تطعيم المسافرين إلى «الخرطوم» ضد الملاريا والالتهاب السحائى

كتب: إبراهيم الطيب الخميس 03-11-2016 21:55

دعت مؤخراً منظمة الصحة العالمية، البلدان المجاورة للمناطق المتضررة بالكوليرا إلى تعزيز ترصد هذا المرض والتأهب لمواجهته على الصعيد الوطنى بهدف الإسراع فى الكشف عنه والتصدى له حال انتشاره عبر الحدود، وما عاد الإخطار بجميع حالات الكوليرا إلزامياً بموجب اللوائح الصحية الدولية، لكن يجب أن تخضع أحداث الصحة العمومية التى تشمل الإصابة بالكوليرا للتقييم فى ضوء المعايير المنصوص عليها فى تلك اللوائح للبت فيما إذا كان يلزم الإخطار بها رسمياً.

كان ذلك دافعاً لتوجه «المصرى اليوم» إلى محافظة أسوان للوقوف على حقيقة الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التى تتبعها وزارة الصحة فى المنافذ الحدودية الثلاثة مع السودان، وتحديدا فى منفذ السد العالى الشرقى، الذى استقبل حالة الاشتباه، ويستقبل مئات السودانيين أسبوعيا عبر حركة السفر البحرى بين البلدين، ومن ثم فإن احتمالية انتقال الوباء واردة ما لم تتخذ إجراءات وقائية صارمة.

منفذ ميناء السد العالى شرق بأسوان يستقبل رحلتين أسبوعيا، الأولى يوم الأحد وهى خاصة بالمسافرين من مصر إلى السودان وهؤلاء فى غالبيتهم سودانيون يعملون بالتجارة وبعض الأفراد ممن لهم أقارب بالسودان، ويصل قوام الراحلة الواحدة قرابة الـ700 شخص.

وفيما يتعلق بالمسافرين نكون أكثر حرصا على الاهتمام بالمصريين حيث يتم عمل توعية صحية بالمخاطر وأماكن العدوى والأمراض المنتشرة بالسودان وطرق الوقاية منها، ثم يتم إعطاء المسافر 6 أقراص لمنع الإصابة بالملاريا عبارة عن كبسولة «موفلوكين» كل أسبوع، بعدها يتم تطعيمه ضد الحمى الصفراء إذا كان متجها لمنطقة منتشرة بها الحمى الصفراء أو الالتهاب السحائى، وأخيرا يعطى شهادة صحية مع بعض النصائح مثل تجنب شرب المياه الملوثة وعدم تناول الأكل البارد وارتداء ملابس «بكُم» تغطى يده تجنبا للدغات البعوض وحشرات الملاريا.

أما الرحلة الثانية فتكون يوم الثلاثاء من كل أسبوع، وهى «رحلة الوصول» من السودان إلى مصر، وتكمن الخطورة كلها فى تلك الرحلة التى فى الغالب تحمل أشخاصاً قادمين من مناطق موبوءة بالمرض، ومدة الرحلة الواحدة 17 ساعة، ما يتطلب أن يحمل المسافر أطعمة ومياها، والتى تعد المصدر الأساسى لنقل المرض، ما دفع وزارة الصحة إلى أن تقرر إعدام جميع الأغذية والمشروبات القادمة مع الركاب كإجراء أولى لمحاصرة الوباء.

بالنسبة للقادمين من السودان إلى مصر، إجراءات الحجر الصحى الخاصة بهم مشددة إلى حد كبير، حيث يتم متابعة إجراءات الوصول للباخرة وإبلاغ قائدها بالتوقف فى نقطة غطس تبعد ثلاثة كيلومترات قبل منطقة الوصول، ويخرج «لانش» محملاً بفريق طبى متكامل لمناظرة وفرز جميع أفراد الباخرة، وعمل فحص عشوائى للركاب ومتابعة الكروت الصحية مع كل راكب، كما يتم الحصول على إقرار من قائد الباخرة بعدم حدوث حالات إصابة خلال فترة الرحلة التى تصل لـ17 ساعة، وفى حالة التأكد من عدم وجود حالات اشتباه يتم إعطاء الباخرة إذن بالتحرك للميناء.

وفى حالة اشتباه أعضاء الحجر الصحى بوجود حالة إصابة بالملاريا بين الركاب القادمين على الباخرة، يتم عزله على الفور والاتصال بالمكتب لتوفير سيارة إسعاف لنقل الحالة لأقرب مستشفى حميات فور وصول الباخرة للميناء، أما إذا كان أحد المسافرين يعانى من ارتفاع طفيف فى درجة الحرارة فيتم استقباله بعيادة الحجر الصحى وإعطاؤه بعض الأدوية واحتجازه لساعات قليلة، وإذا استمر ارتفاع درجة الحرارة يتم نقله فوراً لأقرب مستشفى حميات وأخذ عينة منه لتحليلها.

الدخول إلى ميناء السد العالى يستلزم العديد من الموافقات الأمنية من جهات كثيرة عطلت دخولنا للميناء أكثر من ثلاث ساعات، ولكن فى النهاية تم الحصول عليها بصعوبة وبفضل جهود مضنية من مسؤولى القوات المسلحة بالميناء.

دخولنا للميناء صادف موعد إقلاع «رحلة السفر» من أسوان إلى السودان، وكان هناك مئات السودانيين وقليل من المصريين، يفترشون أمام الميناء ومعهم أمتعة كثيرة، يقفون صفا أمام بوابة الميناء استعداداً لركوب الرحلة التى أقلعت فى الساعة الثانية ظهراً.

فى الميناء يوجد مكتب مخصص للحجر الصحى مرفق به عيادة كبيرة بها جميع الأدوية والمستلزمات الطبية والأمصال والطعوم الخاصة بالكثير من الأمراض المعدية، بالإضافة إلى أدوية القلب والسكر وبعض المحاليل الطبية وأدوات الإسعافات الأولية. فى البداية تحدثنا مع مصطفى بكر، مراقب عام الحجر الصحى بأسوان، والمسؤول عن إجراءات الوقاية فى المنافذ الحدودية الثلاثة، سواء البرية أو البحرية، والذى رافقنا طيلة الجولة لشرح مهام مراقبى الحجر الصحى بالمكتب الذى يضم ثلاثة أطباء وستة مراقبى أوبئة، ومفتش أغذية وحارسا صحيا.

«شغلانتنا الغلطة فيها بفورة واللى بيخاف مايشتغلش معانا»، هكذا وصف «بكر» مواصفات من يعملون معه بالمنافذ الحدودية سواء البرية أو البحرية، بالإضافة إلى ضرورة التفرغ الكامل للعمل خلال فترة التواجد، وألا يكون عاملاً بالتجارة، مشيراً إلى أن أحد زملائه المراقبين فى ميناء قسطل، تلقى خبرا بحالة ولادة فى أسرته، لكنه لم يقطع عمله واستكمل مدة عمله التى تصل لأسبوعين متواصلين داخل المنفذ البرى.

وتحدث مراقب الحجر الصحى بالمنافذ الحدودية مع السودان، عن حاملى المرض دون ظهور أعراض إصابة عليهم، ووصف هؤلاء بالفئة الأخطر فى نقل العدوى، وذلك لأن مناعتهم قوية ولا تظهر أعراض المرض إلا بعد مرور فترة زمنية يكونون قد دخلوا البلاد ومن ثم تزداد فرص نقل العدوى، مشيرا إلى أنه فى سبيل الوصول لهؤلا تم استخراج ما يسمى بـ«كارت المتابعة»، والذى يشمل جميع بيانات المسافر عبر المنفذ مثل الاسم والسن ورقم الهاتف وعنوان الإقامة فى مصر خلال 21 يوماً من تاريخ المرور، ويتم عمل قائمة بالأسماء وإرسالها إلى الإدارة العامة للحجر الصحى بوزارة الصحة، ومديريات الشؤون الصحية بمختلف المحافظات ومكاتب الصحة بالقرى والمدن التى يتواجد بها المسافرون طيلة فترة الإقامة، بحيث يقوم فريق من الطب الوقائى بالمديرية التابع لها محل الإقامة المذكور بكارت المتابعة، بمناظرة الحالة خلال تلك الفترة وإذا ظهرت أى أعراض إصابة يتم إبلاغ غرفة العمليات المركزية وتحويله مباشرة لمستشفى حميات لمتابعة حالته الصحية.

وتابع: «أعضاء الحجر الصحى بالمنافذ أكثر الأفراد عرضة للإصابة بالعدوى للتعامل المباشر مع المرضى والحالات المصابة، ولذا يجب اتباع إجراءات وقائية مشددة لتجنب العدوى، التى تتمثل فى ارتداء ملابس واقية عند التعامل المباشر مع الحالة المشتبه بإصابتها تستخدم مرة واحدة فقط وتعدم بعدها ضمن النفايات الخطرة».

وأوضح أن هناك جهازا مستخدما لقياس درجة حرارة الحالة عن بعد، ودون ملامسة الجلد، يسمى إنفرالين، وهذا الجهاز يوجه مباشرة إلى جبهة المصاب، على مسافة 10 سنتيمترات، دون ملامسة للجلد، ويستطيع قياس درجة الحرارة بشكل دقيق جداً، كما توجد نظارة زجاجية تسمى النظارة الوقائية، ويرتديها عضو الفريق الطبى، عند التعامل مع حالات الاشتباه.

مواقف عدة تعرضت لها نوال صالح مسؤول عيادة الحجر الصحى، خلال فترة عملها بالمنفذ، أبرزها وقت اكتشاف أول حالة اشتباه بالملاريا، حيث وصلت الحالة إلى العيادة، بتاريخ 4 أكتوبر الماضى، وكانت تعانى إسهالا وترجيعا شديدا مصحوبا بدوخة وارتفاع بدرجة الحرارة، وأشارت إلى أنه تم تركيب المحاليل للحالة وإعطاؤها حقنة لوقف القىء، وتم الاتصال بالإسعاف لنقلها إلى مستشفى حميات أسوان، وقضت بها يومين حتى شفيت، لافتة إلى أن الحالة كان معها أختها مرافقة لها، وعلى الفور تم عمل مسح سريع لها، والتأكد من عدم إصابتها.

وذكرت مسؤولة عيادة الحجر الصحى بميناء السد العالى حالة أخرى اشتباه بإصابة لسيدة سودانية 42 عاما، كانت تعانى من انسداد معوى، وتم إسعافها قبيل نقلها لمستشفى الحميات، وللعلم جميع الخدمات الصحية تقدم للمرضى مجاناً، وهو ما يدفع العديد من المرضى السودانيين خلال فترة الانتظار بالمنفذ للقدوم إلى العيادة وطلب الأدوية، بعد التأكد من أنها مجانية وذلك لأنهم يعالجون فى السودان بمقابل مادى.

وخلال فترة تواجدنا بالمنفذ كانت هناك حالة اشتباه أولى لمواطن سودانى من مدينة نيالة، ويدعى عبدالنور عبدالرحمن، حيث يعانى من ارتفاع ملحوظ فى درجة الحرارة، وتم نقله إلى العيادة الطبية المجاورة لمكتب الحجر الصحى، وقياس الضغط ودرجة الحرارة عن بعد باستخدام جهاز إنفرالين، وتبين وجود ارتفاع طفيف بدرجة الحرارة نتيجة وجود آلام بأسنانه، منذ فترة طويلة، وعلى الفور قام الفريق الطبى بإعطائه بعض الأدوية والمسكنات والتأكيد عليه بضرورة العرض على الطبيب فور الوصول للسودان.