بعد 26 عاماً من مغادرته القصر الرئاسى اللبنانى مجبراً من قبل الجيش السورى إلى المنفى، انتخب الزعيم المسيحى المخضرم ميشال عون، الاثنين، رئيساً للدولة بدعم من خصومه القدامى، بعد تحولات أجبرت بعضهم على تغيير موقفه، وأجبرت البعض الآخر على الصمت أو مجرد الاكتفاء بالرفض.
وتحققت الأمنية التى تمناها عون، حليف «حزب الله»، المدعوم من إيران، بفضل تأييد غير متوقع من رئيس الوزراء السابق، الزعيم السنى سعد الحريرى، الذى خاض حرباً سياسية لسنوات ضد «حزب الله» وحلفائه بدعم سعودى.
ومن علامات التحول فى مواقف القوى اللبنانية، دعم أحد أبرز أعداء عون إبان الحرب الأهلية، منافسه المسيحى قائد القوات اللبنانى، سمير جعجع، والزعيم الدرزى، وليد جنبلاط. لكن لايزال لديه خصوم أقوياء يعارضون انتخابه وفى مقدمتهم رئيس مجلس النواب، الزعيم الشيعى، نبيه برى.
وسيشكل انتخاب «عون» تحولاً ملحوظاً للجنرال السابق، 81 عاما، الذى خاض حربين مدمرتين فى أواخر الثمانينيات فى نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، التى اندلعت بين عامى 1975 و1990 كانت إحداها ضد سوريا، والأخرى ضد القوات المسيحية المنافسة.
وساهم تحالفه فى وقت لاحق مع «حزب الله» فى تعزيز الانقسامات داخل الطائفة المسيحية المارونية، كما أثار هذا التحالف غضب الولايات المتحدة. ويرى خبراء أن انتخابه يمثل انتصاراً لحزب الله وطهران ودمشق على حلفاء الحريرى السنة فى الرياض الذى تراجعوا عن الساحة اللبنانية، مع التركيز على محاربة إيران فى اليمن والخليج.
ويعتبر تنازل الحريرى فى اتفاقه مع عون، ملاذاً أخيراً له لضمان البقاء السياسى لرجل كان وجه اتهامات إلى سوريا بمقتل والده رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريرى. وتضررت مكانة الحريرى بسبب أزمة مالية تواجهها شركته للتطوير العقارى «سعودى أوجيه»، إلا أن الخطوة اعتبرها خبراء ومسؤولون على أنها تحول مهم لإنهاء 29 شهراً من الفراغ السياسى فى قصر بعبدا، ما أصاب الحكومة بالشلل فى مواجهة أزمات عديدة فى مقدمتها أزمة القمامة، فى وقت تحتدم فيه الحرب الأهلية فى سوريا.
ولطالما كان عون يطمح منذ فترة طويلة للوصول إلى هذا المنصب المخصص للمسيحيين الموارنة ضمن نظام تقاسم السلطة. ويشكل فوزه علامة على مرحلة جديدة فى السياسية اللبنانية مع الانهيار النهائى للتحالف المدعوم من السعودية والذى كافح ضد حزب الله وحلفائه منذ اغتيال رفيق الحريرى، عام 2005، وهو اتهام نفاه الحزب، رغم أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اتهمت 5 من عناصره باغتيال الحريرى. وأصر حزب الله على عون رئيسا للبلاد، وقاطع عشرات الجلسات لاختيار خليفة الرئيس المنتهية ولايته ميشال سليمان.
وعون شخصية مثيرة للجدل فى الخارج وفى لبنان، ويتسم باتخاذ قرارات غير متوقعة، وبعد ضغوط لسنوات ضد سوريا من المنفى، عاد إلى لبنان عام 2005 بعد انسحاب القوات السورية، عقب اغتيال الحريرى. استقبل عون حينها استقبال الأبطال من قبل أنصاره فى ساحة الشهداء فى بيروت، ثم بدأ نسج تحالفه مع حزب الله، مما أثار غضب واشنطن التى اعتبرت أنه أعطى الغطاء السياسى لحفاظ الحزب على أسلحته. وفى عام 2009 زار عون سوريا حيث التقى بالرئيس بشار الأسد. وقال الأسد فى مقابلة عام 2014 إنه سيرحب بانتخاب عون رئيسا للبلاد، واصفاً إياه بأنه مؤمن فى «المقاومة»، فى إشارة لحزب الله المتورط فى الحرب الأهلية السورية بجانب قوات الأسد، ودافع عون عن دور حزب الله فى سوريا قائلا إنه يدافع عن لبنان والمسيحيين اللبنانيين من خطر التشدد، فيما يرفض السنة ومعارضو حزب الله تورطه فى الأزمة السورية ويفضلون أن يتمسك لبنان بسياسة النأى عن الأزمة السورية. ولكن مع انتخاب الرئيس الـ13 فى تاريخ البلاد، والثالث بخلفية عسكرية بعد 46 جلسة للبرلمان اللبنانى، فى الثمانينيات، يكون قد عاد لمنصبه الذى تولاه قائما بالأعمال خلال الحرب الأهلية.