قال أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن النهوض باللغة العربية يُعدُ واحداً من أهم الموضوعات التي ينصب عليها عمل جامعة الدول العربية منذ نشأتها، فالجامعة في واقع الأمر، هي تعبيرٌ عن حقيقة لغوية وثقافية قبل أن تكون انعكاساً لواقع جغرافي أو سياسي. والرابط اللساني بين الشعوب العربية هو العروة الوثقى التي تجمعهم، والمظلة الحاضنة لهم.
واستطرد أبوالغيط في كلمته أمام المنتدى العربي الثاني حول النهوض باللغة العربية الذي عقد تحت «شعار لغتنا هويتنا- لذا فإن النهوض باللغة يظل واحداً من المسؤوليات الرئيسية التي تضعها الجامعة نصب عينيها، كما يقع في مُقدمة أهدافها وللجامعة في ذلك تاريخ طويل، وإسهام مشهود.
والحقُ أن احتفالنا اليوم باللغة العربية هو من قبيل العرفان بالجميل لهذه اللغة التي حملت إلينا تراثنا وثقافتنا عبر عشرات القرون، فجعلت مناّ أمة عميقة ( لو جاز لي استخدام هذا التعبير)...أمةَ حاضرها موصول بماضيها بوشائج متينة وصلات وطيدة راسخة
وأضاف الأمين العام إن هذا العُمق هو ما يمنح حضارتنا رصيداً ثقافياً ضخماً ونابضاً بالحياة، فنحن نقرأُ ما كتبه الأسلاف من عشرات القرون فنفهمه ونُدرك معانيه وهذا أمرٌ نادر فيما يخص اللغات التي لم تصمد أغلبيتها الكاسحة أمام اختبار الزمن، فاندثرت وبادت وكلنا يعرف أن الكثير من اللغات التي عاصرت العربية في نشأتها لم تعد مُستخدمة اليوم وعندما تموت اللغة فإن ثقافتها تندثر وتختفي وتصير تاريخاً.
وتابع: احتفالنا اليوم هو أيضاً من قبيل تجديد محبتنا واحتفائنا بهذا الجمال والرُقي والبهاء والرحابة التي تتميز بها لغةُ الضاد إنها لغة شاعرة حقاً. يندر أن نجد لها مثيلاً بين اللغات من حيث الغنى بالمُترادفات والمعاني التي تصف الأشياء بدقة متناهية وبإبداع غير محدود في التركيب والاشتقاق اللغة العربية جميلة ودقيقة في آن بديعة وعملية في الوقت ذاته وليس من قبيل الصُدفة أننا، نحن العرب، وقعنا في غرام لغتنا، وهمنا بها عشقاً، وتغنينا بجمالها وفاخرنا الأُمم بها فهي تاج ثقافتنا، بل هي عنوان هويتنا ذاتها.وقد عبر محمود درويش، الشاعر الفلسطيني العظيم، عن هذا المعنى عندما قال باختصار بديع: «أنا لغتي» !
وواصل تواجه اللغة العربية اليوم تحديات هائلة فرضتها العولمة، وفاقم من خطورتها ضعفُ أنظمتنا التعليمية.. لغتنا تُكابد من أجل اللحاق بعصر التواصل الاجتماعي والانترنت.. أبناؤنا يبتعدون أكثر عن لغتهم الأم وسط طوفانٍ من غزو اللغات الأجنبية وفي مقدمتها الإنجليزية.. الأسر العربية لها العذر إن اهتمت بتعليم أبنائها لغات أجنبية على حساب اللغة الأم، إذ ترى في ذلك السبيل لتهيئة فرص أفضل لهم في اقتصاد صار معولماً... على أن الدول ليس لها عُذر إن هي قصَّرت في رعاية وتحديث برامج تعليم اللغة العربية، أو نكصت عن واجبها في توفير تعليم نظامي يضمن أن ينطق أبناؤها بلسان عربي مُبين....فلا أبالغ إن قلت إن سلامة المُجتمعات من سلامة لغتها الأم...ذلك أن اللغة هي الحاضن لثقافة وطنية مُتماسكة ومتجانسة تجمع أبناء الوطن كله وتُمثل المُشترك الأول بينهم.