مبانى وسط البلد التاريخية.. الإنقاذ قبل فوات الأوان

كتب: اخبار الجمعة 28-10-2016 12:07

عانت المبانى التراثية بوسط البلد من إهمال واضح على مدى عقود، وتعرضت للتشويه والتغيير سواء فى بنيتها أو شكلها الخارجى، بل إن بعضها اختفى تماما وأزيل من الوجود للأسف. ورغم انطلاق مشروع إعادة إحياء القاهرة الخديوية فلا تزال المبانى التراثية تحتاج إلى إنقاذ حقيقى يشمل ترميمها من الداخل وليس الخارج فقط، وفحص الأساسات الخاصة بها، إذ تشير تقارير عدة إلى أن أغلب العقارات تعوم فوق بحيرة من مياه الصرف الصحى والمياه الجوفية فى بدروماتها والمخابئ التى كانت تستخدم وقت الحروب السابقة!

ويقصد بالمبانى التراثية، تلك الأبنية والعقارات التى تمتاز بطراز معمارى فريد، يمثل حقبة مهمة من تاريخ الفن والعمارة، ويشكل تصميمه إبداعا متفردا لمعمارى أو فنان محلى أو عالمى، للدقة، هذا جزء من تعريف المبنى التراثى، وهو المختص بالشكل، فالمبنى التراثى يجب أن تكون له قيمة تاريخية اكتسبها من ارتباطه بحدث تاريخى قومى، أو من سكنى شخصيات مهمة ومؤثرة به، فضلا عن عمره وقيمته المعنوية الاجتماعية، ووسط البلد تضم بين شوارعها وميادينها مئات العقارات والمبانى التى تتحق فيها هذه الشروط مجتمعة.

فى هذا الملف عن العمارات التراثية فى وسط البلد، تقدم «منطقتى» فى عدة حلقات، دليلًا كاملًا عن هذه المبانى، وطُرزها المعمارية المتنوعة، وأشهر أسماء المعماريين الذين صمموها مصريين وأجانب، وحكاياتها المثيرة وأهم الأشخاص الذين عاشوا فيها، وارتباطاتها التاريخية والاجتماعية، وصورا نادرة لها، كما نناقش مشروع إعادة إحياء القاهرة الخديوية من وجهات نظر مختلفة.

عمارات النصف قوس فى طلعت حرب ومصطفى كامل.. «الميدان عليه حاجب»

تحتضن ميادين منطقة القاهرة الخديوية الكثير من العمارات ذات الطابع المعمارى الذى يتسم بالثراء فى التصميم والزخارف، إضافة إلى تعدد الطرز المعمارية لتلك العمارات.

ويلفت انتباهك حين تتجول بين ميادين المنطقة، تلك البنايات التى تأخذ واجهاتها شكل نصف قوس وكأنها «حاجب» على الميدان المستدير الذى يبدو كـ«العين»، مثل مبنى مجمع التحرير بميدان التحرير، والعمارات المطلة على ميادين طلعت حرب وأحمد عرابى ومصطفى كامل، ويبدو أنها قد صممت على هذا الشكل لتتناسب مع حركة الميدان ولتعطى شكلا جماليا يزينه. فى السطور التالية نماذج لبعض تلك العمارات.

عمارة التأمين الأهلية

أنشئت العمارة 41 شارع قصر النيل، عام 1900 على يد بعض المعماريين الفرنسيين فى عهد الخديو إسماعيل، وأهم ما يميزها أنها لم تقم على وجود أساسات مسلحة، بل هى عبارة عن تضافر للأسياخ الحديدية مع بعضها، وهو ما جعلها صامدة أمام أى زلازل على مدى تلك السنوات، ولها سلمان للخدمة، الأول داخلى وله ممر خاص من الرخام، والآخر يصل إلى خلف العمارة وهو مصمم من الطوب والحديد، أما بهو العمارة فهو ضخم ويتسم بديكورات من الرخام، وله سقف مرتفع يأخذ الشكل النصف دائرى، ويمتد حتى سلالم الصعود، وللعمارة واجهة مميزة على شكل نصف قوس حول الميدان، ولها ثلاث واجهات وهى ميدان مصطفى كامل، وشارعى قصر النيل ومحمد فريد.

الحاج على محمد حارس العمارة منذ أكثر من ثمان وعشرين عاما تحدث لمنطقتى عن بعض التفاصيل الأخرى التى تتعلق بتلك العمارة، حيث يشير إلى أنها تتبع الشركة الأهلية للتأمين التى انضمت لشركة مصر للتأمين والشرق الأهلية للتأمين، وتتولى الشركة تجديدها وطلاء واجهاتها، كان آخرها منذ ثلاث سنوات، وللعمارة مدخل واحد وتقع فى سبعة أدوار وتضم ما بين مكاتب إدارية ومحامين وشقق سكنية إضافة إلى السطح.

6 و8 طلعت حرب

تتناسق العمارتان رقمى 6 و8 ميدان طلعت حرب لترسمان شكل نصف دائرى حول الميدان، وقد صممتا على طراز الفن الجديد الذى اتسم باستخدام أشكال الأزهار والأشكال المستوحاة من النباتات، وكما يوضح كتاب القاهرة الخديوية للدكتورة سهير حواس، أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة وعضو مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، فإن تاريخ تلك العمارتين يعود إلى ما عهد الخديو إسماعيل. فيما يشير الحاج عماد حامد حارس العمارة رقم 6 إلى أن تلك العمارتين تم بناؤهما فى عهد الخديو إسماعيل، على يد عدد من اليهود الأجانب الذين كانوا يعيشون بمنطقة وسط القاهرة، وبعد ثورة يوليو عام 1952 وما حدث من تأميم، آلت ملكيتهما إلى شركة مصر للتأمين، ومنذ ذلك الوقت وهما تتبعان الشركة وهى من تقوم بأعمال الترميم والتجديد بهما. هذا وتقع هاتان العمارتان فى خمسة أدوار على مساحة نحو 1155 مترا، وتضم العمارة رقم 6 ما بين شقق سكنية وعيادات وفندق ومكاتب إدارية، وبالنسبة لروف العمارة فقد صدر له قرار إزالة بعد زلزال عام 1992 نتيجة تصدعه، وأزيل نهائيا حوالى عام 2000.

حول الميدان

على ناصية شارع محمد صبرى أبوعلم باتجاه ميدان طلعت حرب، تقع العمارتان رقمى 1و3 ميدان طلعت حرب اللتان تشغلان مساحة كبيرة، وقد صممتا على طراز النيو كلاسيك، أما الواجهة فقد اتخذت شكل النصف قوس لتتناسب مع شكل الميدان كباقى العمارات التى تطل على الميادين. يحكى الحاج خليفة عبداللطيف حارس العقار رقم 8 بالميدان، والذى عاصر تاريخ الميدان منذ أكثر من أربعين عاما، أن العمارة رقم 3 بناها شخص يهودى يعيش بمصر وكان يقطن بها أحد الجزارين الذى كان يبيعه اللحم، وقبل وفاة اليهودى كتب العمارة، وحاليا آلت ملكيتها إلى ورثة الجزار، وهى تقع فى ثمانية طوابق على مساحة نحو 500 متر، وتضم أحد الفنادق والعيادات ومركز معوض للتجميل، إضافة إلى شقق سكنية ومكاتب إدارية. وفيما يتعلق بالعمارة رقم 1 بالميدان فقد بناها ثلاثة إخوة يهود وعاشوا بها فترة طويلة حتى جاءت ثورة يوليو عام 1952، فتأممت العمارة وآلت ملكيتها لشركة مصر للتأمين. هذا وقد تم الانتهاء مؤخرا من ترميمها وطلاء واجهتها ضمن مشروع إعادة إحياء وتطوير القاهرة الخديوية، وهى تقع على مساحة 1590 مترا فى عشرة طوابق تضم شققا سكنية ومكاتب لشركات سياحة إضافة إلى مكاتب لبعض المصالح الحكومية.