الاحتفال بالمولد النبوي في تونس.. مديح بالمساجد وزيارات للأضرحة وأكلات شعبية

كتب: أ.ش.أ الأحد 11-12-2016 15:22

يظن البعض أن الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، بمظاهرها المختلفة، هى عادة تقتصر على المصريين فقط، لكن الواقع عكس ذلك، حيث تتسم بلدان المغرب العربي بعاداتها الخاصة وطقوسها التي تتفرد بها في الاحتفال بهذه الذكرى العطرة، وفي تونس مظاهر منها ما هو يتشابه مع مصر مثل الاحتفالات والأذكار وبعض المأكولات الشعبية وزيارة الأضرحة وما يختلف عنها في أسلوب وطريقة الاحتفال وطبيعة الأكلات الشعبية، حيث تعتبر العصيدة الزقوقو التونسية أشهر الأكلات بهذه المناسبة، فيما تغيب عرائس المولد التي ليس لها مكان في تونس.

تشير كتب التاريخ في تونس إلى أن تونس هي أول من شهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عام 912 ميلادية، حيث تم الإعلان عن تأسيس الدولة الفاطمية في مدينة المهدية التونسية، وذلك قبل فتح الفاطميين لمصر عام 969 ميلادية وتأسيس القاهرة التي اتخذوها مركزا لنشر ثقافتهم وعاداتهم الروحية.

تقول نجاة الهمامي، المسؤولة بوزارة الشؤون الدينية التونسية، لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط بتونس، إن مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في تونس على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي كبيرة جدا، حيث تعم تلك المظاهر ربوع المساجد في عموم البلاد تسبقها عمليات ترميم وتزيين للمساجد وإعادة كسوة أغلبها بسجاجيد جديدة، حيث تحتضن لندوات وحفلات ذكر يحضرها كبار المسؤولين في الدولة، بداية من رئيس الجمهورية وحتى الوزراء والنواب والولاة وحتى أفراد الشعب.

وأضافت أن تونس تشهد احتفالين رئيسيين بهذه المناسبة الأول في مسجد الزيتونة بالعاصمة ويكون في اليوم الذي يسبق موعد المولد النبوي الشريف ويحضره رئيس البرلمان وعدد من الوزراء ونواب الشعب وكبار المسؤولين، والآخر يكون بمسجد عقبة بن نافع بمدينة القيروان ويحضره رئيس الدولة وعدد آخر من الوزراء ويتم أيضا دعوة سفراء الدول الأجنبية في تونس.

وأوضحت أن المساجد تعمر بحفلات الذكر المحمدية والسيرة النبوية ومسابقات كبرى لحفظ القرآن والحديث والسنة، وتلاوة قصيدة «الهمزية» في مدح الرسول الكريم للإمام البصيري بكل المساجد، لافتة إلى أن منطقة القيروان تشهد المظاهر الكبرى للاحتفال بهذه المناسبة العطرة متمثلة في فعاليات دينية وثقافية وتجارية واقتصادية وموسيقية وأسواق تقام خصيصا لهذه المناسبة وتنتعش فيها الحركة السياحية من عديد البلدان الأجنبية.

ويقول الباحث والمؤرخ التونسي عبدالستار عمامو إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عادة حافظ عليها ملوك وزعماء وورؤساء تونس منذ قرون عديدة، تمتد إلى العهد الفاطمي سنة 900 ميلادية أي منذ أكثر من ألف ومائة عام عندما أدخلها الفاطميون الذين يعتبرون أنهم يستمدون شرعيتهم من آل البيت.

وأضاف أن بعض المتشددين يروج ادعاءات بأن الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بدعة محرمة، إلا أن علماء الدين والمؤرخين في تونس يعتبرونها «بدعة حسنة» باعتبارها مناسبة لتكريم سيد المرسلين وتكريس البعد الديني لدى الناشئة، مشيرا إلى أنه منذ العصور الوسطى اعتاد الناس في تونس على الاجتماع ليلة المولد الموافق 12 ربيع الثاني في مقامات الأولياء الصالحين والمساجد لسرد السيرة النبوية وترديد قصائد في مدح الرسول.

وأوضح أن العثمانيين حافظوا على هذه العادات من بعد قدومهم إلى تونس بعد سقوط الدولة الفاطمية بنحو نصف قرن بل أضافوا عليها طابعا رسميا بتنظيم مواكب في قصور البايات (الباي لقب يطلق على حاكم تونس وهو لقب اقل من الباشا والخديوي ويمنحه السلطان العثماني) ويدعو إليها كبار رجالات الدولة والائمة والوعاظ وأمراء ووجهاء البلاد في تونس.

وأشار إلى أنه من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في تونس القديمة أنه كان عندما يصل الراوي داخل المسجد الرئيسي بالزيتونة لسيرة النبي عليه أفضل السلام إلى قيام السيدة آمنة بوضع الرسول (ص) فكانت المدافع تطلق خارج أسوار المساجد ويرفع الأذان وتتبخر المنازل وتشرع النساء في طهي المأكولات الشعبية المعروفة في تونس مثل العصيدة وهي الأكلة التي يروى أن السيدة آمنة أم الرسول قد طهتها بعد مولده وذلك تباركا وتفاؤلا بهذه الأكلة.

وتقول هاجر بن حسن، وهي من سكان مدينة بنزرت التونسية الساحلية، إن مظاهر الاحتفال بميلاد النبي صل الله عليه وسلم في تونس كبيرة، مشيرا إلى أن غالبية التونسيين يذهبون إلى الأسواق قبل موعد المولد بيوم لشراء مستلزمات الأكلات التي يتم صنعها خصيصا لهذه المناسبة، مثل «العصيدة» وهي أكلة شعبية في تونس أشبه بأكله المكسرات في مصر ومكونة من الفواكة والدقيق والحليب والسكر والبيض، وهي أكلة لها أشكال مختلفة بحسب الجهة والمنطقة، لكن الأشهر منها في هذه المناسبة هي عصيدة الزقوقو وهي أكلة يضاف إليها حبوب سوداء أشبه بحبوب القمح ويتم طحنها وإضافة الماء والسكر والبندق والمكسرات عليها.

وأضافت أن الأجواء تكون احتفالية داخل المنازل التونسية وعلى المستوى العائلي والأهل والأقارب والجيران، حيث يتم تبادل أكلات العصيدة التونسية، كما يتم عمل احتفالات كبرى داخل المساجد عامة والمساجد الرئيسية خاصة في الزيتونة والقيروان، حيث مسجد عقبة بن نافع وتتلى الأناشيد والأحاديث والمدائح وتجرى المسابقات ويحرص أن يشارك فيها الأطفال حتى ينشأوا على حب الرسول الكريم.

ولخص المهدي بن عمرو- إعلامي تونسي- العادات التونسية للاحتفال بالمولد النبوي الشريف في 3 مظاهر رئيسية، الأول رسمي يتمثل في مشاركة رئيس الدولة والوزراء والولاة وكبار المسؤولين لبعض الفعاليات في المساجد الرئيسية مثل الزيتونة وعقبة بن نافع أو غيرهوا من المساجد، وتكون هذه الفعاليات بها بعض الذكر والأناشيد وتنظيم المسابقات لحفظ القرآن والحديث.

وأضاف أن المظهر الثاني يتمثل في الاحتفال الشعبي بهذه المناسبة وتتمثل أيضا في المديح والأناشيد في أغلب المساجد التونسية وذكر السيرة المحمدية ويحبب فيها مشاركة الأطفال، أما المظهر الثالث فهو أشبه بالعادات والتقاليد التونسية القديمة المتمثلة في صنع بعض الأكلات الخاصة مثل عصيدة الزقوقو التونسية ويتم تبادلها بين الأهل والجيران والأقارب.

وأشارالى أن فئة قليلة من التونسيين تحبذ زيارة الأضرحة لأولياء الله الصالحين في تونس ومنها أضرحة سيدي بلحسن الشاذلي بتونس العاصمة وسيدي بوسعيد الباجي بمنطقة سيدي بوسعيد وسيدي أبولبابة الأنصاري بولاية قابس وسيدي منصور بولاية صفاقس.