زيادة سعر الفائدة على الودائع بالجنيه المصرى لها عدة جوانب إيجابية على المدى القصير.. ولا جوانب سلبية - شديدة - على المدى البعيد.. كيف؟
ما أعلنته البنوك من زيادة الفائدة - فى نفس يوم تحرير الجنيه المصرى - إلى أن تصل إلى 20٪ له عدة أهداف، أولها تشجيع الناس على إيداعها فى البنوك ليقلل ذلك من حجم تواجدها فى أيدى الناس.. فيساعدهم ذلك على إنفاقها وبسخاء، مما يؤدى إلى زيادة معدل التضخم.. وأيضاً زيادة شراء أى شىء من الطعام إلى الأراضى والعقارات.. بل إلى إنفاقها على أى شىء.. قبل أن تفقد قيمتها، بسبب انهيار قيمتها.. وهذا للأسف من أسباب زيادة أسعار السلع مصرية أو مستوردة. والثانى: إيقاف نمو عملية الدولرة، أى لجوء الناس إلى شراء الدولار وحفظه بسبب تزايد سعره - كما حدث - وكما يتوقع البعض بعد أن تنتهى موجة انخفاض سعره عقب قرار التعويم أو التحرير.
حقيقة، فإن زيادة سعر الفائدة على ودائع الجنيه قرار وقتى.. بدليل أن الفائدة تزيد 25٪ بالنسبة لودائع قصيرة الأجل، وحتى 18 شهراً، إذ هى حوالى 20٪ بينما سعرها عندما تصل مدتها إلى 3 سنوات يقف عند 16٪. وهذا يشير إلى أن الهدف الأساسى هو محاولة سحب أكبر سيولة مصرية من أيدى حائزيها.. ولا أحد يعرف ماذا ستصبح عليه الفائدة، بعد أن تستقر أسعار الدولار مقابل الجنيه، على المدى البعيد.. ولكنها خطوة طيبة، على المدى القصير.
ولكن لها أضرارها، لأنها سوف تؤدى إلى زيادة سعر الفائدة على الإقراض، أى فيما يقترضه المصرى، سواء لإقامة أى مشروعات تجارية أو صناعية لأن هذه الفائدة العالية تؤدى بالضرورة إلى زيادة أسعار السلع التى تخرج للأسواق المحلية.. أو إلى التصدير.. وبذلك تفقد السلع المصرية قدرتها على المنافسة، سواء أمام سلع رخيصة أصلاً، وبالذات السلع الصينية، أو تخسر أسواقها الخارجية، لأن دولاً أخرى - فى مقدمتها الصين - تدعم أسعار سلعها فى الخارج.. وهذه وتلك تضرب الصناعة المصرية.. بل أسعار المواد الغذائية التى نصدرها للخارج، مثل البصل والبطاطس والفراولة والخيار والموالح، حتى فى الأسواق الخليجية، وبالذات أمام أسعار السلع الشبيهة من تركيا والأردن والضفة الغربية.. وكذلك السلع العراقية والإيرانية.. والموالح التونسية والمغربية، وغيرها.. وهذا يعنى أن محاولاتنا لزيادة حجم صادراتنا للخارج لن يصيبها النجاح.. بل ربما ينخفض حجمها!!
وهكذا يفقد الاقتصاد الوطنى كثيراً مما كان يتميز به، بل يتضرر، بعد أن فقدنا ميزة رخص الأيدى العاملة المصرية، التى كانت من أهم مزايا الإنتاج المصرى، بكل أنواعه.. وربما نستعيد بعض ذلك، ولكن بعد استقرار سعر الفائدة - فى المستقبل - ولكن الأهم من كل ذلك لن يتحقق على المدى القصير.. وبعد أن نفقد أسواقنا التقليدية وبالذات بعد بروز دول أخرى منتجة.. تتجه إلى نفس هذه الأسواق، وهنا نسأل: هل ستعود البنوك إلى خفض سعر الفائدة، بعد أن تمر حدة الأزمة الحالية.. وهل يلجأ الذين سبق أن أودعوا أموالهم فى أوعية تدور فائدتها حول 12٪، حتى ولو فقدوا الكثير مقابل أعباء عملية إلى فك هذه الودائع، طلباً أو طمعاً فى الاستفادة من السعر الجديد الذى يصل إلى 20٪؟!
نقول ذلك لأننا نتوقع أن ترتفع الفائدة على الإقراض إلى 30٪ شاملة المصاريف الإدارية التى تطلبها البنوك، مقابل ما تمنحه من قروض حتى لصغار المستثمرين وأصحاب الورش ومن فى مستواهم.
■ ■ اللهم إلا إذا كان الهدف الأساسى من زيادة سعر الفائدة على المدد القصيرة.. هو إيجاد رصيد فى البنوك تلجأ إليه الدولة لاقتراضه لتواجه مشاكل نقص مواردها مقابل نفقاتها.. ومعلوم أن البنوك تدخل مشترية - وبنسبة كبيرة - من أذون وشهادات الخزانة.. ومن أشهر أوعيتها شهادات الاستثمار.. بجانب ما تسحبه من أموال التأمينات والمعاشات، وذلك هو سبب رفع سعر الفائدة على الودائع قصيرة الأجل لتدبير ما قد تطلبه الدولة من أموال داخلية، حتى وإن رفع ذلك من حجم الديون الداخلية.
■ ■ وعلى أى حال، فإن ذلك أفضل من اللجوء إلى الاقتراض الخارجى. ولكن ماذا عن الفائدة على الودائع بالدولار.. أليس ذلك أيضاً يحد من جريمة الدولرة.. ومن ترك الدولار حراً بيد الناس يفعلون به ما يريدون، وهنا يجب ألا يتعلل أحدهم بأن هذا هو سعر الفائدة على الدولار فى الخارج.. لأن أحداً لا يجرؤ على زيادة الفائدة على عملته الوطنية بسعر 20٪ للإيداع وبين 25٪ و30٪ للاقتراض.. ذلك أن المضطر يركب الصعب.