«الجنس والمدينة 2».. صورة العربي فى دراما أمريكية

كتب: فاطمة ناعوت الجمعة 31-12-2010 16:42

مدينة «أبوظبى» هى المكان الرئيس الذى تدور فيه وحوله الأحداث. ليس بالشكل الكلاسيكى الذى تتناول به السينما الأمريكية المدنَ العربية عادةً، باعتبارها مدنًا من العالم الثالث يسكنها بشر ينتمون إلى القرن السابع الميلادى، بل باعتبارها مدينة المستقبل، حتى إن بطلات الفيلم الأمريكيات يفتحن أفواههن انبهارًا بتقدم المدينة! المحظور الوحيد الذى أخذنه عليها أن الناس هناك لا يقبّلون بعضهم بعضًا فى الشوارع. تلك هى عقدة الفيلم، ومنها أخذ عنوانه«Sex and City 2»، «الجنس والمدينة»، وهو عنوان تجارى يناسب فيلمًا ينتمى للأفلام الدعائية، لذلك نجد أن معالم المدينة العربية هى البطل: ناطحات سحاب، شوارع واسعة، وأسواق، وعلامات ثراء فاحش كما يليق بمجتمع نفطىّ، نجح بالفعل فى تسخير المال من أجل صنع التمدّن.

أربع نساء من نيويورك. فى مرحلة منتصف العمر. كل منهن تحمل همًّا مختلفًا: كارى برادشو، التى تؤدى دورها سارة جيسيكا باركر، طرفٌ فى زواج بارد، بعدما قررت وزوجها ألا ينجبا أطفالاً. سيمانثا جونز، وتؤدى دورها كيم كاترال، هاجسُها ممارسةُ الحب ومقاومة العمر الذى يداهمها، كارلوت يورك، وتؤدى دورها كريستين ديفيز، زوجة مثقلة بطفلتين تأخذانها من الحياة، وميراندا هوبز، وتؤدى دورها سينثيا نيكسون، محامية جادة تكرس كل طاقتها للعمل. أتيحت لهن رحلة باذخة مدفوعة الأجر بدعوة من ثرى إماراتى لمدينة أبى ظبى لمدة أسبوع لكى يحضرن تصوير إعلان لصالح شركة إماراتية، فيجدنها فرصة للتجديد وإعادة حساباتهن مع الحياة، ليعدن بعدها إلى حياتهن، برؤية جديدة.

الآخرُ، العربىُّ، صامتٌ معظم الوقت. تمر الكاميرا على وجوه ساكنى المدينة دون أن يشاركوا فى الأحداث إلا قليلاً. يراقبون النساء الأربع، المختلفات، بمزيج من الفضول والاستنكار. الرجال فى جلابيبهم البيض ولحاهم الطويلة، والنساء فى النقاب الخليجى الأسود. على أنهم، بصمتهم، يدفعون الأحداث إلى نهاية الدراما، إذ ثاروا على تحرر الأمريكيات، خاصة سيمانثا، التى سمحت لأمريكى بأن يُقبّلها فى الطريق، فاستدعوا لها الشرطة التى احتجزتها بتهمة القبلة العلنية المحظورة إسلاميًّا. فكان أن انقلب كل شىء رأسًا على عقب: أُلغيت الرحلة، وأُنهى حجز الفندق، وكان عليهن أن يجمعن أشياءهن ويغادرن فورًا، أو يتحملن أجرة ليلة أخرى تساوى 22 ألف دولار للجناح الفندقىّ.

الأخطاء الصغيرة هى التى حددت سير الأحداث، بالإيجاب وبالسلب: كارى برادشو تقابل حبيبها القديم مصادفةً فتقبّله، تلك القبلة التى تعيد تشكيل علاقتها بزوجها، فيعود الزواج حاراًّ كما كان. إذ يؤنبها ضميرها فتصر على الاعتراف للزوج رغم تحذير الصديقات. كارلوت يورك تحنّ إلى طفلتيها المزعجتين، وإلى دفء زوجها. ميراندا هوبز تعثر على عمل جديد تحقق ذاتها من خلاله. أما سيمانثا التى قلبت الأحداث للضدّ، فلم تتغير، إذ مضت فى حياتها العابثة كما هى.

من الصعب القول إن الفيلم يحقِّر العرب، فهى المرة الأولى التى لا يتم تصوير العربى كراعى إبل فى صحراء قفر، لا همّ له إلا المتع الحسية، كما من الصعب القول إنه ينتصر لهم، إذ غاب العربىُّ المثقف الواعى. وتعاملت الكاميرا مع العرب ككتلة صمَّاء صامتة، تتحكم فى حركتها دوافع مرتبكة. فالعربى الذى تسحره الأنثى الأمريكية بجمالها وتحرُّرها قياسًا إلى زوجته العربية، هو ذاته الذى يثور إذا قبَّلت رجلاً فى الطريق. هذا الارتباك فى التناول يجعلك أحيانًا تشك أن الفيلم ممولٌ من جهة ما فى أبى ظبى، وأحيانًا تنفى هذه الفكرة تمامًا. يبقى أن نقول إن مسلسلا أمريكياًّ امتد عرضُه بين عامى 1998-2004، يحمل العنوان نفسه، وبطولة النساء الأربع أنفسهن، ثم تلاه فيلم إنتاج 2008، ثم فيلمنا هذا 2010، الذى يُعتبر امتدادًا درامياًّ له.