الدكتور عبدالمنعم سعيد: الرئيس أقوى من «الرئاسة».. ومؤتمر شرم إعادة لـ«منظمة الشباب» (حوار) (1-2)

كتب: فتحية الدخاخني الجمعة 04-11-2016 22:23

قال الدكتور عبدالمنعم سعيد، الخبير الاستراتيجى، رئيس مجلس إدارة «المصرى اليوم»، إن مصر لديها رئيس قوى، ومؤسسة رئاسة ضعيفة، مشيرا إلى أن الدعوة للنزول للشارع فى 11/11 لن تنجح، متهما جماعة الإخوان الإرهابية بالوقوف وراءها بهدف إحداث اضطرابات وعدم استقرار فى البلاد.

وأضاف فى حواره لـ«المصرى اليوم»: «الشعب ممكن يبلع الزلط للحكومة ولا يعود الإخوان للسلطة»، ووصف ما حدث فى مصر فى 25 يناير بـ«هبة جماهيرية» وليس ثورة، وأن توابع هذه الهزة لم تنته.

واعتبر سعيد مؤتمر الشباب محطة منطقية فى أعقاب البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، وهو إعادة إنتاج لتجارب سابقة مثل منظمة الشباب فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

وانتقد سعيد السياسات الاقتصادية فى البلاد، وإصرار المسؤولين فى مصر منذ ثورة يوليو 1952 على إعادة اختراع العجلة، والقبول بأشياء انتهت من العالم، مما يجعل مصر بالفعل شبه دولة.. وإلى نص الحوار.
■ منذ فترة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى دعوة للنزول إلى الشارع يوم 11/11، ونحن نقترب من هذا اليوم، كيف ترى هذه الدعوة ومن الذى يقف وراءها؟

- هذه الدعوة يقف وراءها تنظيم الإخوان المسلمين، ويظهر هذا بوضوح من خلال حماس القنوات التليفزيونية التابعة لهذا التنظيم للترويج لهذه الدعوة، وهذه ليست الدعوة الأولى من هذا النوع، فالمتابع للوضع منذ 30 يونيو وحتى الآن يرى الكثير من الدعوات المماثلة، التى تتحدث عن هبة شعبية لإسقاط النظام، وهذه الدعوات تعمل على محورين، الأول الأزمات الاقتصادية التى يعانى منها المواطن، والثانى متعلق بأن القدرة على النزول للشارع ما زالت موجودة فى ذاكرة الناس منذ 25 يناير و30 يونيو، فالناس اليوم لا تحتاج لتعلم كيفية النزول للشارع، وفى تقديرى فإن الموضوع لن يتم لأسباب كثيرة، وأهمها شعور الناس بأنها قامت بأفعال مماثلة مرتين من قبل، والنتيجة حدوث توتر فى البلاد وتوقف العمل والإنتاج والمصانع، والبنية الأساسية، وبالتالى النتيجة تكون سلبية، مزيدا من المتاعب، والناس تدرك الآن أن جزءا من الصعوبات التى نمر بها، نتاج لأربع سنوات من الاضطرابات وعدم الاستقرار، ورغم الغضب والتوتر بسبب ارتفاع الأسعار وتغير سعر صرف الدولار، فهناك إدراك عام بأن الخروج للشارع ليس الحل، لأن وراء هذه الدعوة عودة الإخوان، والناس اليوم ممكن تبلع الزلط ولا يعودون.

■ رغم عدم نجاح الدعوات المماثلة منذ 30 يونيو، إلا أنها تتسبب فى حالة من الشلل والاستنفار والتوتر فى البلاد، وهو ما يؤثر على الاستقرار؟

- هناك ثمن لا بد من دفعه، وأعتقد أن هذا هو المقصود، فأصحاب هذه الدعوات يأملون فى نجاحها، ويتصورون أنهم سيعودون للحكم مرة أخرى، لكن عند فشلها تكون على الأقل قد حققت درجة من التوتر، تزيد من الأزمة الاقتصادية، لذلك ذلك لابد من التعامل مع الموضوع من البداية وفقا لحجمه الطبيعى، ويجب على الدولة ألا تدخل فى مرحلة توتر واستنفار مباشرة، كما ينبغى على وسائل الإعلام أن تلعب دورا بالتعامل الموضوعى مع المشكلة، بعيدا عن «الزعيق» المتبادل، بهدف تقليل الأضرار، التى يصعب تلافيها بشكل كامل.

■ بما أنك تحدثت عن الإعلام، كيف تقيم المشهد الإعلامى الراهن، فى ضوء المناقشات التى حضرتها مؤخرا فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، هل يزيد الإعلام من حالة التوتر والاستقطاب؟

- ما رأيته فى مؤتمر الشباب جعلنى أطمئن قليلا، الثورات والهبات الجماهيرية الكبيرة، لا تأتى وتذهب دون أن تترك أثرا يأخذ وقتا للزوال، مثل الجروح التى تأخذ وقتا للالتئام، ومن الطبيعى أن مثل هذه الهبات تحدث نوعا من الزلزال أو الفرز للناس، فالناس فى مصر متنوعون من حيث النوع والسن والطبقة الاجتماعية وغيرها، وإذا حاولنا عمل مصفوفة بنماذج وأنواع البشر، ستكون مصفوفة لا متناهية من الاحتمالات، وما نراه اليوم فى الإعلام شىء طبيعى، نحن لدينا إعلام عام وإعلام خاص، تملكه أحزاب وشركات، وهناك من يخرج من السوق ومن يدخل فيها، عبر عملية سيولة كبيرة جدا، لا أعتقد أنها ستستقر إلا بعد فترة زمنية، فلا أحد يعرف حتى الآن ما انتهت إليه الثورة الفرنسية أو الثورة الأمريكية، ومصر لم يحدث بها ثورة بالمعنى الحرفى، يكون لدى القائمين عليها مخطط وتصور واضح لليوم التالى للثورة، لذلك يطلق البعض على ما حدث فى 25 يناير اسم الهبة الجماهيرية أو الانتفاضة، حتى تحديد أطراف الثورة كان صعبا، فمن الناحية التنظيمية تم حصر التنظيمات الشبابية بعد الثورة فى حوالى 216 نوعا من التنظيمات، إضافة إلى الإخوان وقوى المعارضة الحزبية التقليدية التى كانت موجودة من قبل، إضافة إلى تفتت النظام القديم، بين من انضم لميدان التحرير، ومن جلس على الكنبة، ومن هاجر وترك البلاد، حدث نوع من خض اللبن الذى ينتج الكثير من المنتجات، وهذه الهزة الكبيرة لم تنته بعد.

■ كيف تنتهى هذه الهزة؟

- الزمن يلعب دورا كبيرا جدا فى هذا الأمر وكذلك التعلم من الدروس.

■ نعود إلى مؤتمر شرم الشيخ وتعليقك على المناقشات الخاصة بالإعلام؟

- ما حدث فى شرم الشيخ، ومشهد السجال بين إبراهيم عيسى ومكرم محمد أحمد، أظهر أننا إزاء كتلتين كبيرتين جدا من التفكير بينهما مساحة تكفى من التفاهم، وهو ما جعل الجميع يحصل على تصفيق حاد، كما لو أن الجميع ارتاح، وما قيل كان يجمع بين القدرة على النقد والقدرة على التمسك بالمصالح الوطنية، ورغم أن هناك مساحة رمادية بينهما تجعلهما كمن يعزفان على نغمتين مختلفتين، إلا أنه فى هذه اللحظة دافع الاثنان عن المهنة، بطرق مختلفة، وبدا أن هناك نغمة صحيحة، وأعتقد أنه لو استطاع الناس الانتماء لهذه النغمة ممكن نخرج بنتيجة عالية، وبالطبع الجميع يدرك صعوبة الحوار أمام الكاميرا وفى وجود الرئيس والخوف من أن توصف بالنفاق، أو أن تتجاوز وتخرج عما هو لائق.

■ أعتقد أنك ناقشت هذه الفكرة من قبل فى مقال بعنوان «الملافظ سعد»، ما الذى كنت تقصده؟

- ليس لدى مشكلة مع من لديه برنامج لتقييم ما يحدث من وجهة نظره واستنادا إلى أسانيد وأرقام، لكن انتقاء الألفاظ المستخدمة أمر مهم، خاصة أننا نعيش فى بيئة ومجتمع يعطيان للألفاظ قيمة كبيرة، على عكس مجتمعات أخرى مثل الولايات المتحدة، فنحن نرى ونتابع كم الألفاظ والاتهامات التى يكيلها المرشحون للانتخابات الرئاسية هيلارى كلينتون ودونالد ترامب لبعضهما البعض، ومؤخرا فى احتفال الكاثوليك فى نيويورك سخر الاثنان من بعضهما، لكن طبيعة المجتمع الأمريكى تجعل هذا كله ينسى فى أعقاب الانتخابات، وكأنه لم يكن رغم استخدامهما ألفاظا قاسية يعاقب عليها القانون أحيانا، واتهام ترامب لكلينتون بأنها فاسدة، ووصفها له بأنه غير مؤهل للرئاسة.

■ لكن هذا غير مقبول فى مجتمعاتنا ويخلق نوعا من العداء الدائم؟

- أكيد، فالأشرار يسودون عندما يصمت الأخيار، والجميل فى مؤتمر الشباب بشرم الشيخ أن الأخيار والأشرار أيضا تحدثوا، والجميع كان حريصا على استخدام ألفاظ مناسبة.

■ كيف تقيم مؤتمر الشباب، وهل هو دليل فعلى على اهتمام الدولة بالشباب؟

- أنا لا أحب المبالغة فى قيمة أى حدث، هذه محطات وتراكمات، وعقد المؤتمر مسألة منطقية فى ظل وجود برنامج رئاسى لتدريب الشباب تنظمه رئاسة الجمهورية، التى ترى أن هناك نقصا فى القيادات، وأعتقد أن إحدى المشاكل الكبيرة فى أى مؤسسة هى نقص القيادات وليس التمويل، وما تفعله الرئاسة حاليا من تدريب الشباب ليس جديدا، حيث حدث من قبل بصورة مختلفة من خلال منظمة الشباب فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وإن اختلف التدريب الذى تلقاه الشباب من تدريب سياسى قائم على التعبئة والحشد فى عهد عبدالناصر إلى تدريب فنى قائم على تعليم مبادئ الإدارة العامة والقيادة والمعرفة وتكنولوجيا المعلومات.

ومن المنطقى عقد مؤتمر كبير فى ختام الدورة التدريبية، لكت الجديد فى الموضوع هو وجود قيادات الدولة وشخصيات عامة وأحزاب فى المؤتمر، فأنا شخصيا دهشت عند دعوتى، فآخر مرة دعيت فيها على حدث رئاسى كانت فى عهد الرئيس عدلى منصور، عندما عقد اجتماعا للمثقفين لبحث بعض المشكلات، لكننى وجدت فى شرم الشيخ شخصيات كثيرة ومتنوعة، وبالفعل كان فرصة لحوار الأجيال، ولأول مرة أرى شبابا شارك بشكل قيادى فى يناير و30 يونيو، على استعداد لإعادة تقييم أمور كثيرة، ومن الواضح أن هناك بداية ومحطة، والمفروض طالما أنه لن يحدث كل يوم مؤتمر، وأنه محطة لا بد من أن يقوم الإعلام بدوره فى تعميق الحوار أخذا بقاعدة الملافظ سعد، ويجب على المجتمع المدنى والأحزاب والجمعيات الثقافية أن تفتح حوارا حول الثمن الواجب دفعه حتى تتقدم مصر، فلن نغمض أعيننا ونفتحها لنجد مصر أصبحت سويسرا، علينا أن ندرك أن هناك ثمنا كبيرا يجب دفعه دون أن يخرج علينا من يصرخ قائلا «إلحق الدعم»، أنا شخصيا أؤمن بضرورة تعويم الجنيه منذ 30 سنة، للأسف الناس لا تدرك أن هناك قانونا إلهيا لإدارة اقتصاديات البشر هو قانون العرض والطلب، وهو ما فعلته 130 دولة حول العالم ومازالت مصر تقاوم مقاومة رهيبة.

■ ما سبب هذه المقاومة؟

- هناك معاندة تاريخية منذ ثورة يوليو عام 1952، حيث تصور المصريون أن لديهم خصوصية تجعلهم قادرين على الخروج خارج السوق الدولية، لأن الحركات الوطنية كانت تشعر أن السوق العالمية أدت إلى الاستعمار والاستغلال، ولم يكن التقييم عادلا تماما، كانت السيطرة والهيمنة ومحاولة ثقافة إلغاء ثقافة أخرى، ولكن لا يمكن إنكار أن نظام الرى الذى أنشأه الإنجليز هو بداية الزراعة الحقيقية فى مصر، عندما جاء الضباط الأحرار كان هناك تراكم للاستعمار الإنجليزى والعثمانى والرغبة فى استقلال البلاد، فلم نتبع الطريق الذى سلكته تركيا، أو دول أخرى مثل كوريا بعد الحرب الكورية، واعتقدنا أننا قادرون على عمل سوق وحدنا، أو مع باقى العرب، والنتيجة أننا لم نستطع فعل أى منهما، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى، قمنا بإجراءات إصلاحية لكنها كانت دائما قليلة ومتأخرة جدا، وبعد ضغط رهيب جدا والمرة الوحيدة التى تمت فيها الإصلاحات بقدر من النعومة النسبية، كانت بعد حرب الخليج، ورغم أن المجتمع الدولى يرى أن مصر بلد مهم، لكنه يكون سخيفا معها أحيانا ويتصرف تصرفات قاسية، لاعتقاده بأن مصر لم تأخذ ما تستحق، فهناك 3 حضارات العالم لديه ضعف إزاءها وهى الحضارة المصرية القديمة والحضارة الهندية والحضارة الصينية، وأذكر أننى عندما كنت أقول أحيانا فى الغرب إن مصر دولة نامية أو عالم ثالث كانوا يستنكرون هذه الحقيقة.

■ ماذا يحدث عندما يصفها الرئيس بأنها شبه دولة؟«المصري اليوم»تحاور «عبدالمنعم سعيد»، 4 نوفمبر 2016.

- هى فعلا كذلك لأننا نقبل بأشياء لا يقبلها أحد فى العالم، نحن نضحك على أنفسنا، بقوانين مثل العمال والفلاحين، وفكرة الصحافة القومية، ألا تعتبر نيويورك تايمز والجارديان صحافة قومية، والمصرى اليوم صحيفة قومية بالمعنى السياسى، وعندما كنت مسؤولا عن الأهرام حاولت الإعداد لنموذج جديد لكن الظروف لم تسعف، مستغلا إمكانيات المؤسسة الجبارة، فهى مؤسسة غنية بمعنى الكلمة، و«المصرى اليوم» قادرة على أخذ الخطوة وعمل شركة إعلامية، وأى صحيفة فى مصر قادرة على ذلك طالما كان لدى الناس إدارة ومهارة واستعداد للحصول عليها لو لم تكن موجودة.

ومن بين الأشياء التى اخترعناها أيضا الثانوية العامة، وهذا النظام كان معمولا به فى دول كثيرة منذ أكثر من 30 عاما لكن تقلص وتم التخلى عنه، لكننا مازلنا متمسكين به من مبدأ المساواة، فثورة يوليو بدأت من قضية عدم المساواة، وبالتالى كان من الطبيعى أن تتسرب الامتحانات فى ظل التطور والثورة التكنولوجية الرهيبة، وقراصنة الكمبيوتر الموجودين فى كل العالم، وفى كل يوم نكتشف أننا ما زلنا فى الجزء البدائى من الثورة التكنولوجية، نحن نرفض المغامرة ونخشى ترك ما اعتدنا عليه، وكأننا سنخرج للبرارى الموحشة لو فعلنا ذلك، وينطبق ذلك على تأخرنا فى تعويم الجنيه، وقبولنا أن يكون للجنيه 6 أسعار، وهذا كلام يعود بنا لما قبل البدائية وعصور المقايضة، وهذا أكبر خطر على السياحة.

■ كيف ذلك؟

- تجار العملة العدو الأول للسياحة، فالسائح لا يمكن أن يأتى وهو لا يعرف بأى سعر ستتم معاملته، وأنا غاضب من موقف روسيا فى مسألة السياحة.

■ ما السبب فى حالة الانفلات والفوضى التى سادت مؤخرا فيما يتعلق بسعر الصرف؟

- الإرهاب الفكرى، نحن دائما نركز على الإرهاب الفكرى الدينى، وهناك إرهاب فكرى اقتصادى، فكلما بدأ الإصلاح صرخ الناس «إلحق دعم، إلحق غلاء»، والدعم قلت قيمته الحقيقية خلال الفترة الماضية بمقدار النصف تقريبا، نحن نضحك على الناس من خلال تعليم مجانى غير مجانى، ومجانية رعاية صحية غير حقيقية، من يرد التقدم عليه مواجهة الحقيقة، ويجب أن نضع برنامجا زمنيا، ومن حسن الحظ أن هناك تجارب ناجحة يمكن التعلم منها، والنجاح بشكل أسرع، فبريطانيا ضاعفت الدخل القومى فى 100 سنة، وأمريكا ضاعفته فى 50 سنة، وبعد الحرب العالمية الثانية، فعلت اليابان ذلك فى 10 سنوات، بينما نجحت النمور الآسيوية فى تحقيق نفس الهدف فى 5 أو سبع سنوات، واليوم نتكلم عن عصر فيتنام التى عادت من العدم فى 3 سنوات، ومصر ضاعفت الدخل القومى فى 6 سنوات من 2004 إلى 2010، ويمكن تقليص هذه المدة اليوم إلى 3 سنوات، لنضاعف الدخل 3 مرات فى عقد من الزمان.

■ كيف نفعل ذلك؟«المصري اليوم»تحاور «عبدالمنعم سعيد»، 4 نوفمبر 2016.

- نفعل كما فعلت دول العالم، لا نحتاج لاختراع العجلة، هناك كتاب معروف اسمه «Doing Business 2017»، يتحدث عن الإجراءات التى اتخذتها مصر مؤخرا والتى جعلتها تتقدم من المرتبة الـ131 إلى المرتبة 122، وهذا أمر جيد لكنه غير كاف، علينا أن نصبح فى المقدمة، لماذا يكون لدى 114 إجراء لتسجيل منشأة تجارية، وأنا أخبرت المهندس إبراهيم محلب، عندما كان رئيسا للوزراء عن هذه السلسلة، والتى أصدرت عددا خاصا عن مصر قبل عامين تقريبا، نحن لدينا الكثير من الإمكانات التى لم يتم استغلالها فعليا، وعلينا أن نبدأ وأن يكون لدينا خطة لمحاربة الفقر والتخلف والمرض بنفس الحزم الذى ننتهجه فى محاربة الإرهاب، ولو فعلنا ذلك ستكون مصر مختلفة خلال 10 سنوات.

■ البعض يخشى من دخول الجيش فى كل المشروعات وأن يشكل ذلك نوعا من الاحتكار وانعدام المنافسة.. فما رأيك؟

- أعتقد أن علينا تعبئة جميع الطاقات القومية للانطلاق، بما فى ذلك القوات المسلحة والجيش، وجميع الجهد المحلى، أما كم حجم اقتصاد الجيش فهذه ليست مشكلتى، ربما تكون مشكلة لدى من يعتبرون ذلك نوعا من حكم العسكر، أنا أرى حكم الأصلح هو الأساس أيا كان، لا نستطيع الاستغناء عن كل إنسان بالغ فى مصر، ودون نهضة سنتدهور، وهناك مبالغة فى الخارج فى تقدير حجم اقتصاد الجيش فى مصر، حيث يقدرونه بنحو 40%، وهذه مبالغة وكلام فارغ، بقياس حسابات الناتج المحلى، وهناك من يقدره بـ1.5% اعتمادا على الملكية المباشرة، وهناك طبعا فرق بين الملكية والتحكم، فمثلا الشركات التى تعمل فى تأمين المطارات لا يمكنها العمل دون موافقة، وهذه مسألة أمنية، فأحيانا يكون التحكم لحماية الأمن القومى، علينا أن نضع الأمور فى نصابها ونتوقف عن المبالغة.

■ تحدثت من قبل عن نقص القيادات ونحن نعانى حاليا من عدم وجود قيادات لشغل المناصب المختلفة فما السبب؟

- كان هناك كلام كثير عن تجريف السياسة قبل 25 يناير، وبالطبع كان هناك أخطاء كثيرة وأمور يمكن اللوم بسببها، وكان من الممكن عمل إصلاح، لكن على المستوى الفنى كان الأمر جيدا، اليوم للأسف هاجر كثير من الكفاءات التى لم تجد من يقدرها فى مصر، والتقديرات تشير إلى ما بين 8 و12 مليون مهاجر، والسبب الثانى هو النظرة الأمنية، والتى تتناقض مع النظرة التنموية، فمعظم القيادات قادمون من القطاع الأمنى وهو لديه قدر كبير من الوطنية وحب الوطن والإخلاص، لكن لديه مشكلة من الناحية الفنية، فهو غير متعرض للعالم ولا يعرف ماذا يفعلون فى ماليزيا وكوريا والولايات المتحدة، العالم اليوم وحدة واحدة، وجزء من علمية الانطلاق أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون وتستفيد من أفضل التجارب.

■ إذا المشكلة فى اختيار أهل الثقة وليس أهل الخبرة؟

- لا أعرف إذا كانت المسألة متعلقة بالثقة، فالنظرة الأمنية موجودة طوال الوقت فى مصر، على مدار 40 عاما مضت، وهذا يتعارض مع الفكر التنموى، فمواصفات من يعمل على حماية المنزل تختلف عمن يريد أن يعيش فى رخاء مع أسرته، وأعتقد أن هناك سببا آخرا لنقص القيادات، وهو أن هناك دائما فرزا ضد الأكفأ، والذى دائما ما تطلبه الشركات والدول برواتب مرتفعة، بينما نتعامل نحن فى مصر مع الجانب المادى باستهجان، وكأن الأساس هو التضحية، وللأسف يتعرض أصحاب الكفاءات لضغوط مستمرة، وخاصة ممن هم أقل كفاءة.

وللأسف نتعامل مع البلد وكأنه 20 مليون نسمة فى عام 1950، وأعتقد أنه لا يوجد بديل أمامنا لو أردنا مضاعفة الدخل القومى سوى الاتجاه نحو اللامركزية، واستخدام الأعلى كفاءة.

■ هل هذا ممكن مع تراث الدولة المركزية فى مصر، خاصة أن كل شىء لا يتم إلا بتوجيهات الرئيس؟

- الله يكون فى عون الرئيس، وأنا متعاطف معه جدا، فمؤسسة الرئاسة واحدة من مؤسسات الدولة، وللأسف دائما ما يكون لدى مصر رئيس قوى، ومؤسسة رئاسة ضعيفة، وبالتالى فإن المدخلات والمعلومات والدراسات التى تصل للرئيس تكون ضعيفة، والرئيس عبدالفتاح السيسى يعمل لمواجهة احتياجات 92 مليون نسمة، فى ظل ضغوط خارجية، إضافة إلى طموحاته الخاصة، والتى كانت واضحة خلال فترة الترشيح، حيث كان لديه برنامج طموح أعتقد أنه كان السبب فى انتخابه، لكن السؤال هل توفر له الأجهزة التنفيذية المعلومات والدراسات اللازمة، والأهم هل نستطيع أن نوضح للناس لماذا نتخذ إجراء معينا، ولماذا لا نبدأ بالتعليم.

■ الرئيس السيسى قال فى مؤتمر الشباب إن الشعب لن يصبر 15 سنة ليبدأ بالتعليم؟

- هذا ما أتحدث عنه، الثمن الذى يجب أن ندفعه، من المعروف أن الطريق يعمل مدرسة، لكن المدرسة لا تعمل طريقا على الأقل فى المدى المنظور، بينما يقول آخرون لو تعلمنا جيدا سنتطور بشكل أفضل.

■ لكن الدول التى تقدمت حول العالم تقدمت بالتعليم، وعلينا أن نستفيد كما قلت من تجارب الدول؟

- المجتمع أمامه خيارات كثيرة، التعليم والطرق، وعلينا العمل لتحقيق عملية التقدم التراكم الرأسمالى الذى يحقق التقدم، علينا أن نأخذ قرارا لإطلاق الحرية الكبرى لرأس المال ليكون قابلا للتضاعف. مصر حاليا تصدر 84 سلعة بكميات قليلة كيف نضاعفها، ونكون قادرين على المنافسة والتواجد فى السوق، لا بد من إطلاق الحريات العامة بالمعنى الاقتصادى، وإن كان هذا سيؤدى إلى درجة من التقشف لفترة زمنية معينة.

فى الحلقة الثانية من الحوار
يتحدث الدكتور عبدالمنعم سعيد عن تحرير سعر الصرف، وإدارة الفقر والانتخابات الأمريكية وتأثيرها على مصر، وعن نظرية المؤامرة، والعلاقات مع تركيا وإيران وقطر وإثيوبيا، وعن دور مواقع التواصل الاجتماعى والأزمة الاقتصادية.