أكد الفنان السورى جمال سليمان أن نظام بشار الأسد فقد جزءاً من شرعيته، وأشار إلى أن عملية إسقاطه ستكون مكلفة للغاية، وأوضح أن ما يحدث فى ليبيا واليمن يحمل دروساً لابد أن يستفيد منها الإنسان، مطالباً المعارضة السورية بعدم التشدد.
وقال «سليمان» فى الجزء الثانى من حواره مع «المصرى اليوم»: «يجب على النظام ألا يراهن على الفوضى، فالشعب السورى من الصعب أن يتنازل عن مطالبه لأن طريق التضحيات قد بدأ بالفعل»، وأضاف: هناك شخصيات فى النظام خونت الوسط الفنى واعتبرته ناكرا للجميل باعتبار أننا تمتعنا برعاية مباشرة من رئيس الجمهورية، وهو ما لا أنكره»، وإلى نص الجزء الثانى.
■ أنت متهم من قبل السلطات السورية بأنك أيدت التظاهر وفى الوقت نفسه يضعك الثوار ضمن القوائم السوداء لعلاقتك بالنظام.. كيف ترى موقفك الآن؟
- لا أعرف إن كان الثوار الحقيقيون هم من يضعون هذه القوائم أم أنهم مجرد أشخاص يمارسون الفعل الثورى فى أوقات الفراغ على الـ«فيس بوك». فى البداية قلقت جدا من ذلك لأنى لا أحب أن يخيب أمل الناس فىّ، ولأنى أحمل قناعات قلتها فى السر والعلن دون أن أغير بها شيئاً وكان حولى من يخاف علىّ ويطلب منى أن أتجنب ذلك خوفا على وضعى كفنان لأنك تعرف ويعرف الناس أنه أصبح من السهل أن تنظم حملات تشويه سمعة لأى شخص عبر وسائل الاتصال الحديثة . الموضوع لا يكلفك أكثر من شخصين بلا ضمير وبلا أسماء حقيقية يجلسان على الإنترنت ساعتين كل يوم لمدة خمسة أيام وتتم تصفية الشخص المطلوب. لكنى وبصراحة تجاوزت هذا الأمر ولم أعد أتابع مواقع القوائم، لأن الأمر بالنسبة لى أكبر بكثير من ذلك. أضف إلى ذلك أن هذه القوائم تحمل بالنسبة لى رائحة الإرهاب الفكرى وتذكرنى بعقلية العصور الوسطى. هذه حرب إعلامية كبيرة يخوضها هواة ومحترفون، شرفاء وأنذال. لكنى كشخص أريد أن أتحرر من ذلك وأقول ما أقتنع به ولو كنت غير ذلك لما كان هذا الحوار. وقد أكون مخطئاً فى بعض القناعات ولكنها فى النهاية قناعاتى ولن أضطر إلى أن أجامل أى طرف على حساب الحقيقة كما أراها بحثا عن مكان فى قائمته.
■ الآن كيف ترى مستقبل سوريا فى ظل الأوضاع الحالية؟
- أمنيتى الكبيرة كمعظم السوريين أن يحدث تغيير بأقل ثمن ممكن. وأقصد بهذا التغيير سوريا كوطن واحد وحر وموحد وسوريا كبنية تحتية ومرافق وملكيات خاصة وفوق كل ذلك كإنسان، وأمنيتى أن يحدث ذلك فى أسرع وقت ويكون لدى الأكثرية الاستعداد للدخول فى حوار سريع لأنه لم يعد هناك وقت.
■ هل فكرت فى النزول إلى المظاهرات التى تطالب بالإصلاح فى سوريا؟
- الحكاية ليست فى أن أنزل المظاهرات أم لا، وأعتقد أن ما أقوم به من نشاط عبر وسائل الإعلام محدود، بسبب حساسيتى المفرطة تجاه أى شخص يحاول أن يصنع نجومية على حساب تضحيات الناس، وأى شخص حاول أن يركب الموجة ويصنع من نفسه بطلاً، ولا أريد أن أصور نفسى على أننى بطل وفى الوقت نفسه لا أريد أن يصور رأيى الحر باعتباره خيانة للناس، وكل ما أريده أن أدلى بقناعاتى فى حدود أراها مناسبة، وقد يكون ذلك مفيداً الآن فى هذه المرحلة أكثر من نزول المظاهرات.
■ وهل تتفق مع الرأى الذى يفيد بأن النظام السورى فقد شرعيته؟
- أحاول أن أتجنب هذه العبارات، لأنى أريد الحل بأقل ثمن، فلا شك أن النظام السورى فقد جزءاً كبيراً من شرعيته، ولا أنكر أنه أخطأ كثيراً عندما اعتمد على الحل الأمنى، وإذا قلت إنه فقد شرعيته فلن يكون هناك طرف آخر أحاوره، بل طرف أريد إسقاطه، وبرأيى أن عملية إسقاط النظام ستكون مكلفة للغاية لأنى أشاهد ما يجرى الآن فى ليبيا واليمن وغيرهما، وهى دروس لا بد أن يستفيد منها الإنسان، وأطالب المعارضة بألا تكون متشددة فى ذلك، كما يجب على النظام ألا يراهن على الفوضى لأن الشعب السورى من الصعب أن يتنازل عن مطالبه لأن طريق التضحيات قد بدأ بالفعل.
■ وهل تتفق مع جميع مطالب المعارضة؟
- بالتأكيد، مادام جميعها تحت سقف الوطن، وأعنى بذلك وحدة التراب السورى وكرامة الإنسان والشراكة فى الوطن والحريات السياسية والتداول السلمى للسلطة وسيادة القانون ودولة المؤسسات والحياة البرلمانية الحقيقية.
■ وكيف ترى عمليات التخوين التى انتشرت الآن داخل المجتمع السورى، خاصة بين الفنانين؟
- نحن كشخصيات فنية معروفة، وقعنا تحت ضغط شديد جداً حتى من قبل زملائنا، وهناك شخصيات فى النظام خوّنتنا بعد أن أصدرنا أول بيان لنا واعتبرونا ناكرين للجميل باعتبار أننا كوسط فنى تمتعنا برعاية مباشرة من قبل رئيس الجمهورية، وهذا لا أنكره، لأن السيد الرئيس قدم دعما معنوياً كبيراً للحركة الفنية السورية، خاصة التليفزيونية، ووقف بجانبنا فى كثير من معاركنا مع الرقابة، وبناء عليه نظر إلينا باعتبارنا كنا متمتعين بوضع مميز، فكيف ننسى كل ذلك ونعتبر الذين سقطوا فى المظاهرات شهداء أو أن التظاهر حق مشروع للتعبير عن المطالب وكيف لم نأت على ذكر الرئيس بعبارات التمجيد المعروفة. كل ذلك اعتبر من قبل البعض خيانة ونكراناً للجميل. كما أن بعض المعارضين نظروا لهذا البيان على أنه نوع من الخيانة للشارع وممالأة وانحياز للنظام لأنه أشاد بالخطوات الإصلاحية التى عبرت عنها مستشارة الرئيس فى أول بيان حول الأوضاع فى سوريا، كل تلك الضوضاء حدثت رغم أن البيان تضمن رسالة واضحة جداً لمن يريد أن يقرأها. صحيح أن الأحداث الآن تجاوزته، لكنى لا أزال مؤمناً بجوهره ولم أندم أبداً على أننى كنت من الموقّعين عليه.
■ ولماذا رفضت التوقيع على باقى البيانات التى طرحتها المعارضة؟
- لم يطلب منى أن أوقّع على معظمها. واعتذرت عن عدم التوقيع على بعضها لأسباب مختلفة، أهمها أننى أردت أن أكتفى بالبيان الذى وقّعناه فى الأيام الأولى للأحداث، والسبب الآخر أننى أحب أن أقوم بواجبى وألعب دورى بطريقتى أنا وبلغتى أنا ليس لأننى أفهم أكثر من غيرى ولا لأننى أؤمن بالعمل الفردى ولكن لأن لدىّ حذراً ربما كان مفرطاً مما يجرى، وفى النهاية المهم بالنسبة لى أن نتفق على الجوهر سواء عبّرنا عن ذلك ببيان أو لقاء صحفى كلقائى هذا معك. وأعود وأقول إننى أعتبر نفسى شخصاً حراً وأساهم فيما يحدث فى الشأن الوطنى بقناعاتى وبطريقتى. والمسألة الوطنية تحتاج إلى حس عال بالمسؤولية وأنا أمارس هذه المسؤولية من وجهة نظرى الخاصة، ولن أكون غير ذلك لأسعد أى طرف من الأطراف.
■ ولماذا يُنظر لأغلب الفنانين باعتبارهم أشخاصاً حققوا مصالح خاصة نتيجة علاقتهم الشخصية بالرئيس؟
- لأن بعض الناس لا يرون ذلك ضمن إطار الشأن العام، بل فى إطار المصلحة الشخصية. والدراما السورية دائما كانت مشغولة بالهم السياسى والوطنى وقد تعرضت لكثير مما يدور فى الشارع الآن من حيث الفساد وانعدام حرية التعبير وتجاوزات الأجهزة الأمنية واستخدام النفوذ وغيرها من المواضيع التى كانت السبب المباشر فى تحريك الشارع اليوم. وأرى أن المثال الحى والنموذجى على ذلك من وجهة نظرى هو مسلسل «خان الحرير» الذى قال إن الدولة الأمنية لا يمكن أن تقدم حياة محترمة للمواطن، ولا يمكن أن تحمى المبادئ والقيم مهما كانت نبيلة، بدليل أن الدولة الأمنية التى أنشئت فى زمن الوحدة لم تستطع أن تحمى الحلم العظيم وهو حلم الوحدة، وإن أحد أهم أسباب انهيار الوحدة بين مصر وسوريا هو تسلط الأمن والعسكر على الحياة السياسية وإلغاء دور الأحزاب وحرية الفكر والحياة البرلمانية، وهذا ما أدى إلى الخروج من حلم الوحدة، وقد أثار المسلسل ردود فعل كبيرة فى الشارع وصراعا مع بعض العناصر السياسية، وقد حاولت جهات أمنية عديدة وقف المسلسل لأن الحرية والقبضة الأمنية أكثر ما تعانى منه سوريا منذ زمن طويل، وكنا دائماً خلال لقاءاتنا مع الرئيس نناقش هذه الموضوعات، والحقيقة أنه فى كثير من المرات كان منحازاً لنا.
■ لكن ذلك لم ينعكس على أرض الواقع!
- هناك كثير من المسلسلات ناقشت ذلك، ولولا تدخله لما ظهرت للنور.
■ أقصد انعكاسه بين المواطنين!
- كان ظهوره فى المسلسلات ملمحاً من بشائر المشروع الإصلاحى، وكان الأمل أن يعمم ويصبح هذا الملمح جزءا من مشروع إصلاحى كامل فى الشارع والبيت ومناحى الوطن السورى، لكن هذا تأخر كثيراً. قد يكون هذا التأخير مرتبطاً بدواع أرى بعضها موضوعياً منه حكاية دخول أمريكا للعراق وما حدث فى لبنان وعملية التغير السياسى والعسكرى الضخم الذى بدأ يحدث فى المنطقة وعلى حدود سوريا بالذات وهذا موضع تقدير وأعيه جيداً. لكن هذا مبرر غير كاف، ورأيى أنه كان لدينا وقت متاح وكاف لأن نسير فى المشروع الإصلاحى الذى لو حدث لجعل سوريا أكثر قوة. ولا أجد تناقضا بين الصمود والإصلاح. بل العكس هو الصحيح. ولا أعرف أن الدول الديمقرطية بسبب ديمقراطيتها تتنازل عن حقوقها بينما الدول الشمولية تنجح فى استرداد حقوقها. وصمود سوريا مع انطلاق مشروعها الإصلاحى كان سيقويها ولا يضعف أحدهما الآخر، لكن مع الأسف لم يحدث ذلك.
■ وما رأيك فى اعتقال مجموعة من الفنانين والمثقفين مؤخراً بعد مشاركتهم فى المظاهرات؟
- هذا ما أزعجنى للغاية، وأرى أنه خطوة فى الاتجاه الخاطئ بالنسبة للنظام، ومن وجهة نظرى فهو مدان.
■ هل ترى أن الإعلام السورى يقع فى الخطأ نفسه الذى وقع فيه الإعلام المصرى أثناء الثورة؟
- هذا حقيقى، وأحد أسباب انفجار الأزمة هو الإعلام الضعيف الذى يخضع لوصايا ليس لها أفق.
■ وهل كان ظهورك فى التليفزيون الرسمى بتوجيه من النظام كما يحدث مع البعض الآن؟
- لا أعرف إن كان هناك توجيه رسمى باستضافتى أم لا. لكنى أعرف أننى لم أقل إلا قناعاتى ولم يُمل علىّ شىء. والحقيقة أننى لم أتردد فى قبول الاستضافة لأننى كنت حريصا على أن أقول رأيى على الهواء مباشرة وعلى التليفزيون السورى الرسمى.
■ ألا تخشى وضعك فى القوائم السوداء سواء للنظام أو المعارضة بسبب آرائك؟
- بالتأكيد لا، لأننى لا أعرف من الذى يضعنى فى قوائم الشرف أو القوائم السوداء ولا على أى أساس يفعل ذلك، حتى فى الصحافة المصرية يقال «الموقف المخزى لجمال سليمان» دون أى شرح ما هو هذا الموقف، وبصراحة لا أريد أن أدخل فى لعبة الإعلام الآن فرغم أنه يقوم بدور عظيم فى تنوير الناس فإن بعضه يقوم على التربح بثورات وتضحيات الشعوب كما أنه يريد أن ينظف نفسه بدماء الآخرين.
■ ولهذا رفضت التعليق على الأحداث فى الفترة الماضية!
- كثير من السوريين وأنا منهم لم ننتظر اندلاع الثورات وسريان الدماء كى نقول رأينا. فأنا واحد من السوريين الذين عبروا عن رأيهم عندما كان الهدوء يعم البلاد، لكنى كنت أعرف أنه هدوء لن يدوم لو بقيت الأمور على ما هى عليه. ففى 2006 عندما طالبت بتغيير الدستور وإلغاء المادة الثامنة منه، التى تمنع تداول السلطة بشكل سلمى وديمقراطى واعترضت على الحق الحصرى لحزب البعث فى حكم سوريا، تضايق منى الكثيرون من العاملين مع النظام، وقاموا بإعطاء توجيهات لوسائل الإعلام بالتعتيم على أخبارى تماماً كفنان والاكتفاء بتوجيه الشتائم لى، وفى المقابل اعتبرت بعض الأقلام المعارضة أن ما قمت به كان بتخطيط من النظام الذى أعطانى بزعمهم الضوء الأخضر كى أقول ما قلت رغبة منه فى أن يعبر عن وجه ديمقراطى. هل عرفت الآن لماذا أتعامل بحذر مع هذه المواضيع؟
■ كيف ترى المد الدينى فى المجتمعات العربية، وهل ترى أن القوى الإسلامية مؤثرة أم لا؟
- خلافاً لما يقوله كثير من المثقفين، أعتقد أنها مؤثرة جداً، ولا شك أن النظام كان يستخدمها كفزاعات لإخافة الناس، لكن الخلاف الآن على حجمها، فهل هى فزاعات حقيقية أم غير حقيقية؟ هل هى وهم أم حقيقة؟ وبرأيى أنها حقيقة وقد تلجأ فى لحظة من اللحظات للعنف مستخدمة بعض النصوص القرآنية باعتبار أن ما تفعله جزء من الجهاد الذى سيوصلهم إلى الجنة، وهناك شيئان يجب ألا ننساهما: أولا أننا فى مجتمعات إسلامية، والإسلام مكون رئيسى لثقافتنا وتراثنا وعلاقتنا مع العالم، الشىء الثانى أننا لا يمكن أن نرى مستقبلا محترما حتى كمسلمين إذا حُكمنا من قبل أحزاب دينية متشددة لأن التشدد والتطور لا يلتقيان على الإطلاق. من هنا قلت لك فى البداية إن المشوار مازال طويلا، والثورة يجب أن تتبعها ثورات فى العقل والوجدان والمفاهيم، ولابد من ثورة داخل الإسلام نفسه كى نزيل عنه ما اخترعناه عبر القرون وألبسناه لباس القداسة كى نصل لإسلام وسطى يتفق مع قيم المعاصرة والحداثة، وهذا بتصورى لا يتم عبر الدولة الدينية بل عبر الدولة المدنية. إننى أؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع.
■ هل تخشى من عدم دخول سوريا مرة أخرى بسبب آرائك ضد النظام؟
- بالتأكيد أقلق ليس من هذا حصرا، لكن من كل أشكال التعصب الأعمى الذى يمارس على عقول الناس، وهذا السلوك الإرهابى أصبح مع الأسف موجوداً فى سوريا.
■ إذا عدنا للفن، كيف تعايشت مع شخصية شكرى عبدالعال؟
- شكرى ليس شخصية وطنية وحسب، بل مجموعة من الشخصيات المترابطة وأحيانا المتناقضة. وهذا حال كل شخص فينا. فشكرى عبدالعال له أكثر من وجه، فهو بطل فى نظر الشارع الذى يسكن فيه، وحاول أن يخدم هذه الصورة لكنه مع بناته الأب المكسور العاطل عن العمل الذى لن يستطيع تزويجهن بسبب وضعه المالى. أما مع حبيبته فهو العاشق الخمسينى الذى يريد أن تطغى مشاعره النبيلة على غرائزه كرجل وحدانى يعيش دون امرأة منذ زمن. ومع شباب الشارع هو البطل والقدوة والمثل والأب الروحى. كل هذه الصور يريد أن يحافظ عليها بأى ثمن، لكنه أحيانا يخفق. أما مع عبدالعزيز الطالب فى كلية الطب الذى يعرف كل أسراره فهو الرجل بالمعنى الأرعن والحياتى للكلمة لأنه لم يستطع أن يتخذ لنفسه من رجال الحى صديقا من عمره فتورط بهذه الصداقة مع شخص يصغره سنا وكان يتمناه زوجا لابنته. كانت الصعوبة فى كيفية تقديم كل هذه الوجوه مع الحفاظ على وحدة الشخصية، ورغم ذلك فأن الشخصية تعد جذابة بالنسبة لى لأنه من غير الجذاب أن تقدم شخصية نمطية.
■ لكنك تبدو فى هذه التجربة أكثر تحررا من الأعمال السابقة!
- قد يكون ذلك حقيقيا، لأننى سعيت لأن أحصل على حيز كبير من التلقائية وتعلمت مع الزمن أن أثق فى نفسى وأتركها على راحتها، وأعترف بأننى لم أكن كذلك فى البدايات، وكنت أحسبها جداً، وكان الطابع العقلانى يسيطر على أدائى ورغم أن ذلك ليس سيئاً فإنه كان ينقصه جزء من الروح واكتسبت هذه الثقة بعد أن نجحت فى تقديم أعمال بلهجات مختلفة عن اللهجات التى اعتدت عليها.
■ ما حقيقة تقديمك عملاً بعنوان «أنا وصدام»؟
- كنت سأقدم العمل لولا أنه لم ينجز فى الوقت المناسب، كما لاحظت أيضاً أن معظم الفضائيات العربية تتجنب هذا الموضوع دون أن أعرف السبب الحقيقى، وكانت رؤية المحطات أن الموضوع حساس، وأنها تخشى من الدخول فى هذه القضايا الإشكالية التى قد لا تتفق مع فكرها السياسى، وتدور أحداث المسلسل حول شخص يتعرف على صدام حسين فى إحدى مراحل حياته وبعد وفاة صدام يذهب ليبحث عن ابنه فى العراق الذى انضم للمقاومة، وقد انعكس لقاؤه مع صدام على عملية البحث عن ابنه ومن خلال رحلته نرى كيف تحولت الحياة فى العراق، وأؤكد أن العمل لا يدافع إطلاقا عن صدام لكن المشكلة أن أى تفكير حول العراق أصبح يقتصر إما على الإدانة أو الدفاع عن صدام، وهذا ليس موضوعنا، فالمسلسل يتعرض للعراق اليوم الذى تحول إلى دولة طائفية، وأصبح شبح التقسيم قائماً مادام هناك نزاع عرقى وطائفى، وأى شخص يتأمل المشهد يرى ذلك.
■ هل تضطر أحياناً إلى تقديم أعمال سورية حتى لا تتهم بالانحياز للأعمال المصرية؟
- بالتاكيد لا، لأننى أحب الدراما السورية، وأعتبر نفسى واحداً من الذين ساهموا فى بنائها، وهى بيتى الأول، ولها فضل علىّ لأنها جعلت منى نجماً على مستوى العالم العربى، كما أننى أحب طريقة العمل بها، والناس تعلم أننى مُقِلّ بطبعى وأقدم عملاً واحداً فقط فى العام أو عملين على الأكثر، أحدهما تاريخى والآخر معاصر، لكن عندما حضرت إلى مصر كان من الصعب أن أقدم عملين لأن العمل المصرى يتطلب منى وقتا ومجهوداً كبيرين جداً وفى العام الذى لا أعثر فيه على عمل مصرى مناسب كما حدث فى 2008، قدمت مسلسلين «أهل الراية» و«فنجان الدم» وكان من المقرر هذا العام أن أقدم مسلسل «أنا وصدام» لولا ظروف كتابته، لذا فأنا لا أتأخر عن الدراما السورية إذا توافرت لى الفرصة.
■ لماذا رفضت عرضاً مغرياً من إحدى شركات الإنتاج مقابل عرض أقل لشركة العدل فى مسلسل «الشوارع الخلفية»؟
- أعتقد أن قرارى احترافى من الدرجة الأولى، لأن العمل أهم من المادة من وجهة نظرى، وعندما قررت العمل مع شركة «العدل» كنت أضمن على الأقل جودة العمل، وأنه سيخرج على مستوى فنى مُرضٍ، لكن اختيارى للأجر الأكبر كان سيحرمنى من أى ضمانات تخص العمل نفسه، لذا عندما طلب منى جمال العدل تخفيض أجرى بسبب الثورة لم أتردد لأنه من مصلحتى أن تظل هذه الشركات تعمل لأنها لو توقفت عن الإنتاج سأتوقف وأجلس فى بيتى، ومن الواجب أن نساند بعضنا البعض فى هذه الظروف، لأننا نعمل فى منظومة واحدة، وأرى أن مسلسل «الشوارع الخلفية» مغامرة كبيرة فى ظل الأوضاع العادية، فكيف عندما أرى منتجا متحمسا له فى هذه الظروف هل أتخلى عنه وأتركه؟!
■ لماذا ينظر لمثل هذه الأعمال التليفزيونية على أنها بلا ذاكرة أو تاريخ مقارنة بالأعمال السينمائية؟
- أرى أنها مقاييس غير صحيحة بالمرة، فهناك أعمال تليفزيونية لها أثر أهم بكثير من أعمال سينمائية عديدة، وأرى من وجهة نظرى أن مسلسلاً مثل «الجماعة» أفضل من نصف السينما المصرية، كما أرى مسلسل «التغريبة الفلسطينية» أفضل من ثلاثة أرباع ما أنتجته السينما السورية، فصناعة الدراما التليفزيونية لها عدة طرق فى صناعتها مثل الفيلم السينمائى، وهناك أفلام تصنع فى 15 يوماً فقط لتعرض فى العيد، وأعتقد أنها ليست سينما، كما أن المسلسلات الآن أصبحت تضم لغة سينمائية متطورة، وأعتقد أن الأيام المقبلة ستشهد تطوراً كبيراً على مستوى الدراما التليفزيونية، بينما ستظل السينما المصرية فى مكانها، وأرجو أن أكون مخطئا إلا لو حدث تغير كلى فى نمط التفكير فى عملية إنتاج الفيلم السينمائى فسيكون المخرج الوحيد هو الموضوع وليس النجم.