بعد ليلة طويلة من الاشتباكات بين الأمن ومتظاهرين أقباط أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية عاد الهدوء من جديد إلى شارع خليل حمادة، الذى شهد انفجاراً أمام الكنيسة فى الدقائق الأولى من العام الجديد، ولم يعد غير آلاف المجندين والضباط والمئات من سيارات الأمن المركزى فى الشارع، يغلقون جميع مداخله ومخارجه، فيما اضطر السكان إلى ترك منازلهم والعيش مع الأقارب فى المناطق البعيدة عن الكنيسة، بسبب التواجد الأمنى، وأغلقت المحال أبوابها لليوم الرابع بعد الحادث.
صفوف الأمن المركزى تغلق الشوارع، مجندون أتعبهم عمل استمر منذ اللحظة الأولى للحادث ولم يعلموا متى سينتهى ليعودوا إلى معسكراتهم. «سعيد»، مجند فى الأمن المركزى، لا يفارق المكان منذ لحظة الحادث، يحكى عن ساعات طويلة مرت عليه هنا، ويقول: «عندما أحضرتنا سيارات الأمن المركزى اعتقدنا أننا سنعود بعد ساعات، وبعد مرور اليوم الأول قلنا سنعود غدا، لكن الواقع يقول إننا سنظل هنا لأكثر من أسبوع، خاصة أن الضباط يتوقعون أن يكون يوم الجمعة المقبل ساخنا بالأحداث»، سألناه: وهل تظل واقفا طوال اليوم؟ فرد ضاحكا: «أنا واقف خدمة 12 ساعة، وأنام فى السيارة 5 ساعات، ثم أعود مرة ثانية للخدمة، وهكذا يكون التبادل بين المجندين فى المكان. «وكيف ترى المتظاهرين؟»، رد: «ناس زعلانة علشان الناس اللى ماتوا، بس المظاهرات مش هترجّع حد».
ليلةالاحد كانت أكثر سخونة، عشرات من شباب الأقباط يتجمعون أمام الكنيسة ويرددون الهتافات ويحاولون الخروج إلى الشارع والأمن يمنعهم خوفا من عدم السيطرة على الموقف، فتقع الاشتباكات بين الأمن والشباب. وتنتهى تلك المظاهرة. وبعد دقائق نشاهد العشرات من شباب المسلمين يتظاهرون ومعهم عدد من الشباب الأقباط، يهتفون «يحيا الهلال مع الصليب»، و«مصريين.. مسلمين ومسيحيين»، ويرفعون المصحف والصليب، فيحاصرهم الأمن أيضا أمام الكنيسة، وتستمر المظاهرة لأكثر من ساعة، وبعدها تنفض بإرادتهم، أو بالأمن إذا حاولوا الخروج إلى الشارع.. هذا المشهد استمر حتى الثالثة فجرا.. ومنذ تلك اللحظة حتى ظهور شمس اليوم الرابع كانت الأمور هادئة.
ثم قطع الهدوء ظهور أكثر من 8 سيارات تابعة لشركة المقاولون العرب وعليها معدات أعمال مقاولات وقرابة 50 عاملاً ومهندساً، لترميم وتجديد واجهة الكنيسة وإزالة آثار الانفجار.. سمح الأمن لهم بالدخول إلى الشارع، وبعد معرفة أن رئيس الوزراء هو الذى أمر بذلك، ومع بدء العمل، عادت حالة التوتر من جديد، قلة من شباب الأقباط رشقوهم بزجاجات المياه الفارغة، وهو ما دعا الأمن إلى سحب العمال والانتظار بعيدا حتى إشعار آخر.
وقال مسؤولون فى الكنيسة إنهم يؤجلون قرار الترميم، لأنهم يريدون أن تظل آثار الجريمة ودماء الشهداء على الأرض وحوائط الكنيسة حتى يعود إليهم حقهم ويلقى القبض على المتهمين بارتكاب الجريمة. وأكدوا أنهم لن يسمحوا لأحد بإزالة دماء الشهداء حتى تنتهى التحقيقات، واضطر مسؤولو شركة المقاولون العرب والعمال إلى الانتظار فى الشوارع القريبة من الحادث لحين ورود تعليمات لهم بالانصراف أو البدء فى أعمال الترميم.
من الناحية الأمنية، شاركت أكثر من 200 سيارة أمن مركزى فى محاصرة الشوارع المؤدية إلى الكنيسة ولم تسمح لأحد بالدخول. وقال الضباط إن تعليمات صدرت لهم بمنع الجميع من دخول الشارع الذى تقع به الكنيسة.
ورصدت «المصرى اليوم» مشاهد إنسانية داخل المستشفيات حيث يرقد المصابون.. طفلة تبلغ من العمر 9 سنوات، كلما أفاقت من المخدر علا صراخها. هذا المشهد تكرر أكثر من 5 مرات طوال الفترة التى تلقت فيها العلاج، كما قال الطبيب الذى يباشر حالتها، وإلى جوارها ترقد سيدة تبلغ من العمر قرابة 45 عاما. يقول أقاربها إنها فقدت ابنها وزوجها فى الحادث، تستيقظ بين الحين والآخر وتنادى على ابنها «فكرى» الذى راح شهيدا فى الحادث.
داخل عنبر مستشفى شرق تولى فريق من الأطباء والممرضات - معظمهم مسلمون - رعاية المرضى.. يجلسون إلى جوار المصابين يهدئون من روعهم، ويقدمون إليهم العزاء، وفى المقابل يشكرهم المصابون على رعايتهم لهم، فى مشهد يعكس العلاقة بين المسلمين والأقباط فى مصر.