فجرت الاتهامات، التى وجهها قطاع الكهرباء لوزارة البترول، مؤخرا بالتقاعس عن توفير كميات الغاز اللازمة لمحطات الكهرباء وما يحدثه ذلك من تأثير سلبى على محطات الكهرباء، ملف الغاز الطبيعى والمازوت المستخدم فى محطات الكهرباء وتأثير كل منهما على كفاءة عمليات توليد الطاقة الكهربائية.
وطبقا للبيانات الرسمية، التى حصلت «المصرى اليوم» على نسخ منها، فإن عام 2004-2005 شهد تفجر الخلاف بين وزارتى البترول والكهرباء بصورة حادة مع توسع «البترول» فى تصدير الغاز، عبر محطات تسييل الغاز الطبيعى، حيث شهد معدل التصدير قفزة غير مسبوقة فى استخدام محطات الكهرباء للمازوت من 1.2 مليون طن فى العام المالى 2002-2003 إلى 3.9 مليون طن فى 2004-2005 بنسبة زيادة بلغت نسبتها 225%.
وقال مسؤول سابق بوزارة البترول: «إن هذه الزيادة القياسية أثرت بشدة فى قدرة قطاع البترول على توفير الكميات المطلوبة لقطاع الكهرباء، فمع التوسع فى إنشاء محطات التوليد انحصرت قدرة البترول فى توفير الغاز لهذه المحطات الجديدة مع استمرار ضخ المازوت للمحطات دون تبديلها أو إحلالها».
وأشار المصدر، الذى طلب عدم نشر اسمه، إلى أنه بالتوازى مع التوسع فى إنشاء محطات توليد للكهرباء حدث توسع فى استخدام المازوت فى محطات الكهرباء فسجلت فى العام المالى 2005-2006 نحو 4 ملايين طن، قبل أن تقفز إلى 5.2 مليون طن فى العام المالى 2008-2009 بنسبة زيادة تقدر بـ13% عن العام المالى السابق والذى بلغ فيه 4.6 مليون طن. ولفت المصدر إلى أن أغلب دول العالم تستورد الغاز الطبيعى وتحرص على إنتاجه وتنميته، لأنه المصدر الحرارى السهل لتوليد الطاقة الكهربية الراقية والنظيفة للنمو الاقتصادى، حيث إن البديل وهو المازوت ملوث ومكلف اقتصاديا.
وطبقا لبيانات هيئة البترول عن العام المالى 2008-2009 فإن متوسط سعر طن المازوت بلغ ٣٩٠ دولارا للطن، أى 9.75 دولار للمليون وحدة حرارية، مقابل تصدير غاز بسعر 2.5 دولار للمليون وحدة حرارية، مما يشير إلى أن هيئة البترول تحقق خسائر فادحة نتيجة تفضيل استخدام الغاز مقابل المازوت.
وأوضح المصدر أن الأرقام السابقة تشير إلى تصدير الغاز بمتوسط سعرى يقل كثيراً عن متوسط أسعار استهلاك المازوت فى محطات الكهرباء، لا يتناسب مع جدوى تصديره، مشيراً إلى أن هذه الخسائر المباشرة لاتقتصر على ذلك فهناك خسائر مستترة لايمكن حصرها من خلال فقد الفرصة البديلة لتصدير الغاز، على حساب التوسع فى استخدام المازوت. وقال مسؤول حكومى بارز: «إن هيئة البترول ستتكبد خلال العام الجارى خسائر فادحة مع استمرار استيراد المازوت واستخدامه فى محطات الكهرباء، مشيراً إلى أنه حسب بيانات رسمية، صادرة عن الهيئة العامة للبترول فإنه من المقرر استيراد 1.3 مليون طن مازوت بتكلفة مبدئية 650 مليون دولار أى ما يعادل 3.6 مليار جنيه بمتوسط 325 مليون دولار كل 6 أشهر». وأضاف: «إن متوسط شراء طن المازوت بـ٥٠٠ دولار (نحو ٢٧٥٠ جنيهاً)، لمواجهة الطلب المتزايد لمحطات الكهرباء، التى تعتمد على المازوت بدلاً من الغاز فى حالة عدم توافره».
وجدد المسؤول التأكيد على أن استخدام المازوت فى توليد الكهرباء بديلاً للغاز المصدر يمثل عبئاً على ميزانية هيئة البترول، التى تتحمل مشتريات لا معنى لها من المازوت المستخدم فى محطات الكهرباء. ودعا وزارة البترول إلى حسم هذا الخلاف من خلال التوسع فى استخدام الغاز فى محطات الكهرباء بدلاً من تصديره.
وكشف المسؤول، الذى طلب عدم نشر اسمه، عن أن الخلاف بين وزيرى البترول والكهرباء حول التوسع فى استخدام المازوت فى محطات الكهرباء كان دائما يفرض نفسه على مداخلات الجانبين فى اجتماعات المجلس الأعلى للطاقة، فخلال اجتماع المجلس فى نهاية يناير الماضى دخل الوزيران مناقشة حادة حول أولوية تلبية احتياجيات القطاعات من الغاز.
وأشار إلى أن وزير البترول حاول لفت الانتباه إلى أهمية تلبية احتياجيات صناعة البتروكيمياويات على حساب الكهرباء والصناعة، غير أن أعضاء المجلس الأعلى للطاقة بمن فيهم رئيس الوزراء اتفقوا على أولوية تلبية احتياجيات قطاع الكهرباء باعتباره عنصراً مهماً للتنمية الاقتصادية وللمواطنين.
وأشار إلى أن «وزير الكهرباء حصل على موافقة صريحة من أعضاء المجلس بزيادة نسبة استخدام الغاز فى محطات الكهرباء إلى 87% عن معدلها الحالى 78% فى أسرع وقت ممكن، غير أن الأمور لم تأخذ مجراها الطبيعى فى التنفيذ وتفجرت خلافات بين الجانبين».
وأكد الخبير البترولى عمرو حمودة، أن استمرار الوضع الحالى سيتسبب فى أزمات متكررة فى قطاع الطاقة فى مصر، خلال السنوات الثلاث المقبلة، مطالبا بإقالة وزير البترول من منصبه والفريق المعاون له، فى إطار المحاسبة الطبيعية لأى مسؤول يهدر ثروات بلده. وأشار إلى أن الأزمة وصلت ذروتها، بعد تفشى ظاهرة انقطاع الكهرباء بسبب نقص إمدادات الغاز واستبداله بالمازوت غير المطابق للمواصفات، والذى يقال إنه غير صالح، مما تسبب فى تآكل محطات الكهرباء وبالتالى انقطاع التيار الكهربائى.
وقال: «إن الأزمة المتفجرة حاليا متراكمة منذ سنوات، ويجب أن يتم حلها بخطط سريعة وطويلة منها تغيير وتعديل السياسة الحالية لقطاع البترول والطاقة وتقليل الاعتماد بشكل كبير على البترول والغاز، واستبدالهما بالطاقات الأخرى المتجددة».
من جانبه، قال خبير البترول إبراهيم زهران، : «إن زيادة معدلات تصدير الغاز للخارج نتج عنه عجز فى السوق المحلية»، موضحا أنه تنبأ بتأثر محطات الكهرباء بسبب نقص كميات الغاز منذ عام 2004. وقال: «إن هناك تقارير رسمية فى المجالس القومية المتخصصة بهذا الخصوص».
وأكد «زهران» لــ«المصرى اليوم» أن العجز فى كميات الغاز تسبب فى استبداله فى بعض محطات الكهرباء بالمازوت الأقل فى الجودة، والذى يحتوى على شوائب ونسبة كبريت عالى ساهمت فى تآكل الأجزاء الداخلية بمحطات الكهرباء. وأشار إلى أن العالم يتقدم ونحن نتأخر، فالغاز الطبيعى فى البداية كان يضخ فى محطات الكهرباء بنسب تتعدى 98 %، ومع الوقت تراجعت الكميات ووصلت الى 79 %، بسبب تصدير الغاز، وعدم وجود كميات كافية من الغاز الطبيعى للسوق المحلية. ولفت إلى أن استخدام المازوت فى محطات الكهرباء بشكل كبير يتطلب صيانة دورية لشبكات الكهرباء، مما يتسبب فى انقطاع التيار الكهربائى، خاصة أن انخفاض ضغط الغاز وسوء حالة المازوت تسبب فى نقص قدرات توليد الكهرباء وانخفاض قدرة الوحدات بنسبة 1600 ميجاوات.
وشدد «زهران» على أن وزارة الكهرباء لم تصمت على ملف نقص الغاز الموجه لمحطات الكهرباء حتى حدثت الأزمة الحالية لكنها أعلنت فى مناسبات سابقة أن محطات الكهرباء تتأثر بنقص كميات الغاز المتدفقة. كان المهندس عبدالله غراب، الرئيس التنفيذى لهيئة البترول، أكد فى تصريحات، أمس الأول، أن المازوت المستخدم فى محطات توليد الكهرباء مطابق للمواصفات المصرية المحددة من قبل الهيئة العامة للتوليد القياسى ويتم استخدامه فى محطات الكهرباء منذ عشرات السنين فى مصر.
وحسب بيانات الهيئة العامة للبترول فإن الإنتاج الكلى لمصر من الغاز الطبيعى بلغ 2149 مليار قدم مكعب فى العام المالى 2008-2009. وبلغت حصة مصر العينية منها 1062 مليار قدم مكعب ارتفعت إلى 1231 مليار قدم مكعب بعد حصول مصر على حصتها، شاملة فائض الاسترداد من الشركاء الأجانب، فيما بلغ الغاز المصدر من حصة مصر بمعرفة هيئة البترول وبتعاقد طويل الأجل غاز طبيعى ومسيل 466 مليار قدم مكعب.
وذكرت البيانات التى تنفرد «المصرى اليوم» بنشرها أن ما أتيح للاستهلاك المحلى وليس الطلب الحقيقى أخذا فى الاعتبار قائمة المنتظرين محليا لتوصيل الغاز بلغ 1399 مليار قدم مكعب بما يشير إلى أن العجز، الذى يمثل الفرق بين الاستهلاك والتصدير وحصة مصر شاملة فائض الاسترداد 634 مليار قدم مكعب تم شراؤها من حصة الشركاء.