على مدى سنوات طوال كانت «الثغر» ضيفا «خفيفا» بلا ملامح على شاشة السينما، فكان لها حضور خافت بـ«المكياج»، ووجوه ومشاهدات «مستعارة» لشوارع وحوارى ومقاهى المدينة، شعر معها متفرج السينما بأنها ليست «إسكندريته» الحقيقية، وأنها مدينة أخرى ارتضى بها «صناع السينما» لمدينته، التى شهدت الإرهاصات الأولى لصناعتها، ومنحتها شهادة «الميلاد» وشرعية «الوجود» والسحر والإبهار لدى عشاق «الفن السابع».
اختلف المشهد السينمائى لعام 2010 نهائيا، وعادت فيه «الثغر» بقوة وحيوية وبملامحها الحقيقية، بدءا من البشر، الأماكن، البيوت، المقاهى، الحوارى، مرورا بعوالمها «الثقافية» و«الفنية» الخفية والمجهولة على شاشة «الفن السابع»، فى عودة يطلق عليها مجازا وبجدارة «عام السينما السكندرية».
عودة «الثغر» الحقيقية على شاشة السينما، كانت من وجهة نظر صناع «الفن السابع» مجازفة أشبه بالسير فى حقل ألغام و«أراضى الخوف»، لذلك كانت العودة والخطوة الأولى لها على «الشاشة» بيد المخرج داود عبد السيد، فى فيلمه الذى حمل روح وعطر المدينة «رسائل البحر»، الذى قام ببطولته آسر ياسين، وبسمة ومحمد لطفى، وتدور غالبية أحداثه حول «يحيى» الطبيب الشاب الذى تخرج فى كلية الطب، ويعانى من اضطرابات فى نطق الكلام، ويتعرض للسخرية من أصدقائه وزملائه فيترك مهنة الطب، ويقرر العمل صياداً، والعودة إلى «الثغر»، المدينة التى شهدت طفولته وشبابه وقصة حبه لجارته، وحصد الفيلم جائزة وزارة الإعلام فى مهرجان الإسكندرية السينمائى الأخير فى دورته الـ«26».
ومن «رسائل البحر» وعالم «داوود عبدالسيد» إلى فيلم «ابن القنصل»، الذى قام ببطولته النجم أحمد السقا، وخالد صالح وغادة عادل، الذى تم تصوير غالبية مشاهده فوق أسطح إحدى العمارات القديمة، بشارع المينا الشرقية بمنطقة محطة الرمل، بالإضافة لمقهى التجارية بحى المنشية، مساكن النوبيين بمنطقة الحضرة وشاطئ جليم، طوال شهرى يناير وفبراير الماضيين، وسقوط الأمطار، ومشاهد حقيقية للنوة، وتدور قصته حول المزور الشهير الملقب بالقنصل، ويؤدى دوره خالد صالح، وذلك لقدرته الفائقة على تزوير جوازات السفر والتأشيرات، ويقع فى قبضة الشرطة، ويتم سجنه ويخدعه مزور شاب «أحمد السقا» يحاول إقناعه بأنه ابنه، مستعينا بفتاة ليل «غادة عادل» التى تدعى أنها فتاة ليل، للحصول على ثروة يملكها من خلال مواقف كوميدية متعددة كتبها أيمن بهجت قمر، مؤلف الفيلم، وعمر عرفة مخرجه، وهو الفيلم الذى انفردت «إسكندرية اليوم» بنشر تفاصيله بالصور وقت تصويره.
وفى مغامرة سينمائية كانت له بمثابة «رهان» مع نفسه ومع «صناع السينما» أيضا، كانت تجربة المخرج إبراهيم البطوط وفيلمه «الديجيتال» السكندرى حتى النخاع «حاوى»، حيث كانت «إسكندرية اليوم» أول من نشر بالصور تفاصيل تصويره أيضاً فى «الثغر»، الذى قام بإنتاجه وتصويره بالكامل فى «الثغر»، حى كرموز الشعبى، أبوقير، شارع فؤاد، مدرسة سانت كاترين الأثرية القديمة، وشقق حى المنشية، مستعينا بممثلين لم يسبق لهم الوقوف أمام «الكاميرا»، وفنيين وكل عناصر فيلمه، من موسيقى ومونتاج وإضاءة من سينمائيى «الثغر»، الذين حققوا حلم «البطوط» فى نجاح «حاوى»، الذى يفوز بمنحة ما بعد الإنتاج «هيوبرت بالز» لعام 2010 من مهرجان برلين السينمائى الدولى، ويصبح الفيلم العربى الوحيد المشارك فى المهرجان. ومن نجاح «برلين السينمائى» إلى حصوله على الجائزة الأولى فى مهرجان «الدوحة - ترايبيكا» السينمائى الدولى الثانى أيضا فى دولة قطر فى أكتوبر الماضى، ويحضر عرضه فى المهرجان أربعة فنانين سكندريين من صناعه وأبطاله مع «البطوط»، وهم حنان يوسف ومحمد السيد وشريف الدسوقى ورينا عارف.
ويبدو أن «الثغر» كانت تميمة حظ أيضاً لفيلم آخر تم تصويره بالكامل فى شوارعها وميادينها وكورنيشها وعالم «مثقفيها وفنانيها» والفرق الموسيقية والغنائية بها، وهو فيلم «ميكروفون» للمؤلف والمخرج أحمد عبدالله، الذى قام ببطولته وإنتاجه خالد أبوالنجا، منة شلبى، يسرا اللوزى، هانى عادل وفريق مسار إجبارى الغنائى وعدد كبير من الفرق الموسيقية الغنائية بالمدينة، ونشرت «إسكندرية اليوم» تفاصيل أول يوم تصوير له فى «الثغر».
وتدور قصة الفيلم حول شاب يعمل فى إحدى الجهات الثقافية وهى مؤسسة «جدران» للثقافة والفنون، يقوم بدوره «خالد أبوالنجا» يعود إلى الإسكندرية بعد سنوات من الغياب والغربة فى الولايات المتحدة الأمريكية، فيلتقى صدفة بمطربى «الهيب هوب» ورسامى «الجرافتى» على رصيف الكورنيش، لتبدا رحلة جديدة له عبر موسيقى «الروك» والفرق الموسيقية المستقلة، وحلمهم بالوصول إلى الجمهور والوقوف على خشبة المسرح، ومواجهة الجمهور والغناء وراء «الميكروفون».
العديد من المشاركات والعروض الدولية فى المهرجانات الدولية والجوائز أيضا حصدها «ميكروفون»، منها جائزة «التانيت الذهبى» بمهرجان «قرطاج» السينمائى الدولى فى تونس فى دورته الـ33 لعام 2010، بالإضافة لمشاركته فى مهرجان «تورنتو السينمائى الدولى» بكندا، ضمن قسم «فان جارد» للسينما الجديدة، إلى جانب فوز مؤلفه ومخرجه السيناريست أحمد عبدالله بجائزة أفضل فيلم عربى ضمن مسابقة الأفلام العربية، فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الأخير.