أسرة فيلم «الوتر» فى ندوة «المصري اليوم»: «الوتر» تجربة موسيقية تعيد الثقة فى السينما

كتب: نجلاء أبو النجا الثلاثاء 04-01-2011 16:30


يقترب فيلم «الوتر» من فكرة الحلم السينمائى، الذى تمتزج فيه الموسيقى بالسينما باللوحات، من خلال رحلة داخل النفس البشرية لتسود حالة من الغموض الممتع. الفيلم كان حلماً عند المخرج مجدى الهوارى، وكانت الصعوبة أن يلتقى هذا الحلم، مع حلم السيناريست محمد ناير، ليخرج عملاً فنياً على أرض الواقع.


«الوتر» يمثل تجربة مهمة ومختلفة وقوية عند كل من شارك فيه، فقد أخرج أفضل ما عندهم من قدرات فنية ومشاعر إنسانية فى هذا العمل الذى يمثل حالة فنية فريدة من نوعها.


قدم «الوتر» مجدى الهوارى كمنتج ومخرج شديد الاختلاف، وجسدت فيه غادة عادل أجرأ أدوارها وأنضجها على الإطلاق، وخرج مصطفى شعبان من حيز الضابط التقليدى أداء وشكلا ومضمونا، وكذلك أروى جودة وأحمد السعدنى، وباقى أبطال الفيلم الذين اختصوا «المصرى اليوم» بندوة تحدثوا فيها عن تفاصيل الفيلم، وأدوارهم والتجربة الموسيقية والنقلة الفنية، التى يرون أن الفيلم حققها على المستوى السينمائى.


■ «المصرى اليوم»: كيف جاءت فكرة فيلم «الوتر»؟


- مجدى الهوارى: البداية كانت حلماً بالمعنى الحرفى للكلمة كان يطاردنى دائما، فيه فتاتان تعزفان على آلتى الكمان والتشيللو، وبينهما سر غامض، وظلت هذه الصورة عالقة فى ذهنى حتى التقيت بالصدفة بالمؤلف محمد ناير، وعندما حكيت له الحلم، وجدت لدية قصة مثيرة جداً.


- محمد ناير: أنا أيضا كان يطاردنى حلم غريب جداً فيه فتاة غامضة تقود سيارة سوداء فى ليلة شتوية ممطرة، ثم تنزل من سيارتها وتجرى على البحر، وبعدما تحدثت مع مجدى، وجدنا الحلمين مشتركين إلى حد كبير، فقررنا تجميعهما فى فيلم واحد يتناول علاقة غامضة بين اختين، إحداهما تعزف على الكمان والثانية تعزف على التشيللو، وتدور أحداثه على صوت مقطوعة موسيقية تتكرر.


■ «المصرى اليوم»: الفيلم يتناول تحقيقاً فى جريمة قتل، فكيف جاء الربط المباشر بين الموسيقى والجريمة؟


- مجدى الهوارى: لم أحلم بتقديم فيلم يتناول جريمة قتل، فهذا شىء عادى، بل كنت أريد تقديم هاتين الفتاتين فى حكاية بطلها الأساسى الموسيقى، فكتب «ناير» جريمة قتل مشوقة، وطبعا كنا ندرك صعوبة عمل فيلم تشويق فى إطار موسيقى، فبحثت فى الأفلام الأجنبية «الموسيقية» التى تتناغم فيها الجريمة مع الموسيقى، فوجدت فيلما واحدا بعنوان «الكمان الأحمر»، وهو الفيلم الوحيد تقريبا الذى وجدته يقدم الجريمة فى قالب موسيقى.


■ «المصرى اليوم»: لكن تنفيذ فيلم من هذه النوعية شديد الصعوبة؟


- مجدى الهوارى: أكثر الصعوبات التى واجهتنا أثناء التنفيذ هى أن إيقاع الفيلم لابد أن يكون مختلفا عن كل الأفلام، ليتناسب مع الأجواء الموسيقية التى تسيطر على أحداثه، لذلك تعمدنا أن يكون السرد أشبه بالقصة المكتوبة على شكل أبيات شعرية، سواء فى تقديم الشخصيات، أو تتابع الأحداث لأنه الشكل الوحيد الذى يخدم الروح الموسيقية المسيطرة على الفيلم، لكن واجهتنا صعوبة أخرى وهى أن حكى تاريخ الشخصيات قد يقطع القالب الموسيقى ويشتت المشاهد، لذلك كان يجب أن نسرب التفاصيل بحرص شديد حتى لا نقطع الإحساس بالموسيقى، وساعدنا فى ذلك المونتاج البارع للمونتيرة غادة عز الدين.


■ «المصرى اليوم»: وما الدافع وراء تقديم فيلم ينتمى لهذه النوعية البعيدة عن السينما التجارية؟


- مجدى الهوارى: الدافع هو عمل سينما محترمة تعيد ثقة الجمهور فينا كصناع سينما، وهذا سبب حماسى الشديد للفيلم، الذى قررت أن أخرجه وأنتجه أيضا، وبحثت عن شريك فى الإنتاج، وقابلت المنتج وليد صبرى الذى عرضت عليه معالجة الفيلم المبدئية، ورحب بفكرة الفيلم وأكد أنه سيشاركنى فى إنتاجه للتشجيع على تقديم أعمال مختلفة وهادفة.


■ «المصرى اليوم» : لماذا قدمتم الأحداث والشخصيات بجملة موسيقية أو لوحة مرسومة حتى إن كل مشهد كان يبدأ برسم، ثم يتحول إلى لحم ودم؟


- محمد ناير: لأنه كان يسيطر علينا أن يكون كل مشهد أشبه بلوحة فنية مرسومة أو جملة موسيقية مسموعة، لذلك وضعت فى السيناريو أسبابا قوية تبرر رؤية الشخصيات بشكل فنى، فالضابط كانت زوجته رسامة، والبطلتان عازفتان للموسيقى وأبوهما موسيقار وحبيبهما موزع موسيقى، إذن كل شىء فرض وجود حالة فنية على الأبطال، حتى إن الجملة الافتتاحية التى بدأ بها تيتر الفيلم كانت: «لو الحياة آلة موسيقية والناس أوتار، وفيه بينا وتر فاسد، يبقى لازم نظبط الأوتار عشان ميكونش فيه أى نشاز فى اللحن».


■ «المصرى اليوم»: كيف تم اختيار الممثلين لهذه الأدوار الصعبة وتحضيرهم لمثل هذه النوعية من السينما؟


- مجدى الهوارى: منذ بداية الفكرة وهناك شخصيات تظهر أمامى، وكان اختيار غادة عادل ومصطفى شعبان وأروى والسعدنى هو الأمثل، خاصة أنهم تحمسوا لتلك التجربة المختلفة مهما كانت النتائج، وقد حضرنا كثيراً على الورق للشخصيات كلها لذلك لم نتعطل أثناء التصوير أو نختلف فى أى تفاصيل.


■ «المصرى اليوم»: غادة عادل قدمت دوراً أقرب إلى الشر والجرأة، بالإضافة إلى أنه مركب نفسيا، لماذا قبلت الدور، وما رأيك فى التجربة؟


- غادة عادل: عندما قرأت السيناريو شعرت بالخوف من الفكرة رغم إعجابى بها لأنها جريئة وصعبة، لكنها تجربة مهمة بالنسبة لأى ممثل، وشخصية مثل «مايسة» تلك الفتاة الغامضة الماجنة الشريرة والطيبة والمعقدة والمظلومة فى نفس الوقت كانت ترعبنى، كنت أخشى أن أقدمها فتخرج طيبة فقط أو شريرة فقط أو معقدة فقط، خفت أن يطغى أى جانب منها عليها لأنها حالة مركبة ولا يمكن تلخيصها فى مسمى واحد فقط، لكن بدأت التحضير بأحاسيس الشخصية، وساعدنى «مجدى» و«ناير» كثيرا فى فهمها، وذهبت إلى طبيب نفسى ليشرح لى انفعالات وأحاسيس فتاة تعرضت للاغتصاب وهى فى عمر السابعة بعد رحيل أبيها، وقال لى إنها لابد أن تكون متبلدة الأحاسيس وصخرية الملامح من شدة ما عانت منه، وفعلا قدمت الشخصية فى إطار نصائحه، وغيرت شكلى ولونت شعرى بالأحمر النارى وغيرت شكل حاجبى وملابسى حتى أقترب من «مايسة».


■ «المصرى اليوم»: مصطفى شعبان قدم شخصية ضابط المباحث الذى يبحث عن الحقيقة، ويعانى من حالة أرق دائمة وعقدة ذنب، وهو شكل لم يظهر من قبل على الشاشة المصرية؟


- مصطفى شعبان: شخصية الضابط «محمد سليم» غير تقليدية على الإطلاق وهى مغامرة لأن الناس اعتادت على الضابط اليقظ القوى الباحث عن المجرم بيد من حديد مهما كانت ظروفه، لكن «سليم» كان فناناً حالماً وإنساناً مهزوماً قبل أن يكون ضابطاً يبحث فى جريمة قتل، فهو يعيش تحت عذاب الضمير وعقدة الذنب بأنه قتل زوجته خطأ، ولذلك لا يستطيع أن ينام أو يشعر براحة، وقد أصر الهوارى على ألا أنام فى الحقيقة، وجعلنى أستيقظ لأيام متتالية، وعندما تصيبنى حالة فقدان التركيز والتلعثم فى الكلام، كان يصور مشاهدى حتى أبدو طبيعيا، وبصراحة أتعذبت وأنا أصور الدور.


■ «المصرى اليوم»: ألا ترى وجود تشابه بين شخصية «محمد سليم» وشخصية ضابط يعانى من الأرق قدمها الممثل الكبير آل باتشينو فى فيلم «أرق»، فهل تأثرت بها؟


- مصطفى شعبان : طبعا لم يكن فى حساباتى أى شخصية ضابط تم تقديمها فى السينما المصرية أو العالمية، و عندما قرأت السيناريو، لم يخطر على بالى أى وجه للمقارنة بين الفيلمين «الوتر» و«أرق»، فشخصية «محمد سليم» الضابط الفنان والرجل غير التقليدى كتبها هكذا المؤلف محمد ناير.


■ «المصرى اليوم»: أروى جودة قدمت دور «منة» الفتاة الهادئة التى تخبئ سراً غامضاً رغم براءتها، كيف حضرت لهذه الشخصية، خاصة أنها النقيض لشخصية «مايسة»؟


أروى جودة: شخصية منة لم تكن سهلة على الإطلاق، فهى فعلا هادئة وغامضة وتبدو حالمة وطيبة جداً، وكان يجب أن يكون لها شكل خارجى يوحى بهذه الصفات، فظهرت طوال الفيلم بماكياج خفيف وشعر مصفف بشكل بسيط وملابس أقرب إلى الإنسيابية، لكن كانت المشاهد صعبة جداً، فالمفروض أن تلك الفتاة الهادئة تمتلك قدرة كبيرة جداً على الإقناع، وساعدنى أن المؤلف والمخرج حددا ملامح الشخصيات بدقة وكيفية تفاعلها مع الآخرين، لذلك سارت الأمور بشكل جيد أثناء التصوير، والصعوبة تركزت فى الحالة النفسية التى عشنا فيها أثناء التصوير، وعلى مدار عامين تقريبا، كان لابد ألا نخرج من نطاق تلك الحالة.


■ «المصرى اليوم»: أحمد السعدنى قدم شخصية الشرير الذى يلعب على الفتاتين، كيف تعاملت مع الشخصية؟


- أحمد السعدنى: شخصية الشرير أو الندل شخصية مكروهة دراميا، لكن شخصية «حسن راغب» فى الفيلم كان لى فيها وجهة نظر مختلفة، فأنا لا أعتبره شريراً لأنه وقع بالفعل فى حب الفتاتين رغم أنهما شقيقتان، فقد أحب فى كل منهما شيئا لا تملكه الأخرى، وهذا ما أحببته فى الشخصية رغم صعوبتها فى التنفيذ، فمثلا، مشهد القتل نفذته مع كل شخصيات الفيلم وكان صعباً جداً وبعض الممثلين اندمجوا وكدت أختنق بالفعل، وقد قبلت هذا الدور لحرصى على التواجد فى تجربة مختلفة ومهمة.


■ «المصرى اليوم»: هناك بعض المشاهد الجريئة لغادة تقترب من الإغراء فى الشكل والأداء، وتشابهت فى بعض الأحيان مع سعاد حسنى، فلماذا قبلت هذه المشاهد؟


- غادة عادل: أجمل ما سمعت عن دورى فى الفيلم أن البعض قال إنى ذهبت نحو سعاد حسنى فى بعض اللحظات وهذه شهادة أعتز بها، والحقيقة أن حالتى النفسية كانت سيئة جداً بسبب الاندماج فى شخصية «مايسة» المعقدة، ويبدو أن لعنتها أصابتنى، فقد كنت أبكى أحيانا بشكل هستيرى من شكلى الذى كرهته ومن المواقف الصعبة والضغط النفسى الذى وضعتنى فيه هذه الشخصية، أما جرأة بعض المشاهد فى الأداء، فبصراحة، لو لم يكن المخرج زوجى مجدى الهوارى، لما وافقت على وجودها، بل كنت سأرفض الدور كله.


■ «المصرى اليوم»: بدت غادة عادل وأروى أثناء عزفهما المقطوعات الموسيقية كأنهما محترفتان، كيف تم ذلك؟


- أروى: لم يقبل مجدى الهوارى أن تظهر العازفتان بشكل غير احترافى، لذلك تدربت أنا وغادة فى الأوبرا وسط مجموعات من المتدربات على آلتى الكمان والتشيللو لمدة ثلاثة أشهر يوميا، واندمجنا وسط العازفات حتى التقطنا بعض التفاصيل الصغيرة مثل قص الأظافر، وعدم ارتداء خواتم فى اليدين، وطريقة الإمساك بالآلة.


■ «المصرى اليوم»: لماذا استغرق تصوير الفيلم عامين؟


- مجدى الهوارى: طبيعة الفيلم هى التى فرضت مدة التصوير، لأن كل المشاهد تم تصويرها فى الشتاء، وقد بدأنا التصوير فى شهر مارس 2009 وصورنا فى آخر نوة شتوية، وكان يجب أن ننتظر النوة فى العام التالى حتى نستكمل المشاهد المتبقية، وقد تم تصوير معظم المشاهد الخارجية بالإسكندرية فى مسرح سيد درويش وشواطئ أبوقير والعجمى وأبوتلات والنادى اليونانى ومناطق فى وسط البلد القديمة، وقد حاولنا التغلب على الأحوال الجوية بتصوير بعض المشاهد باستخدام أجهزة المطر الصناعى.


■ «المصرى اليوم»: هل «الوتر» فيلم نفسى يستبطن النفس البشرية، أم فيلم يتحدث عن جريمة قتل؟


- محمد ناير: لا يمكن أن نصنفه بفيلم جريمة ولا فيلم نفسى، فهو فيلم يحاول الكشف عن أعماق النفس البشرية وكسر الحالة بالشكل الموسيقى لأن النفس البشرية من أعقد ما يكون والتعبير عنها قد يحدث حالة من الغموض لذلك دمجت الشخصيات البشرية بالموسيقى.


■ «المصرى اليوم»: كيف ترون المنافسة بين الفيلم والأفلام التجارية وحسابات السوق؟


- مصطفى شعبان: ليس معنى أن الفيلم راق وبه محتوى موسيقى أنه فيلم غير جماهيرى أو غير تجارى، بالعكس، الفيلم يعتمد على حدوتة ويتم سرده بشكل مشوق، وكل كلمة أو مشهد تغير الأحداث وتقلب الشخصيات، لذلك فهو طريقة جديدة ومحترمة للأفلام الجماهيرية.


- مجدى الهوارى: لا أنكر خوفى من حسابات السوق، خاصة أن التجربة جديدة تماما، لكن هذا لا ينفى ثقتى الكبيرة فى الجمهور، وأنه سيتقبل أى فن محترم ومبذول فيه مجهود كبير.


■ «المصرى اليوم»: الفيلم نقلة فنية لكل عناصره، فكيف سيكون التعامل بعد ذلك مع الأفلام والموضوعات المتاحة فى السوق؟


- مجدى الهوارى: بعد «الوتر» أعرف أننا فى موقف صعب جداً، وبالنسبة لى، قررت ألا أقدم أى عمل أقل فنيا منه حتى لو كان الثمن ألا أقدم أفلاما فى الفترة المقبلة، ولن أخضع للشكل التجارى الرخيص.


- غادة عادل: الفيلم نقلة فى حياتى الفنية، وسأحاول البحث عن الدور الذى يكمل هذه النقلة ويضيف إليها، رغم أن هذا صعب جداً لأن الأدوار الجيدة قليلة.


- مصطفى شعبان: بعد «الوتر»، تغيرت حساباتى، وأنتظر دوراً جيداً حتى لا أعود إلى الخلف.


- أروى: أشعر أن هناك أزمة بعد الفيلم بسبب حالة النضج التى حدثت للجميع والجهد الكبير الذى بذله كل أبطال وصناع الفيلم.


- أحمد السعدنى: رغم سعادتى بتجربتى فى الفيلم فإننى سأقبل أفضل ما سيعرض على لرغبتى فى تقديم كل الأدوار والنوعيات ولثقتى فى أن الأعمال الجيدة جداً قد تكون قليلة وإذا انتظرناها ورفضنا غيرها سنجلس فى بيوتنا بلا عمل.


- محمد ناير: تأكدت أنى أسير فى الاتجاه الصحيح، وأن الناس تتقبل أى فكرة جيدة بها مجهود، وهذا يسقط نظرية الاستسهال، ولدى أكثر من مشروع سينمائى قيد التحضير.