على غير العادة جاء المشهد الدرامى هذا العام مختلفا، فقد اختفى عدد من النجوم الذين اعتدنا مشاهدتهم، وعلى رأسهم إلهام شاهين.. يسرا.. يحيى الفخرانى.. وحتى الذين تواجدوا هذا الموسم مثل ليلى علوى بـ«الشوارع الخلفية» ونور الشريف بـ«الدالى» واجهوا منافسة شرسة من قبل عدد من نجوم الصف الثانى وكذلك الوجوه الجديدة التى طلت فى بطولات جماعية لتتصدر المشهد وتحصل على شهادة نجاحها وجواز المرور إلى قلب الجمهور، بشكل يحمل إنذاراً وربما «كارت أصفر» لنجوم الدراما بطردهم من ساحة الماراثون الرمضانى خلال السنوات المقبلة، إذا ظلوا متمسكين بأنانيتهم يقدمون أعمالا باهتة تفصل على مقاسهم دون النظر إلى مستواها والاهتمام بتفاصيلها الفنية، فى مقابل أعمال اعتمدت على البطولات الجماعية وخرجت بمستوى فنى متميز تمثيلا وإخراجا وكتابة، وكان أبرزها «دوران شبرا» و«المواطن إكس»، حتى مسلسل «الريان» الذى يعتمد على قصة صعود وهبوط أشهر متورط فى قضايا توظيف الأموال، فإنه اعتمد على عدد من الشخصيات الرئيسية المهمة التى لم تلتهمها شخصية «الريان» فخرج العمل مباراة فى الأداء جذبت الجمهور ومتابعته لها حتى الآن.
وفى حين يرى بعض صناع الدراما ثورة يناير تكمن بقدرتها على التغيير فى كل شىء بما فيها المسلسلات الرمضانية، فإن آخرين يرون أن الاتجاه للبطولات الجماعية بدأ منذ فترة طويلة قبل الثورة، وربما استمرار للاتجاه السينمائى لتقديم أفلام يلعب بطولتها وجوه معروفة أو جديدة، ووصف المخرج محمد فاضل الاتجاه لإسناد بطولة عدد من المسلسلات إلى مجموعة من الممثلين وعدم اعتمادها على اسم نجم بعينه بأنها بمثابة العودة إلى الأصل الذى كانت عليه الدراما المصرية منذ انطلاقها والذى يساهم فى تطورها، ومثلما كانت الأفلام فى الخمسينيات، وقال: هذه طبيعة الفن الذى لا يعتمد على البطل الأوحد، حتى لو كانت الأحداث تدور حوله، فإن من معه لهم أدوارهم القوية، مثلما كان مسلسل «القاهرة والناس» مليئاً بالممثلين المخضرمين وأيضا من مثلوا لأول مرة، وكان نموذجا للبطولة الجماعية، وهذا الأسلوب يعطى فرصة للمشاهد لكى ينوع، ويمنح الفرصة للممثلين الجدد لكى يظهروا إلى جوار الأبطال، وهذا يصب فى صالح العمل الفنى ويثريه، ويعتبر نموذجا مصغرا لما سيصبح عليه حال المجتمع من رفض للحكم المطلق الفردى، فحين نعتاد على ألا يكون لدينا نجم واحد، يكون ذلك قدوة للمشاهد فى رفض الحاكم المطلق، وألا يكون فرديا وأبديا مثلما عانينا منه طوال 30 عاما، وهكذا حال الفن، فالنجوم لا يخلدون فيه للأبد.
أضاف «فاضل»: لكن هذه النوعية من الأعمال تحتاج درجة عالية جدا من الكتابة بحرفية مثل أعمال الكاتب أسامة أنور عكاشة التى تميزت بالاعتماد على البطولة الجماعية مثل «أبوالعلا البشرى» و«ليالى الحلمية»، وقد ثبت هذا العام أن الناس يمكنها مشاهدة نجوما جدداً، بعيدا عن النظرة التجارية للمنتجين الذين كانوا يجلبون البطل دون مراعاة بقية التفاصيل.
واعتبرت الناقدة ماجدة خير الله البطولات الجماعية مفيدة جدا للأعمال الدرامية، ليس فقط لمواجهة الأجور المرتفعة للنجوم الكبار الذين يلتهمون الميزانية الإنتاجية، ولكن أيضا لأن هؤلاء النجوم يحولون كل خطوط الدراما لصالحهم، وهذه مسألة احتملناها لسنوات طويلة وأدت لهبوط مستوى الأعمال، وليس معقولا أن نظل نتفرج على شخص واحد طوال 30 يوما، وقد أثبتت البطولات الجماعية نجاحها بشرط أن تختار العناصر بشكل جيد، وكل ممثل يكون فى مكانه الصحيح، حسب الموضوع المطروح، حتى لو كان يمثل لأول مرة.
أضافت «ماجدة»: لا أعتقد أن ذلك الاتجاه له علاقة بالثورة، فهو موجود قبل اندلاعها، كما فى مسلسلات «الجامعة» و«لحظات حرجة» و«عرض خاص»، وإن كانت الثورة قد تدعم هذا الاتجاه، فليس منطقيا أن يحصل بطل على 8 ملايين من 20 مليونا هى إجمالى ميزانية العمل، خاصة فى ظل تكرار فشله، فكم من مسلسل ليسرا وإلهام والفخرانى ونور مرة تصيب ومرة تخيب، وحتى هؤلاء النجوم لو قدموا مسلسلات العام المقبل أو ما بعده سيكون للأمر حسابات أخرى، أبرزها أنهم سيكونون عناصر مساعدة، وسيكون هناك رفض للاستبداد والسيطرة من جانبهم، فالدنيا بتلف وتدور، ولن يعملوا بمنطقهم السابق، والفضائيات «مش هتقطع نفسها عشان تشترى أعمالهم إلا إذا كانت جيدة» وهم ليسوا كائنات مخلدة، لأنهم سقطوا حتى من قبل الثورة، فإلهام مثلا غابت هذا العام بعد أن كانت تقدم عملين، ويسرا تضاءلت فرصها تماما، والفضائيات أصبح لديها أعمال تركية وإيرانية لتعرضها، فلن تضحى بأموال من أجل أعمال فاشلة.
وأشارت «ماجدة» إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون الوجوه معروفة للجمهور، فحورية فرغلى وهيثم أحمد زكى فى «دوران شبرا» ونبيل عيسى فى المسلسل نفسه ومسلسل «المواطن إكس» مثلا لم يكونوا معروفين باستثناء «هيثم»، لكن الثلاثة حققوا نجاحا كبيرا.
ويرى المخرج نادر جلال أن المسألة تتعلق بطبيعة الموضوع المكتوب، فهناك مايناسب بطل واحد للقيام بها، وأخرى موزعة على أكثر من بطل، فلو المسلسل لبطل قومى مثلا يناسبه نجم واحد، أما لو كان عن حكايات من الشارع مثل «دوران شبرا»، فالأنسب مجموعة من الشخصيات الرئيسية، والتى يكون لها أدوار حقيقية وليس مجرد أسماء عديدة على التتر، وهناك أعمال تكتب لنجم معين من الجلدة للجلدة، وهناك أخرى تكتب حسب الموضوع ويختار الممثل فيها، حسب مناسبته للدور وهذا الأفضل.
أضاف «جلال»: البطولة الجماعية فرصة لإظهار وجوه جديدة، وهذا مهم جدا لتفريخ نجوم المستقبل، فالبطل الفرد يظهر نتيجة أعمال بطولة جماعية، لكن ذلك لا علاقة له بالثورة ولا يجب تحميلها بأكثر مما ينبغى، لأن أعمال البطولة الجماعية موجودة منذ القدم وفى السينما أيضا فى أعمال حسام الدين مصطفى الذى قدم أفلام ثلاثيات أبطالها ثلاثة ممثلين، لكن الدراما تحمل مشكلة فى أن العمل يباع والفضائيات تشتريه باسم بطله قبل حتى البدء فى تصويره، ولايقيم إلا بعد العرض.
الناقد مجدى الطيب اعتبر تلك الظاهرة «صحية» افتقدناها منذ سنوات طويلة بسبب أنانية النجم والمعادلة الخاطئة لشركات الإنتاج، وقال: هى محاولة للعودة إلى المسار الصحيح الذى كنا نتمناه منذ فترة، وشاهدناه مؤخرا فى السينما فى فيلم «المركب»، صحيح أن هناك روحاً جديدة مسيطرة على المجتمع منذ الثورة، لكن أحيانا تكون البطولات الاجتماعية اجتهادات من الشركات الإنتاجية والمؤلفين، والمؤلفون تحديدا هم الذين يتحملون عبء التغيير ويستحقون التحية، لأنهم يحاولون تغيير المناخ السائد، فتندفع وراءهم شركات الإنتاج، رغم أن بعض الشركات ترفض الانسياق وراء الأفكار الجديدة ويظلون يدورون فى فلك النجم التقليدى الذى أخرج تجارب لا ينظر إليها، ولكن بعد هذه الأعمال الناجحة مثل «المواطن إكس» و«دوران شبرا» وهما اجتهادان لهما تقديرهما، فلابد أن تغير شركات الإنتاج أفكارها العقيمة.
لكن استمرار تلك الظاهرة كما يرى «الطيب» متوقف على المنتجين والنجوم، خاصة الشركات التى تتعامل بشكل تقليدى سيعملون مثل «الفلول» لكى لا تنجح الظاهرة وسيحاربون لآخر نفس لكى يظلوا متربعين على القمة، وسيخوضون حربا شرسة ضد فكرة البطولات الجماعية.