صابونة ليبيا.. وشاى العراق

عبد الناصر سلامة الإثنين 05-12-2016 21:48

فى سبعينيات القرن الماضى، وامتداداً لعقدين من الثورية والاشتراكية والهزيمة، كان المسافر إلى ليبيا يعود بهدايا، من نوع الصابونة، أو الشبشب لكل عزيز، ويعود من العراق بهدايا، من نوع باكو الشاى، ومعجون الأسنان لأهل البيت، كما كان يعود من المنطقة الحرة ببورسعيد بستة أكواب، أو متر وربع سموكن وديولين، على اعتبار أنها ضمن المصرح بإعفائها جمركياً، تسهيلاً على المواطن الذى راعت الدولة أن من حقه تفصيل بنطلون شارلستون، بعرض فتحة تصل إلى ٢٨ سنتيمترا، تتناسب مع ذلك الحذاء البوليتان غليظ الحجم.

بعد نحو ٥٠ عاماً متصلة من الحرمان والشقاء والعناء، واربطوا الحزام، تخيّل المواطن، فى لحظة ما، أنه قد ودّع جزءاً كبيراً من هذه الحالة، بفضل ذلك الانفتاح الكبير على العالم، وتلك الاستثمارات الواسعة التى شهدتها مصر خلال العشرين عاماً التى سبقت تاريخ الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، إلا أنه يوماً بعد يوم، وخلال العامين الأخيرين تحديداً، نكتشف أن الأمر أصبح سراباً أو وهماً، بفضل القرارات المتلاحقة التى تعيدنا إلى الماضى فى أبشع صوره! جديد الهدايا، هذه المرة، سوف يكون كيلو سكر من الصومال، أو كيلو أرز من اليمن، وهما من السلع الأوفر هناك، رغم ظروف البلدين، بعد أن أصبح سعر السلعة الأولى لدينا ١٨ جنيهاً، والثانية ١٢ جنيهاً، ولن يكون بمقدور أحد بالتأكيد التطلع إلى ما هو أبعد من ذلك، من نوع اللحوم أو حتى الأناناس.

فقد جاءت القرارات الأخيرة بزيادة الجمارك على ٣٦٤ سلعة، بما بين ٥٠ و٥٠٠٪‏ لتؤكد أننا مقبلون على سنوات عجاف، سوف يكون الكساد أهم سماتها، ذلك أننا نجد أنفسنا، يوماً بعد يوم، أمام قرارات ليست حمائية، بقدر ما هى قرارات حرمانية، وهو التعبير الذى أطلقه الدكتور محمود عمارة، الخبير الاقتصادى، خلال مناقشة مستفيضة معه حول هذه الأوضاع، مؤكداً أنه كان يجب أن تسبقها قرارات أخرى أكثر أهمية، تتعلق بتشجيع الإنتاج المحلى، كبديل لذلك الذى تم وضع عقبات أمام استيراده، حتى لا يفاجأ المواطن أن الدولة تحرمه ليس إلا.

العودة إلى سياسة الحرمان، أيها السادة، كانت يجب أن تراعى أن العالم قد تطور بما فيه الكفاية لصالح الانفتاح على كل السلع، وكل المنتجات دون استثناء، وأن البديل لطرد المنتج الأجنبى هو إنتاجه محلياً من جهة، وتجويد صناعته من جهة أخرى، حتى يستحق المنافسة والصمود فى الأسواق، إلا أن العكس هو الذى يحدث الآن، ذلك أنه بالتزامن مع التضييق على المنتج الخارجى، نجد أن المصانع المحلية تغلق أبوابها، المستثمر المحلى يهجر البلاد إلى غير رجعة، المستثمر الأجنبى أصبح من الماضى، بيروقراطية مزمنة وطاردة، فساد منقطع النظير، ماذا ننتظر إذن؟!

بعيداً عن مناقشة تفصيلية لعدد كبير من أنواع المنتجات التى تمت زيادة الجمارك عليها، مثل الأقلام الرصاص والجاف والحبر، وكأنها من الكماليات، أجد سؤالاً مهماً يطرح نفسه حول صدور قرارات بهذه الأهمية، دون الرجوع إلى البرلمان، أو إلى مناقشات مجتمعية بشأنها، حتى إن بعض القرارات أصبحت تصدر للتنفيذ بأثر رجعى، بما يخالف الدستور والقانون، مثل ذلك المتعلق بإعفاء الدواجن المجمدة من الجمارك، بأثر رجعى، اعتباراً من ١٠ نوفمبر، على الرغم من أن تاريخ صدور القرار هو ٢٢ نوفمبر، ليتضح فيما بعد أن القرار قد استهدف صفقات بعينها كانت متواجدة فى أحد الموانئ لحساب إحدى الشركات.

كل هذا يجعلنا نؤكد على أهمية الشفافية فى التعامل مع مثل هذه القرارات المصيرية، وهو الأمر الذى كان يستوجب مسبقاً، إعفاء مستلزمات الإنتاج من الجمارك، سواء فيما يتعلق بمستلزمات الـ٣٦٤ سلعة، قبل أن نُفاجأ أنها اختفت من الأسواق تماماً، المحلى منها والمستورد، أو ما يتعلق بمستلزمات إنتاج الدواجن أيضاً.