شجرة النهوض لا تنبت فى أرض الجهل

محمد حبيب الأحد 13-11-2016 21:49

فى هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر، أحسب أننا فى أَمَسّ الحاجة على المستوى المجتمعى العام إلى الوعى بأن العلم هو طريق النهوض والتقدم، ومن ثَمَّ فإن اتباع المنهجية العلمية فى كل شؤون حياتنا- كطريقة التفكير، ووضع الرؤى الاستراتيجية، والبحث، والتخطيط، والإدارة، والمتابعة، ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب.. إلخ- هو الوسيلة الوحيدة للحاق بالعصر، حيث ثورة المعلومات والاتصالات والسماوات المفتوحة، وبغير ذلك سوف نظل نعانى التخلف والضعف والعجز والفشل.. إن الفرق شاسع بين إنسان يَعِى وآخر يجهل، تماما كالفرق بين الثَّرَى والثُّرَيَّا: «قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولو الألباب» (الزمر: 9)، لذا لا يرقى للعلا إلا مَن اتخذ العلم سبيلا: «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات» (المجادلة: 11).. يقول شوقى: «بالعلم والمال يبنى الناسُ مُلكهم.. لم يُبْنَ مُلك على جهل وإقلال».. العلم وحده هو الذى يدلنا على أوجه الخلاف بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ.. هو الذى يجعلنا ندرك أى الطرق تؤدى إلى منفعتنا فنسير فيها، وأى الطرق تؤدى إلى هلاكنا فنبتعد عنها.. العلم وحده هو الذى يبين لنا إيجابياتنا، فنسعى إلى تنميتها وتطويرها وتحسينها، ويلقى الضوء على سلبياتنا وعِلَلنا، فنبذل كل ما فى وسعنا من جهد لمعالجتها والتخلص منها وعدم تكرار الوقوع فيها..

بالعلم وحده ندرك أن الوحدة هى السبيل إلى القوة، وأن التفرق والتشرذم هو عنوان الضعف، وأن المواطنة والتعايش بين فئات وشرائح المجتمع المختلفة هما القيمة الكبرى التى يجب أن نحرص عليها.. بالعلم وحده نكتشف ما يُراد بالأمة من مُخَطَّطات وما يُحاك لها من مؤامرات- خارجية وداخلية- تستهدف أمنها واستقرارها وسلامتها، فنأخذ حذرنا.. بالعلم وحده نحدد ما هو مطلوب منا، وما أولوياتنا فى هذه المرحلة أو تلك، وكيف نعيش حاضرنا، ونستشرف مستقبلنا.. بالعلم وحده يمكننا إتقان عملنا، فتتقدم مسيرتنا، ونستطيع أن ننافس غيرنا، وفى الوقت ذاته نحظى برضا وحب ربنا، كما جاء فى الحديث: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يُتقِنه».. بالعلم وحده نَعِى أن السلبية تهدر طاقات الأمة وتعوقها عن بلوغ الآمال، وأن الإيجابية والأخذ بزمام المبادرة واقتحام الصعاب هى أساس الظفر والانتصار، وأن التخطيط لأى عمل هو أمر حتمى، وبدونه تصبح الحياة فى كل مناحيها عشوائية وارتجالية، وهو ما يؤدى إلى العجز والفشل والشلل.. بالعلم وحده نوقن أن غلبة الأنانية تسلب المجتمع أهم مقوماته، من تماسك وتعاون وتعاطف وتراحم، فضلا عن أنها تزرع الأحقاد والكراهية بين جنباته.. لذا، أصبح الذين يعملون فقط من أجل تحقيق مصالحهم الذاتية يمثلون القاعدة، ومَن يعملون للصالح العام استثناء، ومن ثَمَّ فبديهى أن يتصادم الجميع..

بالعلم وحده نَعِى أن الاستسلام للشائعات هادم ومدمر لأى بناء، وأن علينا أن نتأكد مما يُقال، وأن نرد الأمر إلى أهله: «وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا» (النساء: 82).. بالعلم وحده ندرك أن احترام سيادة القانون هو حجر الزاوية فى حياة أى مجتمع، وذلك لإقامة العدل والأمن والاستقرار بين الناس، ودون ذلك يتحول المجتمع إلى فوضى أو غابة تحكمها الذئاب.. أعتقد أن من النتائج السلبية لثورة 25 يناير أنها جعلت كل فرد فينا يتصور أنه العالِم الأوحد صاحب الاختصاص فى كل الشؤون، وأن النساء لم تلد له نظيرا، فهو يتكلم فى كل شىء، ويُفتى فى كل شىء، فى السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والثقافة.. الكل جَهَلة إلا هو، إذا تكلم هو فعلى الجميع أن يلتزموا الصمت، وتلك هى مصيبة المصائب..

لقد تصور كل فرد أن الحرية هى حريته هو، وأنها تعمل فى فضاء واسع دون قيود، وأنها ليست التزاما ومسؤولية.. وقد اتضح من ثورتى يناير ويونيو أننا قوم تجمعنا الشدة، ويفرقنا زوالها.. فهل لابد أن يظل إحساسنا بالشدة قائما حتى نستمر على تجمعنا ووحدتنا؟ والسؤال هو: هل لدينا فى برامج التعليم، والثقافة، والإعلام فى مصر خطة تتناول كل هذه المنظومة من القيم والمعانى؟! وهل لدينا مؤسسة تابعة للرئاسة تخطط لذلك كله وتتابعه؟!.