية الجندى وأحمد زكى، رمضان يواصل السير على طريق عادل، أخذ منه مبدأ التنابز بالأرقام من فنان الأرقام الأول، وأعلن أكثر من مرة أنه الأكثر مشاهدة والأعلى أجرا، ولكن من الواضح أنه قرر إضافة لمسة أخرى، بعد أفلامه التى وضعته على القمة الرقمية قبل أربع سنوات منذ ((عبده موتة))، قرر ألا يستسلم تماما لإرادة السوق، وهكذا يجىء اختياره للعمل مع شريف عرفة فى ((الكنز)) وبعدها فى ((حب)) مع داوود عبدالسيد، للعلم أغلب أفلام داوود بداية من ((الصعاليك)) مرورا بـ((البحث عن سيد مرزوق)) و((الكيت كات)) وغيرها، كان الترشيح الأول هو عادل إمام، وفى العادة يخشى عادل أن تخذله الإيرادات فينسحب، خاصة بعد تجربته مع محمد خان فى ((الحريف)) التى لم تحقق الأرقام التى تعود عليها، رمضان يملك قدرا أكبر من الثقة فى نفسه وجمهوره، ولهذا يتوجه إلى أفلام من المؤكد تعبر عن ملامح مخرجيها وليست فقط ملامحه، كنت أعلم من محمد خان أنه كان يسعى أيضا لكى يسند إليه دور البطولة فى فيلمه ((المسطول والقنبلة)) المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ.

ونصل إلى الطرف الأهم ونجم هذا المقال محمد سعد، الذى يقبع حاليا فى نهاية الصف، بعد أن تابعت شركات الإنتاج حفلات تلغى له فى فيلمه الأخير، والجمهور أمام شباك التذاكر لا يعره اهتماما، مشروعات سعد الأخيرة تم تنفيذها، لأنه لايزال لديه فى الخليج جمهور ينتظره وينعته باللمبى حتى الآن، وهكذا أنقذه فى تلك الأفلام التوزيع الخارجى، الذى يتحول فى النهاية إلى أموال على مائدة شركات الإنتاج، برغم أن سعد داخل مصر فقد القدرة على الجذب تماما وبالطبع سيفقد أيضا فى عام أو اثنين قدرته على الجذب خليجيا. سعد لعب دور البطولة فى الهبوط تسويقيا باسمه، لأنه برامجيا ودراميا ومن ثم سينمائيا استنفد كل المسموح من مرات الرسوب، هزائمه المتكررة عبر الشاشة الصغيرة فى البرامج والمسلسلات، دفعت جمهور السينما لإعلان طلقة بائنة وبالثلاثة مع أفلامه.

ورغم ذلك فلا يمكن تصور أن سعد الممثل قد انتهى تماما من الخريطة الفنية ولكن من صار خارجها هو محمد سعد النجم، ويبقى له لو امتلك القدرة والجرأة على الاعتراف والتعايش مع تلك الحقيقة، من الممكن أن تمنحه سنوات قادمة داخل الدائرة كممثل قادر على أداء العديد من الشخصيات، ولكن تحت المظلة الجماهيرية لنجم آخر للشباك، تلك الفقرة اقتبستها وأعيدها من مقالى السابق عن سعد.

شركات الإنتاج لا قلب ولا مشاعر ولا عشرة ولا عيش ولا ملح، لا تعرف ولا تعترف سوى فقط بعدد التذاكر التى أسفر عنها الشباك، سعد الممثل مع مخرج بحجم شريف عرفة ونجم جاذب للجمهور مثل محمد رمضان، تصبح فرصة لا تعوض لكى يجدد مرة أخرى علاقته المفقودة بالجمهور، والسؤال هل يصعد بعدها مرة أخرى ليقف بمفرده بطلا جماهيريا؟.

لا أتصور أن هذا ممكن وفقا للمعادلات السينمائية، المثال الواضح هو أشرف عبدالباقى، الذى صار الآن من خلال مسرحه يقدم للساحة نجوما جددا، لكنه يعلم أنه لم ولن يعود نجما للشباك، سعد فى المرحلة القادمة سيجد متاحا أمامه البطولة الجماعية أو يقف تحت مظلة نجم جاذب، فى تلك المساحة فقط ستفتح أمامه الأبواب، وعندها سيكتشف حقا أنه يمسك فى يديه ((الكنز)) المفقود!!