لا تمثل الكنيسة لهم مكاناً للعبادة فقط.. الجدران لا تحمل بين طياتها القداسة فقط لكنها تعج بالحياة داخلها، حياة تتكامل بمجرد مرور السور الخارجى، تبدأ بالكورال والكشافة والنوادى الاجتماعى للشباب والمسنين أيضاً، وتمتد إلى الأنشطة الثقافية والعلمية والرياضية فى عدد كبير منها.. داخل أسوار الكنيسة حياة كاملة يعيشها المصريون.
بدأت كارولين أول أيام السنة الجديدة بشريط الأخبار الذى يظهر فى أسفل شاشة التليفزيون، عندما قرأته والدتها صباحا بعد سهرة ليلة رأس السنة التى تقضيها هى وأسرتها مع الأقارب والأصدقاء، لتخبرها بحدوث انفجار أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية.
«أنا اتخضيت أول ما شفت مشهد الناس وهى بتصلى فى الكنيسة وسمعت صوت الانفجار، لما والدتى بدأت تبكى مكنتش عارفة أقولها إيه» تعلق كارولين أمين «19سنة» على سماعها الخبر بصوت هادئ يحمل نوعاً من خيبة الأمل عن طبيعة السنة الجديدة وتقول «قلبك يبقى مقبوض أول السنة يا ترى بقيتها هيحصل فيها إيه» لكن مع ذلك لن تتغير مخططات كارولين وعائلتها للاحتفال ليلة العيد فى السادس من يناير، ستذهب لحضور القداس فى الكنيسة وأخذ البركة، ثم ستذهب إلى بيت جدها «عشان ناكل الحاجات الحلوة اللى بقالنا مدة ما أكلنهاش».
الكنيسة بالنسبة لكارولين هى بيتها الثانى، تأخذ المشورة الموثوق بها فى كل شىء من الأب، وتحضر الاجتماعات الدورية فلكل مرحلة عمرية اجتماعها الخاص بها، يبدأ بصلاة صغيرة ثم هناك «درس كتاب» يتعلمون فيه عن موضوع معين ويدور حوار مفتوح حوله.
أكثر الأنشطة التى تحب كارولين الاشتراك فيها هى الكورال فتقول «الكورال لطيف جدا، منه المفرح والحزين وفيه اللى بتطلبى به مساعدة من ربنا، عن نفسى بحس إنى بتكلم مع ربنا بطريقة غير رسمية التى أقف فيها وأصلى وأطلب منه يسامحنى على اللى عملته».
وترى كارولين أن أكثر ما يربطها بالكنيسة أصدقاءها: «أنا مش هتشجع أروح لو ماليش حد أعرفه جواها، يعنى لىَّ أصحاب أقابلهم أقعد جنبهم، رحنا بيت جديد من فترة قليلة ولسة مدخلتش فى الكنيسة اللى جنب بيتنا عشان معرفش فيها حد فبروحها لما أكون عايزة أصلى أو أحضر القداس، لكن كمشاركة فى نشاطات بروح كنيستى القديمة»، وتضيف وهى تضحك «أى حاجة عايز الشباب يتشدوا ليها هات لهم أصحاب وهما هيروحوا على طول».
وتقول أيضا «كل الكنائس فى النهاية هى كنيسة واحدة، لأنها بتعلم نفس الكلام فلازم نحس باللى حصل فى كنيسة القديسين لكن مينفعش منحتفلش بالعيد، نحتفل بس مش بزيادة» فترى أن قداس العيد مهم لكن الترانيم الفريحى وتزويق الكنيسة ممكن الاستغناء عنها.
أمير بشارة وفادى مقبل «23سنة» صديقان منذ أكثر من عشر سنوات بدأت بانضمامهما إلى الكشافة أحد أهم الأنشطة بالكنيسة، بالإضافة إلى أن أمير كان عضوا فى الكورال.
اشترك أمير فى الكورال وعمره سبع سنوات، فوالدته مدرسة بيانو أسست هى وصديقتها كورالا للأطفال انضم إليه هو وأخوه وأخته، وكان له صولو كامل يغنيه وهو صغير، ويقول «حفلات الكورال فى الكريسماس ورأس السنة يحضرها كل الشعب المصرى، فالمغزى من الكريسماس أن يشعر الناس بالسعادة مع بعضهم البعض فى وقت معين من السنة، و ترانيم الكورال ليس لها لغة محددة فهناك ترانيم بالعربية والإنجليزية والفرنسية، وكلماتها كلها لها علاقة بالرب وتدعو للحب والسلام، ويضيف أمير أن الكنائس أقل مكان كانوا يذهبون إليه، كان الأساسى الذهاب إلى مكان كل الناس متواجدة فيه «كالفنادق، وملاجئ للعجزة، وسفارات»، فكان هناك حوالى عشرين فندقاً نغنى فيها، لكن من ثمانى سنوات تقريبا قل العدد من عشرين إلى ثمانية أو تسعة لدواع أمنية «ومكنتش لسه فاهم يعنى إيه، ومن أربع سنين مبقاش فى فنادق وبقى يتعمل الكورال فى الكنايس بس، وتحت حراسة»، ويرى أمير أن الحراسة الأمنية على الكنائس لم يكن دورها قوى فى البداية، وبدأ يزيد تدريجيا فالآن ممنوع ركن سيارتك أمام الكنيسة حتى لو كنت من رعاياها وليس هناك جدال فى ذلك.
فى الساعة العاشرة يوم السبت كان من المفترض أن يكون هناك كورال للكريسماس فى الكنيسة التابع لها أمير وفادى لكنه ألغى بسبب تفجيرات الإسكندرية، فيقول فادى وهو من قادة الكشافة إنه تم إبلاغهم بإلغاء الكورال المفروض أن تشارك فيه الكشافة بالخدمة لأن عدد الرعايا الذى كان من المفترض حضورهم ألفا شخص تقريبا، ثم يتحدث عن نشاط الكشافة فيقول إن الكشافة تبدأ من سن ست سنوات كأشبال، ومن 11سنة يصبح كشافة وفى مرحلة الثانوى يصبح بعدها جوالة والتى يخرج منها القادة المسؤولون عن تعليم الكشافة الأصغر منهم، يتعلم الطفل فى الكشافة كيفية الاعتماد على النفس فهدفها مساعدة الطفل على التكيف مع أى ظروف حياتية، ويضيف فادى أن من السهل تمييز أى طفل مشترك فى الكشافة عن الآخرين، والطفل نفسه يشعر باختلافه فهى سلوك أكثر منها نشاطاً، ويقول أيضا «الطفل لازم يبات فى مخيم فى بداية انضمامه للكشافة، ويكون فى صحراء مثلا وداخل خيمة، ويكون مسؤولاً عن أكله فيولع حطباً وناراً ويطبخ عليه، أو لو فى البحر بيتعلم يصطاد أكله، وقضاء حاجته فى الخلاء»، يدخل أمير فى الحوار مع فادى فيقول: «الكشافة بتنمى عند الطفل روح المغامرة والجرأة، ويتكيف مع كل الأوضاع والتعامل مع الطبيعة»، يكمل فادى حديثه فيعدد أكثر الأماكن شهرة للتخيم فى مصر «مرسى علم، نويبع، طابا، العين السخنة، سيوة غير المخيمات الدولية فى فرنسا ولبنان»، ومن ميزة الكشافة من وجهة نظر فادى أنها ليست مرتبطة فقط بالكنيسة ولكنها موجودة فى المجتمع ككل، فهناك الاتحاد المصرى للكشافة يشارك به كل المصريون، وعن خدمات الكشافة يقول: «إننا نشارك داخل الكنيسة فى تنظيم الاحتفالات، وجمع الأموال لخدمة رسالة محددة آخرها كان تنظيم حفل لجمع الأموال لترميم كنيسة البازيليك بمصر الجديدة فى مئويتها وهى الكنيسة المدفون فيها البارون إمبان مؤسس حى مصر الجديدة، أيضا تشارك الكشافة فى الحفاظ على الأمن داخل الكنيسة بتنسيق مع أمن الكنيسة ففى ليلة الاحتفال بالكريسماس شارك فادى كمسؤول عن الكشافة فى تفتيش 150سفيرا وأخذ هواتفهم المحمولة والكاميرات وتسليمها لهم بعد القداس».
«أنا أخويا كان فى الإسكندرية وقت التفجيرات فأول حاجة جت على بالى اتصل به، لكن الحمدلله مكنش فى كنيسة القديسين وقتها، بس صاحبة بنت خالتى تقريبا عيناها راحت فيها ومن الناس القريبة منى فمحسيتش الموضوع بعيد عنى»، ويتذكر أمير فى هذة اللحظة الأحداث المشابهة لتفجيرات رأس السنة كأحداث نجع حمادى مما جعل لديه يقين أن هذا ممكن يتكرر مرة أخرى، يأخذ فادى الخيط فيقول «أول مافتحت عينى وصلنى الخبر فقلت اصطبحنا على الصبح» يسكت قليلا ثم يضيف «ثورة الناس مش حل دى طريقة تعبير فالشخص ده مغسول مخه ومقرر إنه نازل يعمل حاجة هو مقتنع بها تماما وده راجع للجهل والفقر اللى فى البلد»، ويكمل فادى حديثه: «مكنتش مستغرب لما سمعت اللى حصل، لأنها كانت متوقعة خصوصا بعد اللى حصل فى العراق، وده كان واضح من زيادة عدد أفراد الأمن حول الكنائس».
يقول أمير فى النهاية إننا لابد أن نعلم الأطفال فى المدرسة أنهم لازم يكونوا الأمن على غيرهم، «زى ما هما عايزين يحسوا بحياة آمنة، فكل واحد لازم يحس بمسؤوليته ناحية حماية غيره، كده الأمن هيزيد من خلال الناس نفسهم».