الأحزان لا تليق بصانع البهجة

طارق الشناوي الثلاثاء 15-11-2016 21:44

أكتب هذه الكلمة قبل ساعات من افتتاح المهرجان فى دورته الاستثنائية الممزوجة بالفن والأزمات المالية والخالية من حضور نجوم عالميين والمليئة بالدموع، ولكن صدقونى لن يخلو الأمر من بهجة، نعم أكرر البهجة، لأن حضور محمود عبدالعزيز لا يمكن أن يطرح سوى فيض من السعادة، ولهذا اقترحت على نقيب الممثلين، أشرف زكى، ورئيسة المهرجان، ماجدة واصف، إقامة ندوة الرابعة مساء الجمعة عنوانها «فى حب صانع البهجة».

المؤكد أن نجمنا الكبير وصديقى العزيز سيستحوذ على مشاعر الناس، وسيعلو التصفيق كلما ذكر اسمه أو شاهدنا صورته على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، وستبقى دائما فى مشاعرنا ضحكته المميزة. الحقيقة أن المهرجان هذه الدورة كان على موعد مع الرحيل، بداية الأحزان جاءت مع محمد خان، تم الإعلان عن نيله جائزة مستحقة، وهى «فاتن حمامة التقديرية»، لمشواره المرصع بالأفلام التى دخلت تاريخ السينما العربية، كان خان كثيرا ما يروى لنا لقاءاته العابرة مع فاتن وكيف أنه كان يمازحها قائلا: هل توافقين على أداء دور قاتلة مثل ريا وسكينة؟ ردت قائلة: نعم لو فيه دوافع أوافق على الفور، رشحها لدور هند فى فيلمه الأشهر «أحلام هند وكاميليا» ليجمع بين العملاقتين فاتن وسعاد فى لقاء لم يحققه أى مخرج آخر، إلا أن الأمر انتهى بالاعتذار، ليرسو شاطئ الأحلام عند نجلاء فتحى وعايدة رياض.

عرفت بحكم الصداقة التى ربطتنى بـ«خان» أن التكريم جاء فى وقته تماما، وكأنه ينتظره بعد أن حصل على الجنسية التى كنا جميعا ننتظرها، إلا أن الموت كان قد سبق تكريم المهرجان وودعنا محمد خان، والجائزة التقديرية سيصعد على المسرح ليتسلمها ابنه الموسيقار حسن خان، وابنته المخرجة نادين خان، وزوجته الكاتبة وسام سليمان. عشنا الأشهر الثلاثة الأخيرة مع محمود عبدالعزيز فى الأزمة العارضة التى ألمت به، كنا جميعا نتمنى أن نصفها بالعارضة، ولم نقل أبدا الصعبة رغم أن الكثير من الملابسات كانت تؤكد أن الحالة حرجة، تعاملنا معها باعتبارها كابوسا سنصحو منه بعد قليل، كثيرا ما كان محمود فى السنوات الأخيرة يقفز فوق أزمات مماثلة، أليس هو صانع البهجة؟ الألم لا يليق به، كنت أستشعر بين سطور الكلمات القليلة لابنه المنتج والممثل محمد محمود عبدالعزيز أن الأمر خطير، صحيح أنه كان يؤكد ظاهريا أن المرض عابر وتحت السيطرة وأنها أيام وسوف نعاود الاستماع إلى ضحكات محمود، ولكن شيئا ما فى نبرة محمد كان يشى بأن الحالة خطيرة، وذلك عندما يؤكد فى النهاية أن «الدعاء يرد القدر»، وفى اللقاء الوحيد الذى جمعنى مع محمد كنت أشعر بأن الأمر ليس على ما يرام، وكان يعزز مع الأسف شكوكى الإجابة الوحيدة التى كنت أتلقاها من زوجته الصديقة الإعلامية بوسى شلبى عندما أسألها عن صحته تأتى الإجابة تعبان، تكررت الكلمة عدة أيام متلاحقة. لم أجد أبدا أن من حقى السؤال عن حقيقة الموقف الطبى، وما الذى تعنيه تعبان هذه، فليس من اللائق أن نسأل عن تفاصيل من حق عائلة محمود عبدالعزيز فقط أن تبوح أو لا تبوح بها. تلقيت قبل إعلان الخبر مكالمة من هالة صدقى، وهى فى دائرة الأصدقاء المقربين لمحمود وبوسى، قالت لى: ما الذى سيفعله المهرجان مع محمود؟ أجبتها: ستدعو له المذيعة بالشفاء العاجل بعد أن نشاهد صورته على شاشة المسرح؟ وفى الحقيقة لم تكن لدىّ معلومة، ولكنى تصورت أن هذا هو ما سوف نشاهده على المسرح، أجابتنى هالة: محمود تعبان قوى، الكلية توقفت، معلوماتى فى الطب لا تؤهلنى لمعرفة أن توقف الكلية يعنى أن الأمر ينتظر ساعات أو أياما على أكثر تقدير، إلا أنى استشعرت أن هالة ربما لديها تفاصيل لا تريد البوح بها.

تواصلت مع رئيسة المهرجان وخالد جلال المخرج ولم أزد عن تخوفى وضرورة أن تتواجد صورة محمود على شاشة المسرح، علمت بالخبر، وفى العاشرة مساء اتصلت بى مجددا هالة صدقى وهى تبكى وقالت إنها فوجئت مثلى، وكانت تتصور أن الأمر أمامه بضعة أيام، ولكنها لم تعرف تحديدا لماذا تواصلت معى قبلها بثلاث ساعات. على الفور كل الوسط الفنى والصحفى والإعلامى كان يدرك فى لحظة وداع محمود أن المهرجان سيهدى الدورة إليه، وكانت الأسرة على قدر المسؤولية والشفافية عندما أرجأت العزاء إلى يوم الأربعاء بدلا من الثلاثاء، حتى لا يتعارض مع موعد افتتاح مهرجان القاهرة، لو سألتنى من هو صاحب قرار تأجيل العزاء؟ أقول لكم بضمير مستريح إنها إرادة محمود عبدالعزيز الذى لم يرض أن يفسد أبدا فرحة بلده ومهرجانه فأوعز إلى الأسرة باتخاذ هذا القرار، لا أشك لحظة واحدة أن هذه هى رغبة محمود، إنها إرادة من غادرونا، ولكنها تنفذ من خلال أقرب الناس إليهم.

لا يعلم الكثيرون أن اسم محمود عبدالعزيز طرح بقوة كرئيس شرف لمهرجان القاهرة، وكان فقط ما يعوق ذلك هو أن محمود بطبعه لا يفضل الاستعانة به فى لجان التحكيم والمناصب الإدارية حتى لو كانت شرفية، لأنها لا تتناسب مع طبيعته المتمردة بطبعها على أى روتين، الحقيقة وفى هذا المجال لا أتذكر سوى أن محمود كان رئيسا للجنة تحكيم «المسابقة العربية» فى مهرجان القاهرة السينمائى، قبل أربع سنوات، ولكن قبلها لم يكن ممكنا أن تحصل على موافقة محمود. أتذكر عام 2013 وكنت بصدد رئاسة مهرجان الإسكندرية، وعلى الفور قلت لن يرفض ابن الإسكندرية البار أن يرأس مهرجانا يحمل اسم مدينته، وبالفعل لم يخذلنى محمود، ثم لأسباب لا داعى ولا مجال لذكرها الآن ابتعدت عن المهرجان، وفوجئت بعدها ببضعة أسابيع بمحمود يتصل بى قائلا بروح ابن البلد الشهم الجدع إنه انسحب من رئاسة المهرجان تضامنا معى، رغم أنى لم أطلب منه أبدا ذلك. إنه مهرجان به شجن وحزن ودموع على فراق الأحباب ستفرض نفسها على المشهد بالطبع، إلا أنه أيضا مهرجان الأفلام والندوات والبهجة، نعم إذا أردتم أن تسعدوا محمود عبدالعزيز وتنفذوا وصيته، اعلموا جيدا أنه كان ولايزال فى حياته وبعد رحيله لا يريد لكم سوى البهجة!

tarekelshinnawi@yahoo.com